قال وزير الخارجية السعودي عادل الجبير إنه يتعين على الرئيس السوري بشار الأسد أن يرحل عن السلطة مع بداية المرحلة الانتقالية وليس في نهايتها، رافضا أن يبقى في السلطة طيلة المرحلة الممتدة لـ18 شهرا والتي من المفترض، وفق اتفاق ميونيخ وقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 أن تنتهي بإجراء انتخابات. وللتدليل على أن موقف الرياض صارم ونهائي، أكد الجبير خلال لقائه أمس مجموعة من الصحافيين الفرنسيين في اليوم التالي لانتهاء الزيارة الرسمية لولي العهد السعودي الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز لفرنسا أن «الأمور واضحة جدا بالنسبة لنا». وسبق للوزير السعودي أن قال في أكثر من مناسبة بأنه يتعين على الأسد أن يرحل «إما سلما أو بالوسائل العسكرية». وكان الموضوع السوري أحد الملفات الرئيسية التي تمت مناقشتها مع كبار المسؤولين الفرنسيين أول من أمس الجمعة إن بين ولي العهد السعودي ورئيسي الجمهورية والحكومة والوزراء المعنيين أو بين الجبير ونظيره الفرنسي جان مارك أيرولت. وجدير بالذكر أن باريس كانت محور لقاءات واتصالات عالية المستوى بشأن الحرب في سوريا إذ شهدت، إلى جانب المحادثات مع الوفد السعودي، اجتماعا لوزراء خارجية فرنسا وبريطانيا وألمانيا و«وزيرة» الشؤون الخارجية الأوروبية فيديريكا موغيريني وآخر بحضور رياض حجاب، منسق الهيئة العليا للمفاوضات المنبثقة عن مؤتمر الرياض للمعارضة السورية. وعلى المستوى الرئاسي حصل اتصال هاتفي مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شارك فيه الرئيس الفرنسي والمستشارة الألمانية ورئيس الحكومة البريطانية والإيطالية. وأحد أهم أغراض هذه التحركات الضغط على روسيا ودفعها لالتزام قواتها وقوات النظام الهدنة التي بدأ العمل بها ليل 27 فبراير (شباط) بعد التصويت في مجلس الأمن على القرار 2268. وكشفت مصادر دبلوماسية لـ«الشرق الأوسط» أن باريس ولندن تضغطان على الطرف الأميركي من أجل «اتخاذ موقف أكثر حزما» إزاء موسكو لحملها على الضغط على النظام السوري. وترى هاتان العاصمتان أن الوزير كيري «كثير التساهل» في التعاطي مع الوزير لافروف وأن رهاناته الدبلوماسية «يجب أن تترافق مع ضغوط» إذا كان الغرض تحقيق تقدم ميداني ذي معنى. وفي اللقاء الذي جمع رياض حجاب بالمسؤولين الأوروبيين في مقر وزارة الخارجية الفرنسية، تعرض مسؤول الهيئة لضغوط غرضها دفعها للعودة إلى جنيف والمشاركة في المفاوضات غير المباشرة التي ينوي المبعوث الدولي ستيفان دو ميستورا استئنافها الأسبوع القادم وعلى الأرجح في العاشر من مارس (آذار). وحجة الوزراء الأوروبيين أنه رغم انعدام الاحترام التام لوقف الأعمال العدائية وتكاثر الانتهاكات، فإن «مستوى العنف» قد تراجع فيما المساعدات الإنسانية وصلت إلى الكثير من المدن والبلدات المحاصرة. وساق الوزراء الأوروبيون وفق مصادر أوروبية اطلعت على مجريات الاجتماع حجة إضافية قوامها أنه لا يتعين على الهيئة «توفير فرصة للنظام لاتهام المعارضة بإجهاض المحادثات وتعطيل الجهود الدولية» وبالتالي تحميلها لاحقا مسؤولية استمرار آلام ومآسي الشعب السوري. بيد أن حجاب، وفق ما كشفت مصادر شاركت في الاجتماع، رغم «تفهمه» للحجج المذكورة وشكره للدعم الأوروبي «لم يقدم أي وعد قاطع» بانتظار نتائج اجتماع «الهيئة» في الأيام القادمة في الرياض من أجل اتخاذ قرر بهذا الخصوص. وركز حجاب على «فداحة الانتهاكات» المستمرة التي يرتكبها النظام والقوات الروسية والقوى الأخرى التي تحارب إلى جانبه وعلى استمرار فرض الحصار على 18 بلدة وعلى نصف مليون إنسان في سوريا وعلى رفض النظام، حتى الآن، الإفراج عن المعتقلين بدءا بالنساء والأطفال. وباختصار، شدد حجاب على أن البندين 12 و13 من القرار الدولي رقم 2254 لم يتحققا بعد رغم مرور أكثر من أسبوع على بدء الهدنة التي يصفها الجميع بأنها «هشة». وفي المؤتمر الصحافي الذي عقده عصرا، لخص منسق الهيئة الوضع بقوله إن «الشروط الضرورية من أجل معاودة المفاوضات لم تتوافر بعد». ولكنه لم يستبعد أن يعود وفد الهيئة إلى المدينة السويسرية. حتى يوم أمس، لم تكن واضحة «صورة الموقف» الذي سترسو عليه الهيئة بالمشاركة أو الامتناع. وصعوبة موقفها أنها تجد نفسها محشورة بين المطرقة والسندان وفق تعبير مصدر من الهيئة. والأسوأ من ذلك أنها تلاحظ أن النظام والطيران الروسي كثفا قصفهما في الأيام الأخيرة بعكس الأيام الأولى لوقف الأعمال العدائية. وبحسب هذه المصادر، فإن للنظام هدفين متلازمين: الأول، دفع المعارضة لرفض العودة إلى جنيف مثلما دفعها خلال الجولة الأولى «بداية فبراير» من المحادثات إلى تعليق مشاركتها عندما أطلق النظام والقوات الجوية الروسية الحملة العسكرية الواسعة على حلب ومنطقتها. والثاني، إيجاد شرخ بين المعارضة السياسية التي تفاوض والفصائل المقاتلة على الأرض بحيث تتهم الأخيرة المفاوضين بأنهم عاجزون عن تحقيق أي تقدم أو وضع حد لتساقط الضحايا بينما المفاوضات جارية. ينتظر وفد الهيئة العليا إذا قرر العودة إلى جنيف «فخ» جديد يتضمنه القرار الدولي رقم 2268 الذي حذفت منه أي إشارة إلى «وفد الهيئة العليا» باعتباره ممثلا للمعارضة واستعيض عن ذلك بكلمة «معارضة» وحدها دون تحديد هوية من يمثلها. وشرحت المصادر لـ«الشرق الأوسط» أن الوفد الروسي هو من أصر على هذه الصياغة التي فرضها على الجانب الأميركي الذي تفاوض معه وصاغ فقرات القرار وكان قبل ذلك قد أصر على الإشارة إلى اجتماعي القاهرة وموسكو متمسكا بوجود ممثلين عنهما في جنيف. وأمس، أفادت وزارة الخارجية الروسية عن اتصال هاتفي جرى بين الوزيرين كيري ولافروف ليل الجمعة دار حول ضرورة العودة السريعة لمحادثات جنيف. وبحسب بيان الوزارة فإن «الجانبين طالبا ببدء المحادثات في أسرع وقت ممكن... بين الحكومة السورية ومختلف أطياف المعارضة والتي سيحدد خلالها السوريون أنفسهم مستقبل بلادهم». أما المرصد السوري لحقوق الإنسان فقد أشار أمس إلى أن 135 شخصا في المجمل قتلوا في الأسبوع الأول من الهدنة في مناطق يشملها اتفاق وقف الأعمال القتالية فيما وصل عدد القتلى في المناطق التي لا يشملها الاتفاق 552 شخصا.
مشاركة :