طهران - نقلت إيران خمسة أميركيين من السجن إلى الإقامة الجبرية وفق ما أفاد مسؤولون وأفراد من عائلاتهم الخميس، في خطوة أولى من اتفاق من شأنه أن يؤدي للإفراج عن مليارات الدولارات من الأموال الإيرانية المجمّدة مقابل السماح لهؤلاء المساجين بمغادرة الجمهورية الإسلامية. ويأتي هذا التطور بشأن السجناء - وأحدهم محتجز منذ نحو ثماني سنوات - بعد جهود دبلوماسية هادئة ومضنية بين البلدين الخصمين اللذين انهارت محادثاتهما المنفصلة حول إحياء الاتفاق بشأن النووي الإيراني. وقالت مصادر مطلعة على المفاوضات إن الخطوة التالية ستكون تحويل ستة مليارات دولار من الأموال الإيرانية المجمدة في كوريا الجنوبية إلى حساب خاص في قطر يمكن لطهران استخدامه لشراء سلع إنسانية مثل الغذاء والدواء. من جهتها، وصفت إيران الاتفاق بأنه لتبادل السجناء، ونقلت وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية الإيرانية عن بعثة طهران لدى الأمم المتحدة قولها إن كل دولة "ستمنح عفوا وتطلق سراح خمسة سجناء". وقال مصدر طلب عدم ذكر اسمه، إنه إذا سارت الأمور كما هو مخطط لها، يمكن للسجناء مغادرة إيران في وقت ما في أيلول/سبتمبر. وصرح وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن للصحافيين "أعتقد أن هذه بداية نهاية كابوسهم، والكابوس الذي عاشته عائلاتهم". أربعة من هؤلاء السجناء - سياماك نمازي وعماد شرقي ومراد طهباز وآخر فضل عدم الكشف عن هويته - نُقلوا الخميس من سجن إوين سيئ السمعة في طهران غداة إبلاغ إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن عائلاتهم بحدوث انفراج في المحادثات. وقال محامي أحد السجناء إن الأربعة نقلوا إلى فندق حيث وضعوا تحت الحراسة، وفق ما قال محامي أحد السجناء. وأفادت مصادر أن سجينة أميركية هي أيضا جزء من النقاشات وتم نقلها في الأسابيع الأخيرة إلى الإقامة الجبرية. وصرح باباك نمازي شقيق سياماك "نحن ممتنون لأن سياماك والأميركيين الآخرين في إيران خرجوا من سجن إوين وسيخضعون للإقامة الجبرية". وقالت المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي أدريان واتسون "في حين أن هذه خطوة مشجعة، إلا أن هؤلاء المواطنين الأميركيين... ما كان ينبغي إطلاقًا اعتقالهم في المقام الأول". وأضافت "بالطبع، لن يهدأ لنا بال حتى يعودوا جميعا إلى الوطن". مشيرة الى أن "المفاوضات بشأن الإفراج عنهم لا تزال جارية وهي حساسة". كما رحب جاريد جينسر، محامي عائلة نمازي، بالخطوة لكنه أبدى أسفه لأن هؤلاء الأميركيين ما زالوا محتجزين. وقال المحامي "بينما آمل أن تكون هذه الخطوة الأولى لإطلاق سراحهم النهائي، إلا أن هذا في أفضل الأحوال بداية النهاية لا أكثر". وصرح كبير المفاوضين الإيرانيين علي بكيري، بأنه سيتم إطلاق سراح العديد من مواطنيه المحتجزين في الولايات المتحدة، إضافة إلى رفع الحظر عن أموال طهران المجمدة. وأعلن بكيري، وهو نائب وزير الخارجية أيضا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي الخميس، بدء عملية الإفراج عن الأصول الإيرانية المقدرة بمليارات الدولارات، والتي استولت عليها الولايات المتحدة بشكل غير قانوني لعدة سنوات، وأن البلدين سيتبادلان إطلاق سراح المحتجزين لديهما. وأكد أن طهران حصلت على "الضمان اللازم" بشأن وفاء واشنطن بالتزاماتها، وأن ذلك يشمل إطلاق سراح أعداد كبيرة من الإيرانيين المحتجزين بشكل غير قانوني في الولايات المتحدة. وقال مصدر إن النقاشات تركزت على الإفراج عن ستة مليارات دولار من الأموال الإيرانية المجمدة في كوريا الجنوبية. جنت إيران هذه الأموال من مبيعات النفط لكن سيول جمّدتها امتثالا للعقوبات الأميركية المفروضة في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب. وفي حين شدد المصدر على أن هذا التفاهم ليس نهائيا، أضاف أنه سيُسمح لإيران باستخدام الأموال التي تديرها قطر في قطاعات غير خاضعة للعقوبات وأنه لن يتم تحويل أي أموال مباشرة إلى إيران. وأكد بلينكن الخميس أن بلاده لن تخفف العقوبات على إيران بموجب الاتفاق. وقال وزير الخارجية الأميركي ردا على سؤال صحافي "لن تحصل إيران على أي تخفيف للعقوبات". وأضاف "الأموال الإيرانية سوف تستخدم وتحول إلى حسابات مقيدة بحيث لا يمكن استعمالها إلا لأغراض إنسانية". وأفادت وسائل إعلام رسمية إيرانية أن السجناء لن يطلق سراحهم إلا بعد إيداع الأموال في الحسابات. واجه الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما انتقادات لاذعة من خصومه الجمهوريين لإفراجه عن 400 مليون دولار نقدا - وهي أيضا أموال تخص إيران - لتأمين الإفراج عن دفعة سابقة من السجناء تزامنا مع إبرام الاتفاق النووي التاريخي مع طهران عام 2015. في المفاوضات الجارية، تسعى إيران أيضا إلى إطلاق سراح سجنائها المحتجزين لدى الولايات المتحدة على خلفية انتهاك العقوبات. وتأتي المفاوضات رغم انهيار المحادثات بين إدارة بايدن وإيران بشأن العودة للاتفاق النووي الذي سحب ترامب الولايات المتحدة منه عام 2018. ولم تصدر مؤشرات على احتمال تسجيل انفراج بشأن الاتفاق النووي، بعدما رفض بايدن في وقت سابق بصراحة احتمالات إحيائه اثر حملة القمع التي شنتها سلطات الجمهورية الإسلامية على احتجاجات حاشدة على خلفية مقتل الشابة مهسا أميني. تفاوضت الولايات المتحدة مرارا مع خصوم لها من أجل إطلاق سراح سجناء أميركيين. وقد تبادلت إدارة بايدن سجناء مع روسيا رغم تجميد معظم الاتصالات رفيعة المستوى بين البلدين منذ غزو أوكرانيا. جميع المواطنين الأميركيين الخمسة في الذين نقلوا إلى الإقامة الجبرية من أصل إيراني. ولا تعترف إيران بالجنسية المزدوجة وعلاقاتها متوترة مع الولايات المتحدة منذ الثورة الإسلامية عام 1979 التي أطاحت الشاه الموالي للغرب. أوقف نمازي، وهو رجل أعمال، في تشرين الأول/أكتوبر 2015. واتُهم بالتجسس بناء على ما تسميه عائلته أدلة مثيرة للسخرية مثل ارتباطاته السابقة بمراكز أبحاث أميركية. كما أوقف والده، المسؤول السابق في اليونيسف باقر نمازي، أثناء ذهابه لمساعدة ابنه، لكن تم إطلاق سراحه العام الماضي اثر تدهور صحته. أما طهباز، فهو أميركي من أصل إيراني ويحمل أيضا الجنسية البريطانية، وقد أوقف إلى جانب نشطاء بيئيين آخرين في كانون الثاني/يناير 2018 وحكم عليه بالسجن لمدة عشر سنوات بتهمة "التآمر مع الولايات المتحدة". وُضع طهباز في الإقامة الجبرية لفترة وجيزة العام الماضي أثناء التفاوض على اتفاق مع بريطانيا أدى إلى إطلاق سراح شخصين آخرين مزدوجي الجنسية، من بينهما عاملة الإغاثة نازانين زاغاري راتكليف. وشرقي هو مستثمر وحُكم عليه أيضا بالسجن لمدة عشر سنوات بتهم تجسس.
مشاركة :