يمر العالم بأزمات طعام بين نقص وجوع وهدر وضياع. تحدثت منظمات عالمية عن هذه الأزمة، منها البنك الدولي وبرنامج الأغذية العالمي للأمم المتحدة. وقد صنعت الأزمة مشكلات. والمشكلات ليست جديدة، بل موجودة عبر التاريخ. ما الذي حصل أخيرا؟ تطورات بعد أزمة كورونا وتبعاتها بما زاد من حدة المشكلات. مشكلات جلبت مزيد ضرر بالطعام وتوفيره ونقله وتوزيعه والحصول عليه. الأزمات نسبية وليست مطلقة، وتتركز في بعض المجتمعات والدول وليس الكل. فالسعودية -على سبيل المثال-، سارت بخطى ثابتة متجاوزة أزمة كورونا وتبعاتها على الطعام -بفضل الله- ثم بفضل استراتيجية ناجحة، وعمل مؤسسي قامت به الدولة قبل وخلال كورونا. والنتيجة -بحمد الله- وفرة المعروض من الأطعمة ذات الجودة وبالأسعار المناسبة. لكن هناك مشكلة الهدر. ما خلفية الأزمة العالمية؟ هناك تطورات في نزاعات وصدمات اقتصادية وظواهر مناخية غير مألوفة، وهناك ارتفاع في أسعار الأسمدة. عوامل أسهمت في أزمة طعام ذات أبعاد غير مسبوقة. وزادت الأزمة عوامل اقتصادية. تزايد أعباء الدين العام، وانخفاض قيمة العملة، وارتفاع معدلات التضخم، وزيادة معدلات الفائدة، وتزايد مخاطر الركود العالمي. عوامل تعمل على الحد من حصول البعض على الطعام، تعمل على الحد من قدرة دول على استيراد الطعام. وفي الوقت نفسه، فإن قطاع الزراعة يواجه مخاطر من تغير مناخ وغيره. على سبيل المثال، تسبب الجفاف غير المسبوق متعدد المواسم في تفاقم مشكلة توافر الطعام لملايين في القرن الإفريقي. دفع مجتمعات إلى ما يشبه حافة المجاعة. وهناك مشكلة الهدر. يقول برنامج الطعام العالمي: إن نحو ثلث ما ينتج من طعام في العالم، وهو صالح للاستهلاك، هذا الثلث يضيع بين هدر وخسارة. وقيمة ما يهدر ويخسر مئات المليارات من الدولارات سنويا. هذا تناقض عجيب مع أزمة الطعام والمجاعات في بعض الشعوب. يواجه مئات الملايين من البشر نوع ضعف أو شبه انعدام لأمن الطعام. وكان العدد أقل كثيرا قبل تفشي جائحة فيروس كوفيد - 19. وهناك أعداد من البشر يواجهون ظروفا شبيهة بالمجاعة. وكان العدد أقل كثيرا قبل أعوام قليلة ماضية. ارتفعت الأسعار العالمية للأسمدة بوتيرة أسرع من أسعار الأطعمة، التي لا تزال هي الأخرى تسجل أعلى مستوياتها منذ عشرة أعوام. وجاءت حرب أوكرانيا وتداعياتها لتزيد من الطين بلة. ما تسببت فيه تلك الحرب ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي، وتقليل حاد في إنتاج الأسمدة وصادراتها. وتبعا تراجعت الإمدادات فارتفعت الأسعار. ارتفاع أسعار الأسمدة جعل المشكلة ليست فقط التكاليف، بل أعمق. جعلها أقوى في توفير الطعام. كما حصل انخفاض ملموس في إنتاج محاصيل الذرة والأرز وفول الصويا والقمح. وتبعا ارتفعت أسعار الأطعمة بوضوح في 2022 في معظم الدول. ارتفاع صعب الحصول على الطعام من أسر كثيرة. وكثيرون سمعوا عن نية الهند في الحد من صادرات الأرز سعيا في خفض سعره على الناس داخل الهند. أزمة الطعام أدت إلى زيادة الهجرة وزادت من زعزعة الاستقرار والنزاع في مجتمعات. وحدث ذلك مرارا وتكرارا عبر التاريخ. إدارة الأزمة والاستعداد للمستقبل تطرح جهات دولية، كالبنك الدولي وبرنامج الطعام العالمي WFP world food programme تخفيف الأزمة من خلال خمسة مجالات: الأول، مساندة الإنتاج والمنتجين. الثاني، تسهيل زيادة التجارة في الأطعمة ومدخلات إنتاجه. الثالث، مساندة الأسر الأكثر احتياجا. الرابع، الاستثمار في أمن الطعام المستدام، وأتاح البنك أكثر من 26 مليار دولار للإجراءات التدخلية قصيرة وطويلة الأجل في مجال أمن الطعام في عشرات الدول. الخامس، احترام النعمة وتقليل الهدر في الطعام. على المدى غير البعيد، العمل على مشاريع، مثل المشروع الطارئ لمكافحة أزمة الطعام في الكاميرون، مساعدات غذائية وتغذوية طارئة لأعداد كبيرة من الناس. إضافة إلى مساندة الأسر الأكثر احتياجا، يمكن لحكومات الدول المصدرة للأطعمة تحسين الأمن الغذائي العالمي من خلال الحد من بعض التدابير، مثل تكديس الأطعمة. وعلى المدى الأطول، يمكن للحكومات أن تحدث فرقا هائلا عن طريق إعادة توجيه الإنفاق العام على السياسات الزراعية ومساندة نظام غذائي يكون أكثر استدامة وقدرة على الصمود بحيث يؤدي إلى تحسين مستوى الصحة العامة، واقتصادات الدول وكوكب الأرض بشكل مباشر. وتعكس هذه الإجراءات والتمويل الذي تم صرفه حديثا حجم الأزمة. ويمكن للإجراءات المنسقة والمتواصلة ومحكمة التوقيت عن طريق بناء الشراكات، مثل التحالف العالمي للأمن الغذائي أن تعظم أثر السياسات الجديدة والتمويل الجديد، وأن تخفف من حدة ونطاق هذه الأزمة. لقد حان وقت العمل. واقترحت خيارات. خيارات أساسها العمل بأقرب وقت لإنقاذ الأرواح والاستثمار في الحلول التي تضمن الأمن الغذائي والاستقرار والسلام للجميع، أو رؤية كثيرين في أنحاء العالم يواجهون الجوع المتزايد. في العام الماضي، حشد العالم موارد غير عادية وصلت إلى 14 مليار دولار لبرنامج الطعام العالمي. ومع أنه رقم غير مسبوق، لكنه صغير نسبيا في مواجهة أزمة عالمية غير مسبوقة. ساعد التعاون الدولي على إنقاذ كثيرين في دول، مثل الصومال، التي كانت على حافة المجاعة. لكن لا يكفي فقط إبقاء الناس على قيد الحياة. الحاجة أبعد من ذلك، وتحقيق ذلك يتطلب تعاونا وتنسيقا وجهودا قوية. يساعد التعاون والعمل المشترك عالميا على بناء رأس المال البشري، وتقوية جهود الحكومات في تعزيز برامج الحماية الاجتماعية، وتحقيق الاستقرار في المجتمعات في الأماكن المعرضة للخطر على نحو أكثر. مطلوب تعاون دولي أقوى وأكثر فاعلية بما يقوي بوضوح كل أنشطة تدعم وتنمي وفرة الطعام، وتقلل الهدر فيه. وأهم من ذلك العمل على تحقيق رضا رب العالمين.
مشاركة :