دعم المملكة للجيش اللبناني بثلاثة مليارات دولار لتعزيز تسليحه وتحديث منظومته الدفاعية، قرار تاريخي بكل المقاييس، لكنه من جهة ثانية جزء من مسار ثابت للسياسة الخارجية السعودية تجاه لبنان كما إزاء الأشقاء والأصدقاء على حد سواء، والتي يمكن اختصارها بالقول إنها سياسة دعم الحكومات بهدف تحقيق استقرارها ورفاهيتها. وبخصوص لبنان تحديدا، فإن المملكة اختارت هذه المرة تقوية مؤسسة الجيش الجامعة لكل اللبنانيين، بعدما دعمت لبنان الدولة باتفاق الطائف الذي تم على أراضيها وبجهودها، وساندت الاقتصاد من خلال الودائع المصرفية والاستثمارات المباشرة.. وهذه المساعدة تعبر أفضل تعبير عن التضامن الأخوي مع لبنان الذي يعاني منذ فترة طويلة من عجز قواه العسكرية والأمنية عن السيطرة الكاملة على أراضي الجمهورية بسبب ضعف الإمكانيات المادية التي جعلت الحياة السياسية نوعا من الارتجال إزاء الأمر الواقع، وهو ما عرف بمعادلة الشعب والجيش والمقاومة والتي جعلت لازمة لكل البيانات الحكومية في السنوات الأخيرة. في حين أن إعلان بعبدا الصادر في يونيو العام الماضي سجل توافق كل الأفرقاء السياسيين على دعم الجيش اللبناني ماديا ومعنويا بكل الوسائل المتاحة، مع التشديد على التزام نهج الحوار والتهدئة الأمنية والسياسية والإعلامية والسعي للتوافق على ثوابت وقواسم مشتركة، والتزام العمل على تثبيت دعائم الاستقرار وصون السلم الأهلي والحؤول دون اللجوء إلى العنف والانزلاق بالبلاد إلى الفتنة، وتعميق البحث حول السبل السياسية الكفيلة بتحقيق هذا الهدف، ودعوة المواطنين بكل فئاتهم للوعي والتيقّن بأن اللجوء إلى السلاح والعنف، مهما تكن الهواجس والاحتقانات، يؤدي إلى خسارة محتمة وضرر لجميع الأطراف ويهدد أرزاق الناس ومستقبلهم ومستقبل الأجيال الطالعة، فضلا عن التمسك باتفاق الطائف ومواصلة تنفيذ كامل بنوده، وتحييد لبنان عن سياسة المحاور والصراعات الإقليمية والدولية وتجنيبه الانعكاسات السلبية للتوترات والأزمات الإقليمية. ومن ثم فإن دعم المملكة للجيش اللبناني جاء تحت سقف إعلان بعبدا التوافقي، كما أكد رئيس الجمهورية ميشال سليمان، وهو تاليا ليس موجها لأي طرف سياسي، باعتبار أن الجيش يضم بين صفوفه كل الطوائف والاتجاهات السياسية، وهو أداة الحكومة وخاضع لتوجهاتها ومنفذ لأوامرها. وليس ثمة حكومة في لبنان بعيدة عن نهج التوافق السياسي، وإلا كانت أقرب وسيلة إلى الاحتراب الأهلي والتشقق والتفتت، لذلك أردف الرئيس سليمان إعلانه عن الدعم السعودي بتأكيده على ضرورة تشكيل الحكومة الجامعة وتنفيذ الاستحقاقات الدستورية بما يؤدي إلى استمرار المؤسسات الرسمية في أداء دورها الوطني.
مشاركة :