متى خطرت لكِ فكرة الاختراع؟ هل واجهتكِ صعوبات خلال العمل على ابتكارك؟ كيف دبرتِ نفقات السفر والابتكار؟ ماذا حدث بعد الوصول إلى كوريا الجنوبية؟ كيف استقبلتِ نبأ فوزك في المعرض؟ كيف ارتديتِ الزي الإسلامي في كوريا رغم نظرة الغرب تجاه النقاب؟ كيف عشتِ فترة المعرض في دولة كوريا؟ كيف استقبلت سفارة المملكة في كوريا نبأ فوزك؟ حدثينا عن تفاصيل اختراعك وكيف يعمل؟ كيف استقبلت عائلتك خبر فوزك في المعرض؟ ماذا عن احتفال أقاربك وقبيلتك؟ ما رسالتك لرواد ورائدات الأعمال في السعودية والعالم؟ هل سجلتِ براءة الاختراع في الهيئة الملكية؟ حوار-محمد أمين زهران: من رحم الألم يولد الأمل، وطريق المعاناة نهايته النجاح، رسالة آمنت بها المخترعة عبير مطر الحارثي؛ لتقدّم للبشرية اختراعها وهي عبارة عن كاميرا واقع معزز مدمج بها سماعة؛ لمساعدة ضعاف السمع والبصر حول العالم في التواصل بمختلف اللغات. وتعمل عبير الحارثي في مجمع “إرادة والصحة النفسية” في منطقة الطائف، وتقول: “إن الدافع وراء ابتكارها نظارة الواقع المعزز هو مواقف إنسانية مرّت بها وأثّرت في وجدانها، من بينها حالة إحدى قريباتها التي أصيبت بالعمى، وكانت ترفض أن يمد إليها أحد يد العون، وفي أحد الأيام خلال تنقلها في مكانٍ جديد ارتطمت بالحائط لتسقط على وجهها وسط ذهول الحاضرين، وهذا الموقف دفعها للبحث عن وسيلة لمساعدتها بشكلٍ يحفظ لها كرامتها، ويغنيها عن طلب المساعدة”. أما الموقف الثاني الذي دفع عبير الحارثي لابتكار نظارة الواقع المعزز فكان لطفلٍ من الجيران يعاني من ضعفٍ في السمع، وإلى جانب إعاقته عانى كثيرًا من التنمر عليه من قبل زملائه وجيرانه من الأطفال، ومات وهو صغير. وتضيف عبير الحارثي: “هذان الموقفان شكلّا دافعًا قويًا لي لإتمام ابتكاري، وخوض مغامرة ورحلة صعبة في دروبٍ مقفرة تسلحتُ خلالها بقيني بالله، وكان تشجيع والدي ووالدتي وثقتهما هما زادي ووقودي لاستكمال حلمي، وتحقيق إنجاز علمي يمنحني شرف رفع علم المملكة في محفلٍ دولي عالمي. حاورنا عبير الحارثي للتعرف على الصعوبات التي واجهتها بداية من الفكرة مرورًا بالتطبيق، وصولًا إلى التتويج بالمرتبة الثانية في معرض المرأة المخترعة الدولي (KIWE) الذي تم تنظيمه في كوريا الجنوبية. منذ الصغر كنت جزءًا من برامج “موهبة” التابعة للتعليم، ودرست في مدارس الحرس الوطني، وحينما كان عمري ١٠ سنوات فكرت للمرة الأولى في الابتكار، وكانت فكرتي بدائية حينها، وكل ما جال بخاطري هو تحطيم حاجز اللغة؛ لتسهيل التواصل بين البشر، وبعد مرور سنوات شاهدتُ إعلانات لمدينة “ذا لاين” التي ألهمتني الفكرة كاملة، وفكّرت حينها في تصميم نظارات الواقع المعزز. وشجعني وألهمني الدعم المطلق من سمو سيدي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز؛ رئيس مجلس الوزراء، حينما أكد دعمه المطلق للسيدات السعوديات قائلًا: “نصف السعودية من النساء، ولا فارق بين الرجال والنساء”، وقد منحني دفعة معنوية قوية أعانتني على تحدي الصعاب والمضي قدمًا في طريق الإنجاز، وأتمنى أن أقابل سمو ولي العهد وتتسنى لي فرصة تقديم الشكر لسموه. ودرستُ المشروع واستعنت بخبرة صديقة لي متخصصة في تقنية الحاسب وأيضًا تملك دورات متقدمة في الأمن السيبراني، وكان لديّ دافع كبير لاختراع نظارة الواقع المعزز وكانت إحدى قريباتي كفيفة وارتطمت بالجدار حينما حاولت التحرك. كما حركني للاختراع طفل من جيراني ضعيف السمع تعرض للتنمر من قبل المحيطين ب، هتوفي بعمر ١٥ سنة. وتكوّن شكل كل قطعة في ابتكاري من قصص مُلهمة ومؤلمة ومعاناة عايشتها في حياتي. شريكتاي وصديقتاي هما: فاطمة نايف السبيعي؛ خبيرة تقنية حاسب وحاصلة على دورات أمن سيبراني وتكريم من هواوي، ودلال عبد الله الحارثي؛ رئيسة قسم الموجات الصوتية، وقدمتا لى العون الكبير ورفضتا مناصفتي في الابتكار. وكانت فاطمة السبيعي حائط صد بمواجهة الهجمات السيبرانية التي تعرضتُ لها، وبسبب ظروف مرض والدها عرضتُ عليها أن توقف تعاونها معي إلا أنها رفضت ومات والدها خلال شهرين من تعاوننا معًا. دائمًا ما كانت أحلامي تتأجل ومشروعاتي تُلغى في مراحلها النهائية، وتعرضت للرفض عدة مرات في مجال تخصصي؛ فلجأت للعمل بمجال الإعلام والعمل الخيري والتطوعي. واجهتني معوقات وبحثت عن مصمم لملف الهيئة لأكثر من ٥٠ يومًا، وساعدتني مؤسسة الموهوبين بعدما وجدت هيئة “بادر” مغلقة في اليوم الذي توجهت لزيارتها فيه، وحينها قابلت متخصصًا في إعداد الملف هو الأستاذ أيوب العواجي؛ وأرسلت له الملفات على البريد الإلكتروني فاطلع عليها وأرسل ملاحظات للتعديل، وأدين له بالفضل الكبير في نجاح ابتكاري الذي لولاه ما كنت شاركتُ في المعرض، وأتمنى تكريمه من قبل وزارة التعليم. قبل انتهاء مدة الهيئة بساعة واحدة قدمتُ الملف، وتعرضتُ لرفض الهيئة، وحينها شعرت بالإحباط وفكرت في العدول عن الابتكار، لكني تقدمتُ بتظلم وقبلته الهيئة. تم رفض مشاركتي في المعرض لتأخري عن الحجز وبعض الترتيبات اللوجستية. دعوت الله يوم عرفة أن يوفقني وأشارك في المعرض وأقدّم ابتكاري، وعملت بإمكانيات متواضعة وسط عمالقة التكنولوجيا وبصدفة لا تتكرر سوى مرة في المليون أخبروني بأن هناك مقعدًا شاغرًا للمشاركة في المعرض باسمي، وبالصدفة البحتة سافر معي أخي بعد أن حصل على إجازة من عمله كعسكري، دون ترتيب مسبق. تعرضت لأزمة مالية خلال عملي على الابتكار، واضطررت لبيع سيارتي للمشاركة في المعرض، وتغطية تكاليف الإقامة والسفر، بعد أن وافقت وزارة الصحة على سفري وأن استعيد ما أنفقته بعد عودتي من المؤتمر. غامرت بكل ما أملك لأحقق حلمي وأعرض ابتكاري وكانت إمكانياتي في المعرض متواضعة، إلا أنني تسلحت بالإرادة والتصميم. تعرضتُ لمجموعة من المعوقات خلال مشاركتي وقبلها، ووصلت كآخر وفد مشارك في المعرض، وتركتني سيارة استقبال الوفود المشاركة، واضطررت لاستقلال سيارة تاكسي برفقة أخي وتعرضنا لمخاطر متعددة. وفي الفندق بدأت المفاجآت غير السارة بتعطل عمليات الدفع الإلكتروني لديَّ ولم أستطع دفع قيمة حجز الفندق لمدة ٥ أيام، طلبت من أحد إخوتي دعمي بالمال للاستمرار في المشاركة بالمعرض. ليلة المعرض لم يغمض لي جفن سوى ساعتين، وترشح مشروعي لفئة vip وأخبروني بأن الشركات ستقدّم عروضًا لي. بعد نهاية أيام المعرض وصلتني رسالة بحصولي على جائزة دون تحديد المركز، وشعرت حينها بالسعادة وأن الظروف التي طالما عاندتني تصالحني الآن، وكانت شركة سامسونج تنافسني، ودعمني والدي وأرسل لي الآية الكريمة “وما توفيقي إلا بالله”، وتوكلت على الله وقلت “اللهم أنت الخليفة في الأهل والصاحب في السفر”. حرصتُ على ارتداء نقابي خلال لحظة تكريمي على منصة المعرض، ورغم نظرة الغرب لارتداء النقاب، أو الصورة المغلوطة بأن الإسلام دين غير منصف للمرأة، فإنني حرصت عليه وارتديته عن اقتناع. أخبروني بحصولي على المركز الثاني في المسابقة، كما نلت تكريمًا خاصًا من الوفد الأوزباكستاني، وساعدني أخي في ارتداء علم بلادي، والجائزة ليست مادية وإنما هي شهادة تقدير ودرع تكريم وميدالية. وقد أُعجبت سيدة كورية بنقابي وزيي الشعبي السعودي وحرصت على التقاط صورة تذكارية معي. فوجئت باتصالات عديدة من قنوات فضائية سبقتها “الإخبارية السعودية”، وبقية قنوات المملكة ووسائل الإعلام. وكنتُ حريصة على الفوز في المسابقة لرفع علم بلادي وإدخال السرور على والدي وأسرتي، بعد خوضي حربًا خاصة ومغامرة بكل المقاييس. وصحيفتي التي أعمل بها كانت أول من دعمني ونشرت نبأ فوزي في المسابقة، وأخبرتني عائلتي بأن نبأ فوزي في المعرض صار الأكثر بحثًا في المملكة. واجهتني مشكلة في الطعام الحلال، وأحيانًا كنت أتناول وجبة واحدة لطول المسافة إلى المطعم الوحيد الحلال، إلا أنني تناسيت آلامي والصعوبات التي واجهتها وتربعت على عرش تويتر بإنجازي. علاقتي بربي كبيرة ووثيقة، وأعظم لحظات حياتي أعيشها في صلاتي، وربي منحني كل ما طلبت وحقق لي كل ما حلمته. وبعد تكريمي زرت بعض المعالم السياحية الكورية، ولم أتوقع الزخم الإعلامي والحفاوة بالإنجاز. عرفتُ أنني أصبحت حديث وسائل الإعلام خلال تناولي للطعام في مطعم عربي بدولة كوريا الجنوبية. اتصلت بي السفارة السعودية في كوريا ليلة سفري وأوصلتني سيارة السفارة واستقبلني الأستاذ صالح محمد السدحان؛ سفير خادم الحرمين في كوريا، وهنأني بالإنجاز وأشاد بي، وعرضت السفارة توفير ما أطلبه من مال، وأعطوني هدايا تذكارية وشهادة تقدير. كانت واجهتني في البداية مشكلة في التواصل مع السفارة، فحينما اتصلت بها أجابتني موظفة تتحدث الكورية وقالت: “إنها ستعاود الاتصال بي دون رد”. وتواصل أخي عبر حساب مشهور سعودي في كوريا، واعتذر السفير مؤكدًا أنه خطأ فردي من موظفة. المشروع هو مستقبل التكنولوجيا وأتمنى أن ندخل به في المنافسة العالمية، وهو يخدم ضعاف السمع والبصر. السماعة خارجية ولا تدخل في الأذن. وتتمثل مميزات هذه النظارة والسماعة المدمجة في التحول للتكيف مع الوضع الليلي والنهاري. وهي تتيح قراءة الباركود barcode وكتابة بيانات مختصرة كدليل، وتدعم التواصل بين الناس من مختلف اللغات والثقافات. بالإضافة إلى ذلك يساعد ابتكاري في تمكين ذوي الاحتياجات الخاصة من التنقل بسهولة دون مساعدة، ويتيح التفاعل مع الأخبار والملفات المعروضة. وتأتي النظارة والسماعة بنظام أمان عال؛ حيث تعتمد على بصمة عين المستخدم للتعرف عليه. وتشمل تقنية رفع الصوت للأشخاص ضعاف السمع؛ ما يجعل الاعتماد على السماعات الطبية غير ضروري. كذلك تحتوي على ميزات إنذار للبرق والقرب من التيار الكهربائي، مثل: سكك القطار؛ لحماية المستخدم من الحوادث. تفخر عبير مطر الحارثي بحصولها على المركز الثاني في المسابقة ورفع العلم السعودي في هذا المحفل العالمي، وتعتبر هذا الفوز إشارة إلى التطور الكبير الذي حققته المرأة السعودية في مختلف المجالات. وتكمن أهمية ابتكارها نظارة واقع معزز بسماعة في تلبية احتياجات عديدة للأفراد، خاصة ذوي الاحتياجات الخاصة وضعاف السمع. كذلك القدرة على التواصل بلغات متعددة والتنقل بدون مساعدة. القدرة على قراءة الباركود والتفاعل مع البيئة المحيطة تسهل المهام اليومية وتوفر مزيدًا من الاستقلالية. بالإضافة إلى ذلك يمكن أن تُستخدم النظارة والسماعة في مجموعة واسعة من الصناعات والقطاعات. على سبيل المثال: يمكن استخدامها في القطاع الطبي لتحسين تجربة المرضى وتسهيل عمل الأطباء. وفي القطاع التجاري لتحسين تجربة التسوق ومعالجة البيانات بسرعة وفعالية. ومن خلال تطوير أنظمة أمان عالية المستوى تُستخدم هذه النظارة والسماعة في القطاعات الحكومية والعسكرية لزيادة مستوى الأمان والحماية. وتعد هذه النظارة والسماعة ابتكارًا يعزز من تقدم السعودية في مجال التكنولوجيا والابتكار. ويتوفر تطبيق على الجوال يتحكم في النظارة، ويعرض عليها ما يتم عرضه على شاشة الهاتف المحمول؛ ما يُحسّن من جودة الحياة. عائلتي جهزت احتفالًا كبيرًا بإنجازي وحضروا إلى جدة واستقبلوني في المطار وارتدى والدي زي الاحتفالات والمناسبات السعيدة (البشت). ووالدي زرع فيّ أن المرأة قادرة على قيادة دول ، وقد تميز كل منا في مجاله، والدي هو قدوتي في الحياة وعلمني الكثير، وأدين له بكل نجاحاتي، وفور وصولي نزعت ميدالية التتويج وقلدتها لأبي. جهز أعمامي وليمة غداء كبرى، كما أعدت قبيلتي احتفالًا أكبر، وشعرت بأن جميع من في المملكة سعيد بإنجازي الذي حققته للوطن. وقد حظيت بدعم كبير من السعوديات، وأنستني فرحتي بالاحتفالات والحفاوة والإنجاز المعوقات التي واجهتني خلال رحلتي؛ حيث تغلبت على كل الصعاب، وتمكنت بفضل إرادتي من استكمال المشوار رغم ما واجهني من صعوبات ومتاعب. أوجه كلامي لمن يتعرضون للرفض: لا تستسلموا ولا تيأسوا فجميع الصعوبات تتلاشى في لحظة النجاح، وأنا تنازلتُ عن أشياء كثيرة أحبها وامتلكها من أجل المشاركة في المعرض. سمو سيدي ولي العهد ملهمي وأتمنى مقابلته، وشكره على دعمه الكبير لأبناء الوطن. وأشكر والدي الذي زرع الثقة بداخلي، ودائمًا ما كان يشجعني، ويقول لي إن اسمي سيُكتب في التاريخ السعودي. وطموحي أن أمثّل بلدي محليًا ودوليًا. نعم فعلتُ ذلك وتعرضت لمحاولات اختراق واستغلال لابتكاري من قبل مجهولين، وتعمل صديقتي على تأمين أجهزتي وحساباتي. وحلمي أن يكون المشروع سعوديًا، وتتبنى المملكة اختراعي ويرى مشروعي النور. اقرأ أيضًا: كيفية ابتكار الأفكار الجديدة ريادة الأعمال النسائية في السعودية.. مزيد من التمكين هل النساء أفضل من الرجال في ريادة الأعمال؟
مشاركة :