دول الخليج تتجه إلى أوروبا وأمريكا لتحقيق الأمن الغذائي

  • 12/31/2013
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

تتجه دول الخليج العربية إلى تغيير مسار جهودها الرامية إلى تحقيق الأمن الغذائي التي تستثمر فيها مليارات الدولارات، ففي حين قد تسبب المشاريع الزراعية الخليجية في بعض الدول الإفريقية الأشد فقرا عداوات مع السكان المحليين يتجه المستثمرون العرب إلى الدول المتقدمة التي يفوق إنتاجها الغذائي استهلاكها بكثير، بحسب رويترز. واختارت شركة الظاهرة الزراعية الإماراتية هذا التوجه في آذار (مارس) إذ اشترت ثماني شركات زراعية مقابل 400 مليون دولار في صربيا أحد كبار مصدري الأغذية التي قد يكون فيها الرأي العام أقل حساسية تجاه المشاريع الزراعية المملوكة لأجانب. وغالبا ما تكون المشاريع في أوروبا وأمريكا الشمالية وبعض المناطق الأخرى أعلى تكلفة وتقل فيها فرص إقامة المشاريع على أراض واسعة مثل إفريقيا، غير أنها تتميز بقلة مشكلاتها السياسية ومخاطرها بالنسبة للإمارات العربية والسعودية وقطر والكويت التي تحتاج جميعها إلى توفير الاحتياجات الغذائية لسكانها. ‭و‬على مدى سنوات ظلت دول الخليج التي تعتمد على الواردات لتلبية ما بين 80 و90 في المائة من احتياجاتها الغذائية تضخ أموالا في شراء عشرات الآلاف من الهكتارات من المزارع الرخيصة وغيرها من الأصول الزراعية في الدول النامية خصوصا في إفريقيا. وكانت هذه الدول تأمل في أن تتيح لها تلك الاستثمارات استغلال سلال غذائية كبرى مما يجنبها التقلبات العالمية في أسعار الغذاء، لكن الواقع كان مريرا فبعض المشاريع الإفريقية أثارت اتهامات بأن المستثمرين العرب ينتزعون الأراضي التي يجب استغلالها في توفير الغذاء للسكان المحليين، وقد أثر تدهور الأوضاع الأمنية وضعف البنى التحتية سلبا في بعض المشاريع. وأشار إيكارت وارتز صاحب كتاب النفط مقابل الغذاء الباحث في مركز برشلونة للشؤون الدولية إلى أنه رغم إعلان شركات خليجية خططا لإنفاق مليارات الدولارات فإن هذه المشكلات حالت دون المضي قدما في الكثير من المشاريع أو على الأقل عدم وصولها إلى حد الإنتاج الغذائي الواسع، مضيفاً أنه بدلا من الاستثمار في الأراضي الزراعية في إفريقيا يزيد التركيز على ضخ أموال في منتجين زراعيين معروفين بالفعل. وبدأت دول الخليج في ضخ استثمارات كبيرة في أراض زراعية في الخارج بعد عام 2008 بعد ارتفاع أسواق العقود الآجلة للحبوب بسبب سوء الأحوال الجوية في الدول الكبرى المنتجة للأغذية وتزايد استخدام الوقود الحيوي والقيود التي تفرضها بعض الحكومات على الصادرات الزراعية، ولم تشرف الحكومات الخليجية الغنية قط على مواجهة نقص في الغذاء ولكنها شعرت بالقلق خاصة بعد أن فقد النفط مصدر دخلها الرئيسي ثلاثة أرباع قيمته لفترة قصيرة في عام 2008. وفي الوقت نفسه، ثمة صعوبات تواجهها البرامج العالية التكلفة الرامية إلى زيادة الإنتاج الغذائي في الخليج في ظل المناخ القاسي ونقص المياه في المنطقة، وبدأت السعودية في تقليص برنامج زراعة القمح المحلي عام 2008 وقررت الاعتماد على الواردات اعتمادا كاملا بحلول عام 2016. ومن ثم شجعت دول الخليج شركاتها على شراء أراض صالحة للزراعة في الدول النامية، ومثال ذلك شركة الظاهرة الزراعية وهي شركة خاصة مملوكة لمستثمرين في أبوظبي ولكن بيان مهمتها يتعهد بالشراكة مع الحكومة الإماراتية في تنفيذ برنامج الأمن الغذائي الاستراتيجي، ورغم ذلك أظهرت السنوات القليلة الماضية حدود استراتيجية الخليج الرامية إلى استثمار الأموال في حل مشكلة الأمن الغذائي. وباتت مشاريع كثيرة في الخارج عرضة للتأثر بالتغيرات السياسية المحلية. وجمعت شركة جنان للاستثمار في أبوظبي نحو 160 ألف فدان (67200 هكتار) من الأراضي الصالحة للزراعة في مصر أحد كبار مستوردي القمح في العالم، وكانت الشركة تخطط في الأصل لزراعة علف للماشية في الإمارات، غير أن جنان تضررت من جراء ضريبة على الصادرات بلغت 300 جنيه مصري (43 دولارا) للطن وواجهت مشكلات من بينها إضرابات عمالية ونقص السولار اللازم لتشغيل الآلات. وأفاد محمد العتيبة رئيس الشركة بأن ذلك أجبر جنان على زراعة القمح بدلا من العلف وللاستهلاك المحلي في مصر، مشيراً إلى أن الشركة تكبدت خسائر متكررة ومن ثم فإنها تعمل الآن في مصر على زراعة الحبوب فقط وستعمل في مجال الألبان ولكن جميع المنتجات للاستهلاك المحلي. وواجه المستثمر السعودي محمد العمودي مشكلات في إثيوبيا بعد أن استحوذت شركته على نحو عشرة آلاف هكتار في منطقة جامبيلا لزراعة الأرز، لكنه في نيسان (أبريل) 2012 نصبت جماعة مسلحة كمينا لموظفي الشركة ما أسفر عن مقتل خمسة أشخاص. ويقول مستثمرون خليجيون إنهم يراعون احتياجات الدول المضيفة وإن المشاريع تعود بالنفع على السكان المحليين من خلال تنشيط الاقتصاد، لكن قد يصعب تجنب إثارة الجدل في دول لها تاريخ في الفقر والمجاعات. وأشار روب بيلي رئيس الأبحاث في مؤسسة تشاتام هاوس البحثية في لندن إلى أنه قد ثبت أنه من الصعب للغاية تنفيذ مشاريع كبرى مثل المشاريع الحالية بمنأى عن المشكلات في ظل نقص البنى التحتية وسوء وسائل الري والتقنيات غير المتطورة كما تحتاج أيضا إلى التعامل مع السكان المحليين ومشكلاتهم. لذلك يزداد اهتمام دول الخليج بالمشاريع التي تقام في أوروبا والولايات المتحدة اللتين تبدو فيهما المخاطر السياسية أقل ولكن لا يمكن إغفالها، ولم تعلن تفاصيل بعض المشاريع ولذا لا تتوافر معلومات شاملة عن حجم الاستثمارات الخليجية، غير أن بيلي أكد أن دول الخليج تعيد توزيع محافظها الاستثمارية لتتجه بها نحو الغرب في المجال الزراعي. وتردد أن استثمار شركة الظاهرة في صربيا هو أكبر استثمار في قطاع الزراعة في البلاد على مدى عقود ويهدف إلى تطوير الشركات لزراعة الأغذية ومعالجتها من أجل تصديرها، وعلاوة على ذلك أعلن صندوق أبوظبي للتنمية وهو مؤسسة رسمية معنية بالمساعدات قرضا بقيمة 400 مليون دولار لقطاع الزراعة الصربي. وتستثمر الظاهرة أيضا في أماكن أخرى في أوروبا والأمريكتين بينما ضخت جنان استثمارات في الولايات المتحدة وإسبانيا، وأسست شركة حصاد الغذائية الذراع الزراعية لصندوق الثروة السيادي القطري فرعا في أستراليا عام 2009 يركز على القمح والشعير والماشية. وفي حزيران (يونيو) الماضي استحوذت شركة المزارعون المتحدون القابضة ذات الملكية السعودية على مجموعة كونتننتال فارمرز التي تملك مشاريع زراعية في بولندا وأوكرانيا وتنتج محاصيل مثل القمح والذرة. ومجموعة كونتننتال فارمرز مملوكة لكل من الشركة السعودية للاستثمار الزراعي والإنتاج الحيواني (سالك) وشركة المراعي السعودية لمنتجات الألبان وشركة الحبوب والأعلاف السعودية القابضة (سجاف). وأخذت معظم المشاريع الخليجية في إفريقيا شكل شراء الأراضي مما يجعلها في حاجة إلى مزيد من التقنيات الزراعية اللازمة لبدء تنفيذها. وعلى عكس ذلك جرى ضخ كثير من الاستثمارات في أوروبا في مشاريع زراعية لا تحتاج إلا إلى بعض الدعم المالي لتنفيذها. وأفاد بريان باريسكيل مدير سلسلة التوريد لدى شركة الظاهرة بأنه في أغلب الأحيان تكون هناك شركات وصلت إلى مستوى معين وتحتاج إلى استثمارات للانتقال إلى المستوى التالي وهو ما يوفر لنا شراكات جيدة. ويصر مسؤولون حكوميون وتنفيذيون في الخليج على أنهم لن يتخلوا عن معظم مشاريعهم في الدول النامية. وقال العتيبة رئيس شركة جنان إنه ما زال متفائلا تجاه دول مثل السودان. وذكر خليل الشمري المدير العام للمشاريع والعمليات في جنان أن الشركة تريد زيادة حيازاتها من الأراضي هناك من 200 ألف هكتار حاليا إلى مليون هكتار بحلول عام 2020، غير أن من المرجح أن تكون الاستثمارات الخليجية القادمة في مجال الأمن الغذائي أكثر حذرا وتنوعا. ويشجع مركز الأمن الغذائي في أبوظبي الذي تأسس عام 2010 لتنسيق الأنشطة في الإمارات على ضخ استثمارات في مجموعة واسعة من الدول، وبحسب خليفة العلي عضو مجلس إدارة المركز، فإن عدم استقرار الأوضاع في بعض البلدان هو أمر واقع ومن ثم فكل ما ينبغي فعله هو توزيع المخاطر.

مشاركة :