في أعقاب الحملة القمعية لإيران على المعارضة الداخلية أواخر عام 2022، إلى جانب تقدم برنامجها لتخصيب اليورانيوم إلى مستويات قريبة من تطوير الأسلحة النووية، فضلا عن تسليح الروس بطائرات مسيرة وصواريخ مسلحة في حربها بأوكرانيا؛ ازدادت رغبة الدول الغربية في فرض عقوبات وقيود دولية أكثر صرامة على طهران. في إطار هذا الواقع، انصب التركيز على تحجيم نفوذ «الحرس الثوري»، الإيراني الذي وصفه «مجلس العلاقات الخارجية»، بأنه «الوصي الأيديولوجي لثورة إيران عام 1979»، والهيئة التي «اكتسبت دورًا كبيرًا في تنفيذ سياستها الخارجية»، بالإضافة إلى كونه الكيان الذي تمارس فيه الآن «السيطرة على قطاعات شاسعة من الاقتصاد». وخارج إيران نفسها، أصبح «الحرس الثوري»، وقائده «فيلق القدس»، داعمين أساسيين ومتعاونين مع العديد من وكلاء طهران في جميع أنحاء الشرق الأوسط، كما تورطوا في سلسلة من عمليات الاختطاف والاغتيال والهجمات الإلكترونية في الدول الغربية. وعلى الصعيد المحلي، أشار «مجلس العلاقات الخارجية»، إلى أن هذا الكيان يمتلك «اليد العليا في السياسة»، لما له من قوة واستعداد لقمع المعارضة بعنف. وأضاف «مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية»، أنه «أقوى متحكم على الإطلاق بالقطاعات الاقتصادية في جميع أنحاء إيران». وعليه، فإن تلك المكانة المحورية للحرس الثوري في النظام الإيراني جعلته «هدفًا واضحًا»، للقيود الغربية. وفي أعقاب قيام «الولايات المتحدة»، بتصنيفه «منظمة إرهابية»، عام 2019، بدأت كل من «المملكة المتحدة»، و«الاتحاد الأوروبي في أواخر عام 2022 وأوائل عام 2023، في استكشاف خيارات حظر هذا الكيان محليا ودوليا، وهي خطوة من شأنها أن تجعل هناك جرائم قانونية بحق أي مؤيد لأنشطته، وكذلك جراء التعامل معه بشكل مباشر أو غير مباشر سياسيا واقتصاديا. وفي «المملكة المتحدة»، فإنه على الرغم من قيامها بسن سلسلة من العقوبات الجديدة ضد «إيران»، في يناير وأبريل ويوليو 2023، فقد ابتعدت عن الالتزام بحظر «الحرس الثوري»، أو تصنيفه كـ«منظمة إرهابية أجنبية»، وذلك على الرغم من الحصول على دعم من مختلف الأحزاب في البرلمان، والتأييد الواسع بين المحللين وخبراء الأمن. ووفقا للعديد من المحللين، فإن سبب عدم اتخاذ «لندن»، إجراءات أكثر صرامة، ترجع إلى الانقسامات بشأن هذه السياسة داخل الحكومة بين وزارتي الداخلية والخارجية. وفي حين أوضحت صحيفة «فاينانشيال تايمز»، أن «أي قرار بحظر هيئة ما كمنظمة إرهابية يقع على عاتق وزير الداخلية»؛ فقد أشار «باتريك وينتور»، في صحيفة «الجارديان»، إلى أن التصنيف الإرهابي للحرس الثوري، سيكون أقرب إلى «تصنيف طهران بأكملها»، كدولة إرهابية، ولاسيما أنه «مركزي جدا» في الهيكل العسكري للبلاد»، فضلا عن «مقاومة وزارة الخارجية» لما يعنيه ذلك التصنيف بالنسبة للانخراط الدبلوماسي البريطاني المستقبلي مع إيران». وعليه، رأت الحكومة البريطانية تأجيل هذا الخيار على الرغم من استمرار التوترات بين الوزارتين بشأن هذه القضية. ومع ذلك، سلطت وكالات الاستخبارات وخبراء الأمن الضوء على التهديد الذي قد يطول الأمن الداخلي البريطاني من قبل «الحرس الثوري»، بشكل متزايد. ووفقًا لـ«جهاز المخابرات الداخلية»، كانت طهران وراء ما يصل إلى عشر مؤامرات لقتل المعارضين وخطفهم. وأشار وزير الأمن، «توم توجندهات»، إلى أن هناك ما يصل إلى 15 «تهديدًا موثوقًا به» من قبل عملاء إيرانيين ضد بريطانيين. ووفقًا لمساعد مفوض شرطة مكافحة الإرهاب «مات جوكس»، تم إحباط خمسة مخططات من قبل عملائها ضد أشخاص موجودين داخل المملكة المتحدة في الأشهر الأولى من عام 2023. وبالنظر إلى هذه الأرقام، أشارت وزيرة الداخلية البريطانية «سويلا برافرمان»، مؤخرًا إلى «التهديد الإيراني»، باعتباره «أحد أكثر الاعتبارات إلحاحًا بالنسبة للأمن القومي، وكذلك الحكم على أن طهران «أصبحت أكثر عدوانية»، وأن استعدادها للهجمات آخذ في الازدياد. ويعتبر تصنيف «الحرس الثوري»، جماعة إرهابية دولية بالفعل سياسة راسخة في الولايات المتحدة، لكنها مع الوقت اكتسبت تأييدا عبر النظام السياسي الغربي العام الماضي. وفي عام 2019، صنفتها «إدارة ترامب»، منظمة إرهابية كجزء من «الضغوط القصوى» الممارسة ضد طهران، ومن ثمّ، وُضعت إلى جانب كل من «داعش»، و«القاعدة»، و«حزب الله»، باعتبارها كيانات محظورة داخل البلاد، وأن إجراء أي اتصالات مباشرة وغير مباشرة مع أي منها تعد جريمة قانونية كبرى. وخلال محاولات استعادة «الاتفاق النووي»، أثارت «إدارة بايدن»، فكرة احتمال تخفيف القيود الأمريكية ضد المنظمة، مقابل امتثال إيران بشكل أفضل لشروط استخدامها للمواد النووية، على الرغم من أن الديمقراطيين قرروا في عام 2022 مناهضة مثل هذه الخطوة، وسط معارضة داخلية كبرى، وتحذيرات إسرائيلية. وفي أكتوبر 2022، منعت حكومة «جاستن ترودو»، في كندا، كبار قادة الحرس الثوري من الوصول إلى البلاد، وأشارت نائبة رئيس الوزراء «كريستيا فريلاند»، إلى الجماعة باعتبارها «منظمة إرهابية»، كما أصدر مجلس الشيوخ الكندي، قرارًا غير ملزم بتصنيفها منظمة إرهابية في يونيو 2023. من جانبه، بحث «الاتحاد الأوروبي»، خياراته لحظر الجماعة، ووصفها بأنها «منظمة إرهابية دولية»، لا سيما مع قيادة «باريس»، و«برلين»، بشكل خاص لهذه الجهود. ووفقًا للممثل الأعلى للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، «جوزيب بوريل»، لا يمكن للاتحاد أن يدرج الحرس الثوري، ككيان إرهابي حتى تقرر إحدى المحاكم الأوروبية ذلك الأمر بوضوح. وبشكل عام، شجعت «لجنة العلاقات الخارجية»، بمجلس الشيوخ الأمريكي، الاتحاد الأوروبي، والحكومات الغربية الأخرى على أن تحذو حذو الولايات المتحدة، وذلك برسالة أرسلها أعضاؤها في مارس 2023، إلى «بوريل»، أصروا فيها على أن «الجمع بين تصنيف واشنطن، و«بروكسل»، للإرهاب سيشل قدرة الحرس الثوري على الترويج للإرهاب»، وبالتالي «جعل العالم أكثر أمانًا للأمريكيين والأوروبيين على حد سواء». وحتى الآن، تتردد «المملكة المتحدة» في التصرف بهذه الطريقة، حيث تفضل وزارة خارجيتها، بقيادة «جيمس كليفرلي»، اتباع نظام عقوبات أوسع ضد المصالح الاقتصادية للجماعة محليا وخارجيا. ولعل الحزمة الأخيرة من القيود -التي أشار إليها كليفرلي في يوليو 2023- ستسمح لها باستهداف تصرفات الأفراد داخل بريطانيا وفي إيران أيضا، لكن بينما أصر وزير الخارجية على أنه «لن يكون هناك مكان لأولئك الذين يسعون إلى إلحاق الأذى بنا»؛ فإن هذه التأكيدات لن تجدي بما يكفي لاحتواء المخاطر المنبثقة من المنظمة، وفقًا للمحللين والخبراء. وعند تفسير سبب تحفظ وزارة الخارجية حيال ذلك التصنيف، ذكر «جورج باركر»، في صحيفة «فاينانشيال تايمز»، أنها «تقاوم حظر الجماعة، بسبب «مخاوف من أن يكون لهذه الخطوة نتائج عكسية»، تضر في النهاية بقدرة بريطانيا الدولية على محاسبة طهران على أنشطتها الإقليمية الضارة، ومنع تقدمها في مسألة التخصيب النووي. وأشار «وينتور»، إلى أن الحظر سيؤدي إلى «طرد سفير المملكة المتحدة في طهران»، وبالتالي سيلحق ضررًا دائمًا بالعلاقات بين البلدين. وفي يناير2023، أشار «جوناثان هول»، المراجع المستقل لقانون الإرهاب في بريطانيا، إلى أن هذه الخطوة من شأنها أن تغير ملامح سياسة بريطانيا المتسقة، التي استمرت عقودا طويلة»، كما أنها «تشكك في صحة تعريف الأعمال الإرهابية»، وخاصة في ظل وجود دول أخرى استخدمت أيضًا المنظمات العسكرية لتنفيذ هجمات داخل الأراضي البريطانية. وعلى الرغم من هذه المخاوف، أشار المراقبون إلى أن هناك «ضغوطا، على لندن، لتجاوز ذلك وتصنيف الحرس الثوري، كمنظمة إرهابية». وبالفعل، هناك قبول بذلك من جميع الأطياف السياسية، بجانب دعم حزب العمال المعارض لهذا التصنيف. وفي يناير2023، صوت أعضاء «مجلس العموم»، بالإجماع لتمرير اقتراح غير ملزم يدعو الحكومة إلى حظر الحرس الثوري. ولعل من بين الشخصيات البارزة التي تدعو إلى اتخاذ إجراء عاجل بهذا الشأن، رئيسة لجنة الشؤون الخارجية في مجلس العموم، «أليسيا كيرنز»، التي أشارت إلى «حملات الاضطهاد العابر للحدود»، التي تقوم بها المنظمة في الشرق الأوسط، مؤكدة أن الحظر سيسمح بمحاكمة «أولئك الذين يعملون نيابة عن طهران»، «لزرع الفتنة والتحريض على الكراهية»، و«دعم الأنشطة الإرهابية، والاغتيالات على الأراضي البريطانية». وعبر استشهاده بكيفية تمكن عملاء روس في الماضي من التوغل في بريطانيا، وتهديد أمنها القومي؛ أصر «جوناثان إيفانز»، المدير السابق لجهاز الأمن البريطاني، على أنه من الأهمية بمكان توفير «احتياجات الأمن الداخلي للمملكة المتحدة على الوجه الأنسب»، والنظر في حقيقة إعطاء «المصالح الدبلوماسية المتصورة، الأسبقية والأولوية، على حساب أمن البلاد، مؤكدا أنه «يجب ألا نكرر هذا الخطأ مع الحرس الثوري الإيراني. ووفقا لـ«عظيم إبراهيم»، من «معهد نيو لاينز للاستراتيجيات والسياسات»، فإن تردد المملكة المتحدة في حظر الحرس الثوري، يعد أمرا «محيرا»، رغم الأدلة على تهديده لأمنها القومي. وأشارت «إليزابيث سامسون»، من مؤسسة «هنري جاكسون»، إلى أن «إعادة العقوبات القديمة مع الدفع بعقوبات جديدة إلى الأما»، هو «تكتيك سياسي لإظهار القوة»؛ لكنه في الواقع، «قليل الجدوى»، وخاصة أنه يتجاهل السياسة «الحقيقية المتمثلة في فشل العقوبات ضد إيران». ومن خلال الدعوة إلى إعلانه كمنظمة إرهابية في بريطانيا بموجب أحكام قانون الإرهاب لعام 2000، رأت أن سن عقوبات جديدة دون حظره، يرقى إلى «تهديد فارغ». ومع استمرار الدعوات إلى معاقبة إيران على انتهاكاتها؛ محليًّا وإقليميًّا ودوليًا، أعرب المراقبون عن استيائهم من عدم اتخاذ إجراءات من قبل المملكة المتحدة. وفي مايو 2023، تساءل اللورد «جون والني»، النائب السابق عن حزب العمال في لجنتي الدفاع والشؤون الخارجية، عن سبب عدم اتخاذ الحكومة أي إجراء عندما «يبدو واضحًا أنه يجب حظر هذا الكيان»، فيما وصف اللورد «كولينز هايبري»، تقاعسها بأنه «ليس جيدًا بما فيه الكفاية». وعلق النائب المحافظ «جريج سميث»، على أن الدليل على «وحشية» إيران، و«تأثيرها الضار في المنطقة كان واضحًا»، مشككا في «الأدلة الإضافية»، التي طلبتها وزارتا الداخلية والخارجية قبل فرض الحظر. وهي النقطة التي رددها الوزير السابق «إريك بيكلز»، متسائلا «عن الذي يجب أن يفعله الحرس الثوري حتى تحظره الحكومة؟». كما وصفه النائب «جون كراير»، من حزب العمال، بأنه يضم «فاشيين ورجال دين يميلون إلى القتل». على العموم، فإن الاختلافات داخل المملكة المتحدة ترقى إلى استمرار «النقاش الدائم بين المعنيين بالأمن والمسؤولين عن الدبلوماسية»، حول المخاوف بشأن تصنيف الحرس الثوري الإيراني كمنظمة إرهابية، وما له من تداعيات على قدرتها على التعامل دبلوماسيًا مع طهران، ومحاولة كبح أفعالها الضارة. ومع قوة معارضة خبراء الأمن والسياسيين لتقاعس بريطانيا عن حظر المنظمة؛ فإن هذا يعكس حقيقة أنه من غير المرجح أن تتلاشى هذه المطالب، خاصة مع استمرار انتهاكاتها داخليًا وخارجيًا. وفي نهاية المطاف، قد تفرض الضغوط السياسية المحلية على وزارة الخارجية الاستسلام لها، وسط توقع تداعيات كبرى على الامتداد الدبلوماسي الإقليمي لبريطانيا وانخراطها المستقبلي مع إيران على حد سواء.
مشاركة :