ألقى معالي الشيخ الدكتور سعد بن ناصر الشثري عضو هيئة كبار العلماء والمستشار في الديوان الملكي، محاضرة بعنوان (مسائل مهمة في الإيمان)، وذلك ضِمن سلسلة محاضرات دورة “أصول الإيمان” المقامة في رحاب المسجد الحرام وابتدأ معالي الشيخ حديثه بعد حمد الله والصلاة والسلام على رسول الله عن أهمية الإيمان بالله، وأنه أصل دعوة الرسل عليهم السلام؛ قال الله تعالى (رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا…). وقد جعل الله عز وجل أهل الإيمان أولياءَه؛ فقال تعالى (ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولاهم يحزنون •الذين آمنوا وكانوا يتقون). وجعل سبحانه أهل الإيمان خيرَ الخلق؛ قال الله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ). ووعد سبحانه وتعالى عبادَه المؤمنين بالنصر والتمكين؛ فقال الله تعالى (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ). ثم أشار معاليه إلى غلطَ من أخرج الأعمال الصالحة من مفهوم الإيمان، فقد وردت نصوص كثيرة من الكتاب والسنة تدل على أن الأعمال من الإيمان: كقول النبي صلى الله عليه وسلم: [مَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ والْيَومِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا، أوْ لِيصْمُتْ، ومَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ والْيَومِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جارَهُ، ومَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ والْيَومِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَه]. وقد قال صلى الله عليه وسلم لما سئل عن أفضل الإيمان فأخبرهم بأمور من أعمالهم؛ وقال صلى الله عليه وسلم: [الإِيمانُ بضْعٌ وسَبْعُونَ، أوْ بضْعٌ وسِتُّونَ، شُعْبَةً، فأفْضَلُها قَوْلُ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وأَدْناها إماطَةُ الأذَى عَنِ الطَّرِيقِ، والْحَياءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإيمانِ]. ولذا فإن الصواب في هذه المسألة أن الإيمان يشمل الأقوال والأعمال والاعتقادات كما دلت على ذلك نصوص الكتاب والسنة. ثم ذكر الشثري مسألة من قال بانتفاء الإيمان بالكلية عمن زال عنه أحد أعمال الإيمان الثلاثة، وضرب مثالًا بالشجرة، فإن لها عروقًا في الأرض وجذعًا وأغصانًا، وكلها تدخل في مسمى الشجرة، ولا يلزم زوال بعض هذه الأجزاء زوالها بالكلية، مع أن الجميع يدخل في مسمى الشجرة، وهكذا ما يتعلق باسم الإيمان. وبهذا يُعلمُ أن الإيمان يزيد بفعل الطاعات وينقص باقتراف المحرمات؛ كما قال الله تعالى (إنَّما المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إذا ذُكِرَ اللهُ وجِلَتْ قُلُوبُهم وإذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهم إيمانًا…). ثم بيّن معاليه أنه كما أن الإيمان يزيد وينقص فإن الكفر على درجات؛ كما قال الله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا). وكذلك فإن اليقين والجزم والعلم والقطع يتفاوت الناسُ فيه؛ فقد قال الله تعالى (وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي…)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: [ليس الخَبَرُ كالمُعايَنةِ قال اللهُ لموسى : إنَّ قومَكَ صنَعوا كذا وكذا فلمَّا يُبالِ فلمَّا عايَن ألقى الألواح]، ولذا فإن الإيمان كما أنه مشتمل على الأعمال فهو المنطلق لها. وينبغي لمن يدعو إلى الله تعالى وإلى دينه أن يبدأ بذكر أركان الإيمان فإنها متى رسخت في قلب العبد وثبتت فيه عصم اللهُ صاحبها من أنواع السوء. ثم نوّه معاليه بأن الله جل وعلا أخبر أن من فضائل الإيمان ثبات أهله على الحق وعدم تحولهم عنه بفتنة أو دعوة من أهل الباطل، قال الله تعالى: (يُثَبِّت اللهُ الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة..). وذكر الشثري أركان الإيمان وأنه كما جاء في حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما سأل جبريلُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم عن الإيمان فقال: [أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره). ثم بين أن الناظر في مسمى (الذين آمنوا) في الكتاب والسنة يجد أنه يطلق على ثلاث معان صحيحة: أهل الإيمان الكامل من كان عنده أصل الإيمان لا كمالُه من يظهر أنه من أهل هذا الدين سواء كان صادقا في دعواه أو لم يكن صادقًا. والإيمان بالله عز وجل أول واجب على العباد، ولذا كانت دعوة أنبيائه ورسله إلى إفراده سبحانه وتعالى بالعبادة، وذلك داخل في مسمى الإيمان. ثم شرع في ذكر بعض فوائد الإيمان بالله جل وعلا وأن المؤمن يعصمه اللهُ من عدوه (الشيطان) فلا يتمكن من إغوائه باستمرار؛ قال الله تعالى: (إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون)، وقال الله تعالى: (إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون). ثم بين أن الإيمان بالله يشمل أنواع التوحيد الثلاثة، توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات، وقد جاءت النصوص الشرعية بإثباتها قال الله تعالى: (الحمد لله رب العالمين)، وفيها إثبات توحيد الربوبية؛ وقال الله تعالى: (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ)، وفي هذه الآية إثبات لتوحيد الأسماء والصفات، قال تعالى (إياك نعبد وإياك نستعين) وفيها إثبات توحيد الألوهية. والعبادة: اسم يشمل أفعالًا وأقوالًا واعتقادات يُتَقرَّبُ ويُذَلُّ بها إلى من تُقصد به، ولذا جاءت النصوص بوجوب إفراد الله جل وعلا بالعبادة في جميع تلك الأمور المشتملة على العبادة. ثم شرع الشثري في الركن الثاني من أركان الإيمان وهو: ألا يعبدَ اللهُ إلا بما شرع. قال الله تعالى: (.. وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا…)، وقال الله تعالى: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم…)، وقال الله تعالى (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: [من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد]، وقال صلى الله عليه وسلم: [من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد]. ثم ذكر أن أهل الإيمان يقرون بأن القرآن حق من عند الله تعالى، وهو كلامه على الحقيقة، ويؤمنون بما جاء فيه دون تحريف أو تأويل يخالف ظاهر نصوصه، ويؤمنون بما جاء فيه من صفات الله عز وجل دون تشبيه أو تكييف. وما ينسب إلى الله عز وجل في القرآن من أسمائه وصفاته على أربعة أنواع: الأخبار: فإنه قد يخبر سبحانه عن نفسه بأنه موجود وأنه شيء، فلا نأخذ منها صفة ولا اسما. الأفعال: فنثبتها له سبحانه دون إثبات صفة أو اسم، كما في قوله تعالى (والذين لا يجدون إلا جهدهم فيسخرون منهم سخر الله منهم). الصفات التي وصف الله سبحانه وتعالى بها نفسَه، فهذه نأخذ منها أفعالًا وأخبارًا لكننا لا نثبت الأسماء بناء عليها، ومن ذلك صفة (المكر) كما في قوله تعالى (وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين). الأسماء كما في قوله تعالى (الرحمن الرحيم) فيجوز أن ندعو بها وأن نُسميَ باسم معبّد لها، وليُعلم أن ما ينسب إلى الله عز وجل على وجه الإضافة لا يؤخذ منه أسماء، وإنما يؤخذ منه صفات وأفعال. وفي ختام الدرس دعا معاليه للمسلمين بصلاح حالهم وأن يوحدهم الله على الحق، ودعا لولاة أمور المسلمين بالتوفيق والسداد، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. يذكر أن الدروس والمحاضرات العلمية بالمسجد الحرام تنظمها وتشرف عليها رئاسة الشؤون الدينية بالمسجد الحرام والمسجد النبوي، تحقيقاً لتطلعات ولاة الأمر -حفظهم الله-، في جعل الحرمين الشريفين منارةً للهدى والعلم والدين.
مشاركة :