ليس سهلا توصيف العلاقة الأمريكية - الإيرانية في المنطقة، منذ أن وصل آية الله الخميني إلى السلطة عام 1979، وتحولت العلاقات الغربية الإيرانية من وصف المتحالفين إلى المتخاصمين. مرت العلاقة بين واشنطن وطهران بأشكال وأقنعة متعددة، كانت تصدم المتابعين لما فيها من تناقضات وتعقيدات وتداخل في قضايا الأمن القومي وصراع المصالح، إذ طالما كانت الولايات المتحدة تنظر إلى إيران من بوابة الأمن القومي الأمريكي على حد قولها، معتبرة أنها تشكل في لحظة ما خطرا على هذا الأمن القومي. الأسبوع الماضي، تم التوصل إلى صفقة أمريكية - إيرانية بمشاركة قطرية، تثير هذه الصفقة الدهشة في الوقت الذي يتحدث مراقبون عن توتر في العلاقة الأمريكية - الإيرانية على خلفية الجمود في الملف النووي، إلا أنه من الواضح أن المنطق الأمريكي الإيراني في هذا الصراع، هو تقسيم الملفات أو بالأحرى فصل الملفات، بحيث لا يتأثر أي ملف بالآخر. المفاوضات جرت بين الولايات المتحدة وإيران، وصولا إلى اتفاق نهائي في الأشهر الأخيرة، إذ من المتوقع أن تُحول واشنطن نحو 6 مليارات دولار من أصول إيرانية في كوريا الجنوبية إلى حساب في بنك قطر المركزي، على أن تقوم طهران بتقديم أوامر للبنك لشراء معدات طبية غير عسكرية. وعند وصول الأموال إلى الحساب المصرفي القطري، سيتمكن السجناء الأمريكيون من مغادرة طهران، ومن المرجح أن تستغرق العملية من 4 إلى 6 أسابيع نظرًا لتعقيد الأوراق والإجراءات البنكية والقانونية المتعلقة بالعملية. وفي هذا السياق، أكدت وزارة الخارجية الإيرانية، أن عملية تحرير الأموال المجمدة في كوريا الجنوبية بدأت، كما سيتم الإفراج قريبا عن سجناء إيرانيين كانوا اعتقلوا داخل الولايات المتحدة. إن قراءة هذا الخبر بشكل منطقي حسب تسلسل الأحداث وتداعياتها من الصعب فهمه بعيدا عن منطق فصل الملفات، وهو ما يحيلنا إلى السؤال: هل إيران وأمريكا أعداء؟! والحقيقة، فإن الكثيرين باتوا يسألون هذا السؤال في السنوات الأخيرة، في ظل تداخل الملفات والتعقيدات في إدارة هذه العلاقة بين إدارتي دونالد ترمب وجو بايدن، التي عززت سؤالا من نوع آخر، وهو: هل هناك سياسة أمريكية واحدة حيال إيران!؟ نعم من الصعب الإجابة على كل هذه الأسئلة المعقدة في العلاقة الإيرانية - الأمريكية، خصوصا في ظل التناقضات اليومية والمواقف العلنية بين الطرفين. وفي ظل هذا التقارب المفاجئ ولاسيما أن الأمر يتعلق بكتلة مالية تحتاجها إيران التي تمر بوضع اقتصادي هو الأسوأ من نوعه، فإن الأمر يطرح تساؤلات كبيرة من نوع آخر، إذ يرى البعض أن هذه الخطوة الأمريكية هي بمثابة الحفاظ على الدولة الإيرانية وعدم جر المواجهة إلى حافة الهاوية. وأنت ترقب هذا التفاهم على مستوى معين في العلاقة الأمريكية - الإيرانية وحالة التهدئة على جبهة ما، لا يمكن أن يتطابق هذا السلوك مع السلوك الأمريكي العسكري في المنطقة وحجم التعزيزات العسكرية، فيما يشاع على أنه جزء من المواجهة الأمريكية - الإيرانية. التعزيزات الأمريكية تكاد أن تبلغ حد المواجهة في دير الزور خصوصا شرق البلاد في سورية، إذ باتت خطوط التماس بين إيران وأمريكا لا تتجاوز كيلو مترا واحدا وسط تحشيد عسكري ينذر بمواجهة عسكرية مفتوحة بين الطرفين، خصوصا أن الرغبة الأمريكية باتت واضحة في قطع العراق عن سورية ومنع إيران من استخدام هذه المساحة الجغرافية بين سورية والعراق عبر معبر البوكمال. السياق التاريخي القريب للعلاقة الأمريكية - الإيرانية يسمح ببعض النتوءات غير المنطقية، منذ صفقة «إيران جيت» للأسلحة، حين كانت إيران وأمريكا في قمة العداء ومع ذلك كلنات الأسلحة الأمريكية تصل إلى المقاتلين الإيرانيين في الحرب العراقية، هذا أمر ممكن ليس فقط في العلاقة الأمريكية الإيرانية بل في المنطق السياسي العام. ما يهم في هذه العلاقة المتعثرة والمعقدة بعد كل التجارب التي مرت بها من توترات، هو هل يمكن أن تُكتب صفحة جديدة في العلاقة الأمريكية - الإيرانية، أم أنها فصل مختلف من فصول المواجهة بين الطرفين، وسرعان ما تعود الملفات العالقة سيدة الموقف!؟ والسؤال المكرر: هل فعلا نحن أمام أعداء يستعدان للمواجهة في أية لحظة، أم أعداء يديرون الصراع بدقة!.
مشاركة :