سهير المصادفة: ليس أجمل من النساء في الحياة أو الكتابة

  • 3/8/2016
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

الروائية سهير المصادفة صدرت لها أخيراً رواية «بياض ساخن» عن الدار المصرية اللبنانية في القاهرة. الرواية تثير جدلاً لتعاملها مع ملفات شائكة؛ أجهزة الأمن السرية ودورها؛ الأمراض النفسية التي تصيب المصريين، صعود الإسلام السياسي وانكساره. وصدر لسهير المصادفة، منذ 1997 ديوان «هجوم وديع»، ثم ديوان «فتاة تجرب حتفها»، وثلاث روايات «لهو الأبالسة»، «ميس إيجيبت»، «رحلة الضباع»، فضلاً عن عدد من الكتب التي تولت ترجمتها. > في «بياض ساخن» تعتنين بالزمن وتجعلينه مركزاً من مراكز السرد؟ - زمان «بياض ساخن»، هو عام فقط، فيه صعدت جماعة الإخوان إلى عرش مصر. وتحدد زمن الرواية بالوقت الذي استغرقته نوبة بطلتها المصابة بالفصام، وينتهي مع تماثلها للشفاء. أظن أن المؤرخين أنفسهم سيتوقفون عند هذا العام طويلاً، ففيه قام الشعب المصري وبطريقة مدهشة باختبار كلّ المقولات الكبرى، مثل الديموقراطية والثورة والفوضى... ويظل الأقل أهمية في هذا العام هو صعود «الإخوان المسلمين» لحكم البلاد. الشعب المصري تعامل مع الزمن وكأن لديه رفاهية الوقت فجرّب أن يتوقف تماماً عن عمل أي شيء إلا التحدث في السياسة، واختبر تاريخه وحاكمه، وشكَّل محرقة لا تنطفئ نيرانها وأحرق فيها الكثير من الوجوه التي جثمت على أنفاسه طوال عقود، واختبر مع كل ذلك المقولات الغربية الكبرى. أظن أنني كتبت عن جنون مصر أكثر مما كتبت عن نوبة جنون موقتة لبطلة روايتي. > قد يرى القارئ أنكِ تنحازين إلى أجهزة الأمن؛ لدورها في إنهاء اعتصامي «الإخوان» بعد عزل رئيس الدولة المنتمي إليهم... فكيف ترين ذلك؟ - حدث مع بعض القراء العكس؛ وجدوني متحاملة على «مجدي»؛ ضابط أمن الدولة السابق، ابتداءً بعقده النفسية وانفلاته الأخلاقي وساديته في تعذيب المعتقلين وانتهاءً باتهامه الدائم بالغباء. أصبح من المستحيل الآن كتابة شخصية روائية شريرة شراً مطلقاً أو خيِّرة خيراً مطلقاً، فالعالم أصبح معقداً في شكل يدعو إلى الجنون ولاختلاط الملائكية والإبليسية في جينات البطل الواحد. حتى أحمد الإخواني ابن عبلة الذي أطلق نوبة جنونها والذي يشك خاله في ارتكابه بعض التفجيرات، هو طالب طب متفوق وكان مثالياً ويريد إصلاح حال العرب. لم ينقذ «مجدي» «عبلة»، بل نفسه بإعادة اكتشافها ومحاولة تغييرها، في الواقع الجموع هي من أنقذت «عبلة» وأولادها حين نزلوا لإنهاء نوبة جنونها وجنون مصر. > تبدو شخصية «فاطمة» رئيسية طوال النص؛ فهل كان ذلك احتفالاً بالقرى وأهلها؟ - المدهش أن شخصية العمة «فاطمة» أثناء كتابة الرواية كادت تكون ثانوية وفي خلفية الأحداث، شاهدة عليها وغير مفجرة لها، حارسة للأرض وللتاريخ ومنحازة إلى السلام والطيبة والجمال، وترنو للأحداث بعين واحدة فلقد سلبها زوجها عينها الأخرى، وهي لم تتعلم ولكن جذرها الممتد في الأرض جعلها تحمي الجميع من الجنون. > تدور الرواية في ثلاثة أماكن متباعدة... لماذا؟ - أحداث الرواية تدور في القاهرة والإسكندرية وإحدى قرى الصعيد. والقرية هي صانعة الحضارة الفرعونية، ومنها وإليها أمر البلاد والعباد الذين تطعمهم، وهي حارسة هوية الوطن رغم إهمالها وتجهيلها. > كيف رسمتِ شخصية «عبلة»؛ المعقدة نفسياً واجتماعياً وثقافياً؟ - «عبلة» نموذج لامرأة الطبقة الوسطى التي تم الاعتداء عليها لتقويضها منذ أكثر من ربع قرن. هذا النموذج تعلَّم جيداً ولا يعرف ماذا يصنع بعلمه، وهو مستبعد لا يشارك في بناء بلاده، ولم يترك له مَن يمتلكون مقدراته آفاقاً يسير نحوها، لم يتركوا له إلا باب انتقاد كل شيء والصراخ في وجه القبح والجوع والفقر وفساد الساسة والأخلاق التي تتدنى يوماً بعد يوم في علاقة طردية مع صعود - ويا للغرابة - التيارات الإسلامية. هذه الطبقة هي حامية البلاد وصمام أمانها الثقافي والأمني، وليست الشرطة التي أرى أنها غير قادرة وحدها على حماية وطن بحجم مصر. > بطلاتُك دائماً من النساء، فهل هذا انحياز للمرأة على حساب الرجل؟ - لا يوجد من هو أكثر جمالاً في الحياة أو الكتابة من النساء. هذه إجابة خاطئة تناسب السؤال الخاطئ. فلا يمكن أن يُسأل فلوبير مثلاً لماذا كانت بطلته «مدام بوفاري». المجتمع لم ينتبه بعد إلى أن المرأة صارت بطلة، وأن نساء نجيب محفوظ العاهرات أو الأمهات الجاهلات مثل «أمينة» قد اختفين إلى الأبد. بالتأكيد لو قُدر لنجيب محفوظ - رحمه الله - أن يكتب الآن لكتب عن بطلات رائعات، تلقّين الرصاص في الصفوف الأولى عندما ثار الشعب، ومتن واقفات وفي أيديهن الزهور كما ماتت شيماء الصباغ في مشهد هو الأكثر تفجيراً للكتابة. > يحار القارئ في تصنيف روايتك الأخيرة، فهل قصدتِ ذلك؟ - لا أدري لماذا على الرواية أن تخضع للتصنيف؟ الرواية أصبحت كتاب الحياة والجنس الأدبي الأكثر انتشاراً الآن، وهي تقفز كل يوم بل كل لحظة لتجتاز مساحات وحواجز أعلى. المشكلة الكبرى أنها أسرع من التنظير لها وعنها، وأن النقد أبطأ كثيراً منها، ولا يستطيع اللحاق بإنجازاتها. أصبح من المستحيل الآن التحدث عن رواية واقعية أو بوليسية أو سياسية أو حتى تاريخية، لقد التهمت الرواية ما بعد الحداثية كل شيء. أعني كل شيء وليس فقط الأجناس الأدبية الأخرى مثل القصيدة أو القصة القصيرة أو المقامة أو المقالة أو المسرحية أو حتى الأغنية، وإنما أيضاً الفنون السمعية والبصرية والموسيقى. > ماذا عن مشروعك الروائي، وأين تقع هذه الرواية منه؟ - أكرر هنا أصداء جملة نجيب محفوظ التي قالها عندما تسلم جائزة نوبل للآداب عام 1988: أنا ابنة حضارتين؛ حضارة فرعونية ما زالت قادرة على إثارة ولع العالم بآثارها الشامخة التياهة المنتصرة على الزمان والشخوص والمكان، وحضارة إسلامية أخرجت القبائل العربية ومعظم العالم آنذاك من الظلمات إلى النور ثم أصابها ما أصابها... حتى استيقظ العالم العربي والإسلامي منذ سنتين على كيان كاريكاتوري شائه، تم تأسيسه في شكل لا يخطر على بال الأبالسة نفسها. فلقد جمع مؤسسو «داعش» لحظات التاريخ الدموية المظلمة ليصنعوا هذا المسخ الذي يريد العودة إلى زمن الفتنة الكبرى. وما كنا نقابله بالسخرية أو الصمت في مثالب تاريخنا ندفع ثمنه الآن، حيث نشاهده حياً أمام أعيننا. نعم المؤامرة هائلة وكبيرة لتقويض العالم العربي ونهب ثرواته ولكننا أسهمنا بكسلنا الفكري والاجتهادي، وعدم اهتمامنا بالتعليم في المدارس والجامعات. أحاول اصطياد مشاهد آفلة من الحضارتين، وأدعو إلى ضرورة الاعتراف بذلك حتى نتمكن من بناء مفردات حضارة جديدة. > العمل العام وفي الثقافة خصوصاً ألا يخصم من إبداعك؟ - نعم؛ يخصم كثيراً من إبداعي، في تقييم المنجز، في الحرج من الاحتفاء برواياتي ومنحها ما تستحق خوفاً من اتهامهم بأنهم يجاملون مسؤولة في وزارة الثقافة، وكأن هذه المسؤولية عيب وليست عبئاً. طوال الوقت الماضي تحملت العلاقة الشائهة والعدوانية بين المؤسسة الثقافية والهامش، ومن المضحك أن المؤسسة حسبتني على الهامش المعارض، وحسبني الهامش عليها. > كيف تقيِّمين وضع الترجمة في مصر الآن؟ - وفقاً للإحصائيات العالمية؛ نجد أن معدلات الترجمة في مصر والعالم العربي متدنية، وما زالت تشوبها العشوائية وإهدار طاقات المترجمين المحدودي العدد، ومقدرات المؤسسات المعنية بها. لا توجد ببليوغرافيا شاملة تنير الطريق أمام مراكز الترجمة، ولا توجد مجلة للترجمة في العالم العربي يتكئ عليها المترجم ليسترشد بها، ولم تتم بعد دراسة المكتبة العربية لتحديد ما تحتاج إليه ومواطن النقص فيها، والجامعات المصرية لا توجد بها منظومة تستفيد من جهد دارسي اللغات، والمحصلة: ما زال أمامنا الكثير لوضع أسس نهضة كبرى. > ترأسين تحرير سلسلة «الجوائز»، التي تصدرها الهيئة المصرية العامة للكتاب، فما هو مشروعها وماذا أنجزت منه حتى الآن؟ وكيف تنظرين إلى مشروع الشراكة الصينية الذي تتولين ملفه؟ - كان هدف السلسلة ترجمة ونشر الأدب الأجنبي في مصر والعالم العربي. ترجمة أعمال حاصلة على جوائز، لأضمن للقارئ كتاباً جيداً. وهي تبدأ من جائزة نوبل وحتى أصغر جائزة محلية في بلدانها. لقد صار القارئ ينتظر جديد السلسلة وهو واثق من أنه سيحصل على كتاب جيد. الصين تسعى إلى تصدير ثقافتها إلى العالم الأجنبي، وتدعم الترجمة، وأبرمت مع الهيئة المصرية العامة للكتاب بروتوكولاً للتعاون في تبادل حقوق الملكية الفكرية لترجمة الأعمال ونشرها من اللغة العربية وإليها. > تتولين رئاسة «مركز تنمية الكتاب العربي»، وهناك مشكلة في القراءة العربية البينية، فكيف ترين حل هذه المشكلة، وحل أزمة قلة التواصل العربي - العربي؟ - الغريب أن توزيع الكتاب في العالم العربي، ما زال حتى هذه اللحظة وفي ظل ثورة تكنولوجية هائلة، يعتمد على شحن الكتب المطبوعة عبر وسائل النقل التقليدية. ينبغي أن نستثمر الحلول الجديدة. يعمل «مركز تنمية الكتاب العربي» في العديد من المهام، على مستوى صناعة الكتاب أيضاً وعلى الاتصال بالمراكز العربية الشبيهة. وقد خصصتُ في معرض القاهرة الدولي للكتاب محاور لبرنامج حول تنمية الكتاب العربي بعنوان: «الكتاب في المواجهة». > إلى أي مدى تتفقين مع من يرى أن الأدب المصري يشهد تطوراً كبيراً بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير؟ - أتفق مع هذا الرأي، فما حدث منذ ثورة 2011، هو الأهم على الإطلاق في تاريخ مصر الحديث، كانت مصر قبلها مثل بحيرة راكدة، تُلقى فيها الأحجار فتدور قليلاً لتبتلعها إلى الأبد، كان الخرس والاكتئاب على وجوه المصريين في الشوارع يصيبان غالبية الكتابة بالبلادة. وفجأة أصبحت الشوارع والميادين تغصُّ بالصور. فجأة رأينا كيف تُرفع صفحات من تاريخ مصر إلى جوار بعضها البعض، واختفى الحد الفاصل الراكد بين الخير والشر في الشخوص، فأحدهم قد تراه - شكلياً - بلطجياً وأنت داخل إلى ميدان التحرير، ثم تكتشف أنه ثوري وقد يموت برصاصة إلى جوارك بعد يومين. كانت الدماء تسير جنباً إلى جنب الأغنية.

مشاركة :