«الشاويش» محور الحياة في مخيمات السوريين العشوائية في لبنان

  • 3/8/2016
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

شارك جميع سكان المخيم في زفاف «أحمد» قبل شهرين، الشاب الوحيد الذي قُتل نصف أسرته وهاجر نصفها الأخر، أسعده تلقي الدعم من جيرانه في المخيم العشوائي. سوريون من حمص ودمشق وإدلب ومحافظات آخرى رصفوا خيامهم فوق أرض مستأجرة، جمعوا مبلغاً من المال لجلب مطرب سوري يحيي زفاف اللاجئ من دمشق باللاجئة من حمص، «واستمرت الدبكة حتى الثانية صباحاً» يروي «علي» شاويش المخيم. كان علي أول من نصب خيمته في هذه الأرض قبل ثلاث سنوات، هرب من البياضة في حمص مع شقيقه وأختيه حين قتل النظام الأب والأم على أحد الحواجز، ثم لحقه آخرون ليتشكل مجتمع المخيم المؤلف من مئتي عائلة باسم «مخيم المرج» قرب الجراحية في البقاع. تلك العبارة التي استخدمها علي حين دعا أقاربه وأصدقاءه إلى المكان الجديد «دق هون» تعني أنصب خيمتك هنا، والتعبير مناسب في دولة رفضت إنشاء مخيمات للسوريين الذين لجأوا إلى أراضيها خوفاً من الاضطرار لتوطينهم في ما بعد. «الناس هنا ودودون ويحترمون السوريين» يقول علي وذلك ما جعله يقول للآخرين «الأرض استأجرناها من المالك اللبناني وكل أسرة يحدد لها مربع من الارض لتبني خيمتها، وتدفع ما بين أربعين إلى خمسة وسبعين دولاراً شهرياً للمالك وفق مساحة الأرض ومكانها». لكن للشاويش مهمات آخرى في المخيم حين يزداد عدد السكان، فهو مندوبهم أمام المنظمات الإنسانية والجمعيات الخيرية، والمسؤول عن توزيع المساعدات العنصر الأهم في حياة المخيم. يقول علي: «بعض الشوّاشة - جمع شاويش - يحتفظون لأنفسهم بحصص أكبر من المساعدات لكني لا أفعل، التوزيع العادل يجعل الناس سعداء وذلك أريح لي». ولعل هذه الوظيفة الحساسة هي التي أعطت علي المقدرة على ممارسة أدوار أخرى في مجتمع المخيم كحل الخلافات والنزاعات بين سكانه: «حين تعارك شابان من المخيم هذا الشتاء بادرت إلى دعوة بعض رجال المخيم إلى الغداء ودعوت الخصمين أيضاً، كان اللقاء مفاجأة للطرفين لكن الصــلحة تمت في ذلك اليوم». هكذا تبلــور دور الشاويش في مخيمات السوريين العشوائية في لبنان والمقدر عددها بحوالى 1300 مخيم منتشرة على كامل الأراضي اللبنانية، يقطنها اليوم مئات آلاف اللاجئين السوريين الأشد تأثراً بالحرب، من بين مليون ونصف مليون سوري تقريباً باتوا يشكلون ثلث عدد سكان لبنان.   تحت الإقامة الجبرية لبنان البلد غير الموقّع على اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين أعطى لاجئيه حرية إنشاء مخيماتهم العشوائية خارج المدن، وعلاقة الدولة بهذه التجمعات تكاد تقتصر على المداهمات التي ينفذها الجيش في شكل دوري. معظم اللاجئين لا يملكون وثائق إقامة بسبب كلفة استخراجها وتعقيد إجراءاتها ما يجعل منهم خارجين عن القانون بمعنى ما، يصف أحد السكان الأمر بالقول: «محاولة الخروج من المخيم بحثــاً عن عمل أو خلافه مجازفة قد تنتهي بالاعـــتقال على حواجز الجيش، معظمنا لا يملك المئتي دولار اللازمة لاستخراج الإقــامـــة وهي الحـــد الأدنـــى من الكلفة التي قد تصـــل إلى أضعاف ذلك وفق وضع اللاجئ. الجميع بات يعلم أنه لا ينبغى مغادرة المخيم فحــــواجز الجيش في كل مكان، وليس لنا سوى الجلوس في هذه المساحة الآمنة بانتــظار وصول المساعدات». تمنع هذه العقبة وصول اللاجئين إلى سوق العمل، وفي هذه الحلقة المفرغة يراوح أكثر من نصف مليون سوري داخل المخيمات وخارجها ممن لا يملكون فرصة لإيجاد أي دخل، باستثناء المحظوظين بإيجاد فرص للعمل الزراعي في الأراضي المجاورة. أيضاً قليلون افتتحوا نشاطات اقتصادية داخل المخيمات، يقول الشاويش علي «فتح في المخيم دكانان لبيع المواد الغذائية برساميل صغيرة، كما أن هناك خيمة لألعاب الكمبيوتر». لكن هذه النشاطات تواجه بانعدام القوة الشرائية.   على هامش الوجود القانوني أكدت مفوضية الامم المتحدة للاجئين في لبنان ولادة 52 ألف طفل سوري حتى أيار (مايو) 2015 في لبنان، ليس بينهم الأطفال المحتملون للعريس أحمد وأقرانه من الشباب السوريين الذين تزوجوا في الملجأ. الشاويش علي كذلك يبحث عن «ابنة الحلال» للزواج بها. يقول: «حياتي عادية هنا ولن يتغير الكثير في حال تزوجت سوى بعض الشعور بالاستقرار، سيساعدني الجيران لإعداد خيمة الزوجية وتكاليف الزفاف وذلك كل ما يتطلبه الأمر». هذا النمو الاجتماعي في مختلف أشكاله في المخيمات يحدث ضمن بيئة مانعة، ففرش أرضية الخيام بالإسفلت عادةً ما يكون موضوع خلاف بين اللاجئين المستأجرين وأصحاب الأراضي الراغبين في استعادة أرضهم الزراعية كما تركوها حين يرحل المستأجرون. والبنية التحتية المسموح بإنشائها في الحدود الدنيا، كما أن هناك سقفاً لعدد الخيام المسموح بتواجدها ضمن كل تجمع. وسط هذه القيود يتبلور نمط الحياة هنا «إننا نمارس كرة القدم نهاراً ونلعب الورق في الليل» يقول الشاويش علي ويتابع: «لقد مهدنا مساحة من الأرض لتصبح ملعباً ونعمل على تأسيس فريق المخيم كما فعل غيرنا... قد نشارك قريباً في دوري كرة قدم خاص بالمخيمات». سؤال المستقبل أصعب ما يواجهه سكان المخيمات، أصعب من انعدام الدخل ونقص المساعدات وتقلبات الفصول على خيامهم الهشة، والسنوات التي مضت زادت وضعهم تعقيداً وزادت الأخطار على البلد المضيف، وبينما يأمل كثيرون بعودة قريبة إلى منازلهم في سورية يذكر الشاويش علي منزله في حي البياضة بالقول «ربما لا يزال هناك بعض الأعمدة منتصبة في الحي المهجر... لست متأكداً من ذلك».

مشاركة :