مع سعي روسيا وتركيا لأخذ زمام المبادرة في سوريا، ثمة إشارات على أن إيران أيضا، وهي لاعب أساسي في الأزمة، ربما كانت تتجه للنأي بنفسها عن موسكو والاقتراب أكثر من أنقرة. جاءت أولى هذه الإشارات يوم الأحد عندما قال الرئيس حسن روحاني لمؤتمر صحافي في طهران، إن حكومته لن تتبنى مقترحا روسيًا بتحويل سوريا إلى دولة فيدرالية. وقال روحاني إن «إيران تدافع عن وحدة وسلامة سوريا، وسيطرة الحكومة على كامل أراضيها». وبعد ساعات قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الروسية، إن موسكو تنفي التكهنات بشأن وجود خلاف مع طهران بشأن الأزمة السورية. وقال: «سنواصل التنسيق مع إيران بشأن سوريا في إطار مجموعة العمل الدولية حول سوريا». ومع هذا، فبالنسبة إلى بعض المحللين، لم يكن هذا النفي سوى تأكيد ضمني. يقول حميد زمردي، معلق يركز على استراتيجيات إيران: «كان لدى إيران تفكير في تحرك مزدوج حصري مع موسكو، وإقصاء الولايات المتحدة وحلفائها العرب فعليا من تشكيل مستقبل سوريا. وعندما تقول موسكو إنه سيتم العمل مع إيران في سياق المجموعة الدولية، تطفو إلى السطح صورة مختلفة، وبخاصة عندما نعرف أن الولايات المتحدة تفضل هي الأخرى نظاما فيدراليا في سوريا». وفي واقع الأمر ذهب نائب الرئيس الأميركي جو بايدن إلى مدى أبعد، بتلميحه إلى احتمالية تقسيم سوريا إلى 3 دويلات صغيرة. وتعارض إيران النظام الفيدرالي ومعادلات التقسيم لسببين: الأول، أن أي معادلة للتقسيم يمكن أن تحرم إيران من الوصول السهل إلى لبنان، حيث جعلت إيران من نفسها القوة الفعلية من خلال الفرع المحلي، «حزب الله». وقد ينتهي الأمر بروسيا إلى السيطرة على الشريط الساحلي السوري من خلال دويلة تهيمن عليها الأقلية العلوية، وفي حال اطمأنت هذه الدويلة إلى الدعم الروسي القوي فلن يكون هنالك ما يدعوها إلى التماس المساعدة من طهران. كذلك يمكن أن يظهر جزء من سوريا كدولة كردية، وهو تطور يمكن أن يبعث نزعات انفصالية في أوساط الأكراد الإيرانيين، الذين يقدر عددهم بـ4.5 مليون نسمة. أما بقية سوريا، التي يهيمن عليها السنة، فستكون معادية لإيران التي عملت على تسليح ودعم أسرة الأسد على مدار سنوات. وتعد معارضة ظهور دولة كردية مستقلة العامل الأساسي فيما يبدو تقاربا هشا بين طهران وأنقرة. وبعد زيارة إلى طهران، أعلن رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو أنه توصل إلى «اتفاق كامل مع إيران حول معارضة أي تقسيم لسوريا». وأضاف: «لا تركيا ولا إيران ستسمح بفرض نسخة جديدة من سايكس-بيكو»، مشيرا إلى المعاهدة التي صاغتها بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وروسيا في 1916. لتقسيم أراضي الدولة العثمانية في المشرق. ويقول المحلل الإيراني ناصر زماني: «نحن نشهد ظهور وضع مثير للاهتمام.. إيران مع روسيا في إطار العمل على بقاء بشار الأسد في السلطة لأطول وقت ممكن. لكن إيران وروسيا تختلفان عندما يتعلق الأمر بمستقبل سوريا. هنا تقترب موسكو من واشنطن أكثر من طهران. أما الوضع مع تركيا فهو مختلف. تختلف طهران وأنقرة على مصير الأسد، حيث تريد إيران بقاءه وتسعى تركيا للتخلص منه بأسرع ما يكون. لكن طهران وأنقرة تتفقان على معارضة تقسيم سوريا، ويحدو كلا منهما أمل بأن تكون الحكومة الجديدة في دمشق موالية لها». ولزيادة الأمور تعقيدا، أطلق المرشد الأعلى لإيران علي خامنئي، لتوه، استراتيجية «النظر شرقا»، وهدفها بناء محور طهران –موسكو لإعادة تشكيل الشرق الأوسط، عن طريق تقليل، إن لم يكن اجتثاث، تأثير الولايات المتحدة وحلفائها. ومن شأن خلاف مع موسكو حول سوريا، وهي القضية الأساسية في المنطقة حاليا، أن يقوض هذه الاستراتيجية وهي ما تزال في بواكيرها. ما زال فصيل رافسنجاني، وروحاني عضو فيه، يأمل بتشكيل محور طهران - واشنطن غير رسمي، يكون من شأنه أن يسمح للجمهورية الإسلامية بأن تتصرف كـ«قوة عظمى» إقليمية بمباركة أميركا. ويعتقد بعض المحللين أنه قد ينتهي المطاف بطهران أن تجد نفسها عالقة في شبكة من الأهداف والاستراتيجيات المتناقضة، وهو ما قد يؤدي إلى تهميشها بفعل قوى أخرى منافسة لها في المنطقة.
مشاركة :