النخبة السياسية في لبنان لا تريد إصلاحات اقتصادية يراقبها صندوق النقد الدولي

  • 8/24/2023
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

رغم أن لا ملجأ للبنان سوى صندوق النقد الدولي وإقرار خطته للإصلاح الاقتصادي لتفادي الانهيار، لا يزال القادة السياسيون يعرقلون إقرار هذه الخطط إذ أنها تهدد مكاسب راكموها على مدى سنوات. وعلى العكس من ذلك تسعى الصفوة السياسية إلى تحميل اللبنانيين فاتورة إنقاذ النظام المالي. بيروت - تضغط النخب السياسية في لبنان بعد أربع سنوات من الأزمة الاقتصادية التاريخية لتحقيق انتعاش يتجنب الإصلاحات الصارمة التي طالب بها صندوق النقد الدولي، بينما أتقنت فن البقاء وتمكنت من تجنب الانهيار. ويقول خبراء اقتصاديون ومسؤولون سابقون شاركوا في تصميم خطة الإنعاش الأصلية التي وافق عليها صندوق النقد الدولي في لبنان سنة 2020 إن القياديين السياسيين وشركاءهم في القطاع المصرفي ينفذون عمدا “خطة ظل” لتقويض الصفقة وإلقاء عبء إنقاذ النظام المالي على عاتق المواطنين اللبنانيين الذين يعانون الفقر بسبب الأزمة. وسيجبر تنفيذ إصلاحات صندوق النقد الدولي التي تشمل عمليات تدقيق حسابات البنك المركزي اللبناني والبنوك الأخرى، التي كانت سرية منذ فترة طويلة، النخب على تحمل الكثير من تكلفة إصلاح الانهيار المالي. ويقول الخبراء إن ذلك سيهدد شبكات الفساد والمحسوبية والهدر التي سمحت لهم باستغلال النظام لسنوات. وقال آلان بيفاني المدير العام السابق لوزارة المالية ومهندس خطة الإنعاش “لم أعتقد أن هؤلاء الناس سيظلون يتصرفون بهذا القدر من الدم البارد وعدم المسؤولية رغم حجم الكارثة”. ويراهن عدد متزايد من السياسيين الآن على أن انتعاش القطاع السياحي، والتحويلات المالية التي يرسلها اللبنانيون من خارج البلاد، وقطاع الغاز الطبيعي، ستنعش الاقتصاد دون إصلاحات تتطلب تضحيات كبيرة منهم. القادة السياسيون وشركاؤهم في القطاع المصرفي يسعون لإلقاء عبء إنقاذ النظام المالي على عاتق اللبنانيين ويوجّه الكثيرون أصابع الاتهام إلى القياديين السياسيين الذين بقوا في السلطة لعقود وكبار المسؤولين المصرفيين ومحافظ البنك المركزي السابق رياض سلامة، ويحمّلونهم مسؤولية الانهيار المالي الذي يشهده لبنان. ويخضع سلامة، الذي أدار البنك لمدة 30 عاما حتى يوليو الماضي، للتحقيق في مزاعم غسيل الأموال والاختلاس. وفرضت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا عقوبات عليه قبل أسبوعين. وخلال السنوات التي سبقت اندلاع الأزمة، اتبع البنك المركزي ما اعتبر البنك الدولي أنه يرقى إلى مخطط بونزي (هرمي) لمنع الانهيار الاقتصادي. وأغرى البنوك التجارية بإقراضها الدولارات بأسعار فائدة مرتفعة لحمايتها من شح السيولة. وجذبت هذه البنوك بدورها العملاء لإيداع مدخراتهم بالدولار بأسعار فائدة أعلى، مما أدى إلى تحقيق الربح. وانهار المخطط في أواخر 2019 حين تباطأ تدفق الدولارات. وأثار هذا الأمر حالة من الذعر والتهافت على البنوك. ومنعت البنوك السحب بالدولار، مما سمح للمودعين بالتعامل بالعملة المحلية فقط وبجزء صغير من سعر السوق. ودمّر الأمر مدخرات الكثيرين وحياتهم. وارتفع التضخم في لبنان بشكل كبير. وكان الدولار يساوي 1500 ليرة لمدة ربع قرن، ويصل الآن إلى حوالي 90 ألف ليرة في السوق السوداء. ومع شح الأموال، أصبحت الكهرباء الحكومية الآن شبه معدومة وتكافح المدارس العامة والمستشفيات لتحمل تكاليف الإنارة ويتضرع المسؤولون طلبا للمساعدات الإنسانية كتلك التي تُقدم لدولة في حالة حرب. عدد متزايد من السياسيين يراهنون على أن انتعاش القطاع السياحي، والتحويلات المالية التي يرسلها اللبنانيون، وقطاع الغاز الطبيعي، ستنعش الاقتصاد دون إصلاحات وقال الخبير الاقتصادي في مؤسسة “مبادرة سياسات الغد” ومقرها بيروت سامي زغيب “كانوا يستخرجون الهواء من رئتي المجتمع قبل الأزمة. وأصبحوا يفترسون الجثة الآن بعد أن مات المجتمع”. وأصبح المدخول بالليرة الذي يجنيه العاملون في القطاع العام والموزع عبر معاشات المتقاعدين الذين يشكلون قطاعا كبيرا من السكان عديم القيمة تقريبا. ومن أجل البقاء، يبحث اللبنانيون عن الدولارات التي يرسلها أقاربهم في الخارج في أغلب الأحيان. وتفرض معظم الشركات الآن الدفع بالدولار وتشمل هذه الممارسات محلات البقالة والصيدليات وحتى المستشفيات الخاصة وبائعي مولدات الكهرباء الخاصة. وتعتمد جانيت فارس، البالغة من العمر 62 عاما والعاطلة عن العمل، على مال إخوتها الذين يعانون أيضا. ونادرا ما تقود سيارتها من طراز 1995 لارتفاع ثمن الوقود. وقالت “كلها أكاذيب. لا أستطيع حتى إصلاح الصنبور”. ووصفت قادة البلاد بـ”المافيا”. وكانت خطة إنقاذ صندوق النقد الدولي تُعتبر ذات يوم أمل لبنان الوحيد. وتوصل لبنان إلى اتفاق مبدئي مع صندوق النقد الدولي في أبريل 2022 بعد ما يقرب من عامين من المحادثات، وشمل حزمة إنقاذ بقيمة 3 مليارات دولار. لكنها مشروطة بإعادة الهيكلة المالية والإصلاحات الكبرى لمكافحة الفساد والهدر. وتضع خطة صندوق النقد الدولي جل عبء تعويض خسائر النظام المالي على عاتق المساهمين في البنوك التجارية الذين يشملون العديد من العائلات السياسية اللبنانية البارزة وشركاء القطاع الخاص. وسيتعين بيع أصول العديد من البنوك أو دمجها مع بنوك أخرى بعد عمليات تدقيق واسعة النطاق. وفي نفس الوقت، سيتمكن صغار المودعين من استرداد معظم أموالهم. الكثيرون يوجّهون أصابع الاتهام إلى القياديين السياسيين الذين بقوا في السلطة لعقود وكبار المسؤولين المصرفيين ومحافظ البنك المركزي السابق رياض سلامة ويفتح الاتفاق النهائي مع صندوق النقد الدولي الباب أمام حزمة الإنقاذ ومليارات الدولارات من الاستثمارات والقروض الدولية الأساسية لإعادة بناء القطاعات الإنتاجية. ولن يحصل لبنان على الاستثمار دون الاتفاق والإصلاحات المرتبطة به، وسيبقى “معتمدا على المساعدات المقدمة من المجتمع الدولي”، حسبما حذّر رئيس بعثة صندوق النقد الدولي إلى لبنان إرنستو ريغو في يونيو الماضي. وصرّح وزير الاقتصاد في حكومة تصريف الأعمال أمين سلام لوكالة الأسوشييتد برس خلال مقابلة حديثة أن عددا متزايدا من المسؤولين في الحكومة يرون أن لبنان قادر على الاستغناء عن خطة صندوق النقد الدولي، أو على تحسين موقفه التفاوضي، باعتماد القليل من التدابير الداخلية التي تمسّ النظام المالي. وأكّد سلام أن المسؤولين الذين التقى بهم مؤخرا من دول الخليج الغنية بالنفط التي كانت تضخ المليارات للبنان أشاروا إلى أنهم يشعرون بنفس الشيء. ويعوّل هو ومسؤولون آخرون على التحويلات المالية من المغتربين الذين يشكلون الآن ما يقرب من 40 في المئة من الاقتصاد، بينما يرحّبون بأعداد قياسية من السياح هذا الصيف. وينفق السياح عملتهم الصعبة عبر الشواطئ على طول البحر المتوسط نهارا قبل أن يتدفقوا على النوادي الليلية حتى شروق الشمس. وفي نفس الوقت، تعمل البنوك التجارية التي نجت من إعادة الهيكلة على تعويض خسائرها على حساب صغار المودعين، الذين يضطرون إلى سحب دولاراتهم المحتجزة بالليرة بمعدل 15 ألف ليرة، أي بسدس قيمتها السوقية الحالية. وانطلقت مفاوضات لبنان مع صندوق النقد الدولي في مايو 2020، لكن بيفاني وصف المناقشات بالمسخرة بسبب انقسامات في الجانب اللبناني. وقللت الأحزاب الحاكمة والبنوك التجارية والبنك المركزي من أهمية الأزمة، مدعية وجود مبالغة في تقديرات الخسائر المالية البالغة 70 مليار دولار. Thumbnail ويقول الوزراء والمستشارون الإصلاحيون الذين يروجون لخطة التعافي الأولية التي يدعمها صندوق النقد الدولي إنهم واجهوا مقاومة وعداوة. وقال أحد كبار المسؤولين الحكوميين السابقين إنه تلقى مع مسؤولين آخرين تهديدات بسبب دعوتهم لإصلاحات صارمة. وقال بيفاني إن محافظ البنك المركزي السابق سلامة، الذي كان ضمن فريق التفاوض، تجاهل في الكثير من الأحيان طلبات إرسال معلومات مهمة حول الوضع المالي وتآكل الاحتياطيات الأجنبية. كما لم يتعاون مع التدقيق الجنائي في معاملات البنك المالية المشكوك فيها. وفي نفس الوقت، اقترحت البنوك خطة تسلط غالب العبء المالي على الحكومة، داعية إلى بيع أصول الدولة، أو بعبارة أخرى خطة إنقاذ حكومية. وتجمدت المحادثات في غضون أسابيع، مما دفع بيفاني ومستشار وزير المالية هنري شاول إلى الاستقالة في أواخر يونيو 2020. وقال شاول في بيان استقالته “لن أشهد على هذا التقاعس الضار”. وخففت الحكومة أولوية المحادثات. ويتولى حقيبة التفاوض نائب رئيس الوزراء سعادة الشامي، وهو خبير اقتصادي إصلاحي عمل لحوالي عشرين سنة في صندوق النقد الدولي، لكنه لا يحظى بأيّ دعم سياسي تقريبا. وقال العديد من البرلمانيين لوكالة الأسوشييتد برس إن لجنة الميزانية والمالية بالبرلمان تجاهلت تشريعات الإصلاح. وقالوا إنها تركز بدلا من ذلك على إنشاء صندوق ثروة سيادية لعائدات النفط والغاز المأمولة، على الرغم من أن التنقيب في حقل غاز بحري بدأ للتو. ويندثر أمل الكثير من سكان لبنان الفقراء خارج أماكن الحياة الليلية الصاخبة والفنادق الفاخرة. وقال فارس عن النخبة الحاكمة في البلاد “هم يعيشون في قصورهم، ولا يرون الفقراء الذين بالكاد يستطيعون توفير الطعام”. ويؤكد الخبير المصرفي ومدير عام “فرست ناشونال بنك” نجيب سمعان أن لبنان “لم يفقد فرصة إدارة التعامل بكفاءة مع الأزمات المتفاقمة ، ولاسيما في البعدين النقدي والمالي، بشرط انتظام أعمال ومهام المؤسسات الدستورية وإرساء توافق وطني عريض يدعم خطة التعافي ويسهّل تمرير حزمة القوانين الضرورية التي طلبها صندوق النقد الدولي وبمشاركة مكونات القطاع المالي الممثلة بالبنك المركزي والجهاز المصرفي”.

مشاركة :