قراءة الجهود الثقافية التي يتبناها «رواق الفن» بجامعة نيويورك أبوظبي، باعتباره أول صالة فنية تابعة لجامعة في منطقة الخليج، تستدعي التركيز على دوره الرئيس نحو إثراء الفضاءات الأكاديمية، من خلال مساحة متحفية تستكشف التجارب الفنية، وتطرح الأسئلة الجوهرية التي من شأنها أن تتيح أكبر قدر ممكن من الحوارات المفتوحة، وتبادل الآراء ووجهات النظر، حول مختلف المفاهيم والأفكار الجديدة، من خلال استضافة معارض فنية متعددة التخصصات لفنانين وقيّمين وباحثين عالميين، بالتوازي مع حضور «مساحة مشروع» ممثلةً مختبراً في صالة جانبية تنظم معارض فنية لفنانين وقيّمين صاعدين وناشئة ضمن مجتمع الجامعة. والجدير بالبحث والنقاش، ما ينتجه «رواق الفن» على مستوى المطبوعات الفنية ذات المضامين الأكاديمية وحوارات الفنانين، المصاحبة للمعارض الفنية، حيث يُطرح فيها موضوعات مهمة، تبني جسوراً معرفية بين المجتمع الفني المحلي في العاصمة أبوظبي، والمجتمعات الفنية الإقليمية والدولية، من مثل كتاب «نراهم لكننا: تقصي حركة فنية في الإمارات، 1988-2008»، يعتبر أول كتاب مرجعي شامل يتناول دراسة استقصائية لمجتمع فنّي رائد في دولة الإمارات، تشكّل خلال فترة الثمانينيات من القرن المنصرم. والمبحث الصحافي لـ «الاتحاد الثقافي» في هذا الصدد، هو دراسة طبيعة مكونات الفضاء العام لرواق الفن، وتسجيل مخرجاته الإبداعية كنموذج أكاديمي، يبني مستوى جديداً من إدراك الفعل الفني في الحياة اليومية، من خلال برنامج إرشادي متكامل لليافعين والكبار، وأيضاً رصيد من التعاونات الرصينة والداعمة للمؤسسات الفنية الأخرى بدولة الإمارات. حداثة خليجية قدم رواق الفن أول استبيان حول ظهور الفن المعاصر في منطقة الخليج العربي، من خلال معرض «حداثة خليجية: رواد ومجموعات فنية في شبه الجزيرة العربية»، بتقييم فنّي من قبل الدكتورة عائشة ستوبي، في الفترة ما بين 6 سبتمبر - 11 ديسمبر 2022، مقدماً استعراضاً تاريخياً لحركات الفن الحديث خلال القرن الماضي في دول مجلس التعاون الخليجي، وتحديداً تطور حركات الفن البصري، حينما بدأت اكتشافات النفط في تغيير ملامح المنطقة. كما يرسم تطور الأماكن العامة والخاصة وعلاقتها بالهوية الوطنية لشعوب هذه الدول، حيث يتم التعبير عنها من خلال الممارسات الفنية. وفي هذا الجانب، نعود إلى البنى المنهجية الأولى التي اعتمدها «رواق الفن»، لتحديد المسارات الثقافية في الفضاء الأكاديمي الفني العام، وأكدت مايا أليسون المدير التنفيذي والقيّم الرئيس لرواق الفن، أنه عندما نتمعن في رؤية دولة الإمارات، فإنه من بين أكثر الأمور المُلهمة، هي الكيفية التي يفكر بها القادة بمستقبل الشعب، وكيف ينظرون للهوية الوطنية، من خلال قدرة بديعة في تهيئة مكان يحتفي بمختلف العوالم الثقافية، ومنه جاء السؤال حول الدور الذي سيلعبه «رواق الفن» في إدراك القيمة الفنية والتاريخية لبرنامج المعارض، بأن يكون لها صلة محلية، بأن نبدأ من حيث نحن، وفي ذات الوقت نتخذ دوراً بارزاً على المستوى العالمي. المتغير الثابت استضافت الصالة الفنية الرئيسية لرواق الفن مجموعة من الفنانين المعروفين عالمياً، بمن فيهم توماس ستروث وهارون ميرزا، في معرض «المتغير الثابت» الذي يركز على مناظرنا الطبيعية المعاصرة في ظل مواجهة تحدي التغير المناخي، ويتمحور المعرض حول أعمال الراحل طارق الغصين، المصوّر الفوتوغرافي، الذي تولّى إدارة برنامج ماجستير الفنون الجميلة الجديد في جامعة نيويورك أبوظبي قبل رحيله بعام، إلى جانب أن «مساحة المشروع» قدمت معرضاً للتكنولوجيا التفاعلية بإشراف عضو الهيئة التدريسية في جامعة نيويورك أبوظبي ميشيل شيلوه وبريدين كوتون، بعنوان «لم تصل رسالتك». في سياقات التعددية وأدوارها في بناء البرامج الفنية في المساحات الثقافية، اعتبرتها مايا أليسون، جوهر الممارسات الفنية، فيها يُلاحظ القائمون على الرواق ومجتمع الجامعة كيف تستجيب المساحات العامة لتلك التعددية في الموضوعات والمواد المستخدمة، فهناك فنانون يقدمون أعمالهم ويلتقون بفنانين آخرين، يشتغلون في قطاعات فنية مختلفة، والأهم في ذلك، هم الجمهور، حيث يلتقي كل شخص باهتمام فني مختلف مع شخص آخر، ويبدأ بينهما حوار، وهنا نتلمس التغير الحاصل في طاقة المكان، عندما يبدأ الأفراد بمشاركة وجهات نظرهم، ومنه نتعرف على رؤى جديدة، قد لا يتوصل إليها الفرد لوحده دونما حوار ومشاركة مستمرة. أخبار ذات صلة الإمارات: المسار السياسي سبيل حل الأزمة السورية لأول مرة.. مزاد للفنون في «أبوظبي للصيد والفروسية» سرد القصص تنظيم معرض فني، لا يُعد حدثاً عابراً، هو بالتأكيد يصنع تاريخاً فنياً، توضيح أشارت إليه مايا أليسون، لما للمعارض الفنية من مقدرة على أن تسرد لنا القصص، باعتبارها المكون الأساسي للسردية التاريخية، وبذلك يقودنا حديث أليسون إلى ضرورة فهم آلية تطوير شكل المعرض، وفقاً للموضوعات المُحركة للوعي العام العالمي، فمثلاً يستعد رواق الفن لافتتاح معرض للنحات الأميركي الشهير بلان دي سانت كروا في أكتوبر المقبل لهذا العام، الذي يقدم أعمالاً جديدة تشكل ثمرة إقاماته البحثية في جامعة نيويورك أبوظبي، حيث التقى مجموعة من العلماء من أعضاء الهيئة التدريسية وأمضى عدة أيام في الصحراء، بهدف التعرف على مناظرنا الطبيعية. ويتماشى معرضه الجديد مع «مؤتمر الأطراف COP28»، وهنا صياغة بحثية وعلمية، يحققها «رواق الفن»، ويجعلنا أمام تباحث ثقافي واجتماعي لأدوار الفن في الممارسات البيئة والدعم المناخي، وتحويلها إلى نشاط اجتماعي قابل لتأويل الفني، وهنا لا يتوقف «رواق الفن» في كونه مساحة فنية متحفية، بل فضاء تفاعلي قابل لتحول وإعادة الاكتشاف لإمكانياته كمحرك ضمني لتجربة الإنسانية في قلب المجتمع المحلي، وبذلك تظهر «مساحة المشروع»، الصالة الفنية الثانية في رواق الفن، باستضافتها لـ 11 معرضاً خلال 9 شهور لفنانين من الإمارات، بما فيها معرض أبحاث أعضاء هيئة التدريس بجامعة نيويورك أبوظبي وأعمال الطلاب في برامج ماجستير الفنون الجميلة ومشاريع التخرج لطلاب البكالوريوس، إضافة إلى أعمال الفنانين الصاعدين في الإمارات، دليلاً دينامكياً لمفهوم التجريب، في كونه دعامة أساسية لتسليط الضوء على التحولات المجتمعية وأشكال تطورها في الوعي العام. «روي» جديدة يقوم «رواق الفن» بإنتاج كتيّب لليافعين يصاحب كل معرض يستضيفه الرواق، ويتم تطوير كل كتيّب بالتعاون مع فنان أو رسام من المجتمع المحلي، منهم: خالد مزينة، علياء الحمادي، وسلطان الرمحي، وفرح سليمان، وعلياء الشامسي، زوي كوا، عبدالعظيم الغصين وغيرهم، تتيح هذه الكتيّبات التفاعل المباشر مع المعروضات الفنية والمعرض بشكل عام، كما تقدّم للعوائل نشاطاً مخصصاً لتجربتهم الشخصية المشتركة، وعليه فإن تلك الجولات الإرشادية للمعارض الفنية، بحميميتها العائلية، تحمل بعداً أساسياً في التجربة ككل، حيث تشكل لوحدها حالة علمية وبحثية في بيان طبيعة العلاقات التي تتشكل في التجربة الفنية بين أفراد العائلة أنفسهم، تتطلب دراسة استقصائية وتدويناً لحظياً لمرويات الأسر خلال زيارتهم للمعرض الفني، فبالنسبة لمايا أليسون وفريق عملها في رواق الفن، فإنهم يعمدون إلى أن تنطلق الجولات دائماً بالأسئلة: ماذا وكيف ترون في المعرض، بماذا جعلكم تفكرون؟ وما هي ملاحظاتكم حول الإحساس الذي أضفاه لكم المعرض؟! ما يعطي إحساساً بأن للزائر وجهة نظره الخاصة، وبأنه ليس هناك رؤية خاطئة عندما نتحدث عن الفنون، ومن هنا تتحرك الأحاديث بانسيابية أكبر وتتطور إلى أشكال لا نهائية وغير متوقعة من الرؤى الجديدة واللافت والمدهشة. غرفة القراءة من الأقسام الرئيسة في الفضاء الثقافي لرواق الفن هي «غرفة القراءة»، المعنية بتركيز الجهود نحو استكشاف المواضيع، بأبعادها المحلية وأهميتها الدولية، حيث تحتوي على العديد من المراجع المختلفة المتعلقة بالمعرض الذي يتم عرضه في ذات الفترة، ومنها يتعرف المتلقي العادي على أهم التوصيات التي يقدمها الفنانون والقيمون، إضافة إلى توصيات الطلاب وأعضاء هيئة التدريس في جامعة نيويورك أبوظبي، كما تتضمن «غرفة القراءة» مساحة مخصصة بالكامل لعرض محتوى يرتبط ببرامج الأداء التي تقام في مركز الفنون في جامعة نيويورك أبوظبي. الجدير بالذكر أن جامعة نيويورك أبوظبي وبالشراكة مع مجموعة أبوظبي للثقافة والفنون (ADMAF)، تقدم جائزة كريستو وجان-كلود للفنون، والتي أُطلقت لرعاية المواهب الفنية في دولة الإمارات، ويتم إنتاجها بالتعاون مع رواق الفن بالجامعة، تُمنَح الجائزة إلى مُقترح عمل فني مستلهم من روح أعمال كريستو وجان-كلود يعرض على عامة الجمهور في مساحة مفتوحة بعد إنجازه.
مشاركة :