«حماسيات».. أسلوب التعبير البصري لعبدالله حمّاس

  • 8/25/2023
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

يعتبر عبدالله حمّاس أحد فناني المملكة العربية السعودية البارزين من خلال تواجده على الساحة التشكيلية السعودية والخليجية والعربية والعالمية على حد سواء منذ بداية سبعينات القرن الماضي؛ فقد أخذ على عاتقه ثقافة الصورة وتطوير التراث السعودي البصري لعقود طويلة. أثناء دراستي في لندن عرضت في إحدى الجامعات البريطانية عرضا تقديميا عن حركة الفن التشكيلي السعودي وكان ضمن العرض لوحات للفنان عبدالله حمّاس، فاستوقفني أحد الأساتذة بعدما انبهر بألوان حمّاس الجريئة والصافية قائلا (هذا الفنان بالفعل عظيم؛ فألوانه قويّة وجريئة ويصعب استخدامها لأنها جذّابة جدا ومشعّة، تشبه ألوان اللافتات الإعلانية). تتميز أعمال عبدالله حمّاس بتعدد تقنياتها وأساليبها المادية ومضامينها الفكرية، وبغزارة الإنتاج وثراء التكوينات ورصانة التصميمات والمهارة العالية في توزيع العناصر الفنية والمفردات الشكلية. تراه عندما يرسم يستخدم كل الأسطح التي يمكن أن يعبّر عليها مثل الأخشاب والأقمشة والكانفاس والورق والجدران والجلود والخيش و... الخ؛ فالمهم لديه هو التعبير الفني والجمالي للمواضيع التي يرغب بطرحها للمشاهدة بطرق ابتكارية. الأعمال التي أُخضعها للدراسة هي من أعمال عبدالله حمّاس التي رسمها صيف عام 2016 في مرسمه الجديد بأبها عسير زودني بصور حصرية منها أثناء العمل وتحت الإنشاء. بشكل عام هي تكوينات فنية تجريدية غزيرة المفردات وتلامس حياة المجتمع، استخدم فيها خامة الاكريلك على قماش كانفاس بمقاسات متوسطة - حدود المتر المتربع- مع تميزه في الجداريات الضخمة، واستلهم فيها جماليات الزخارف الشعبية والرموز المحلية البيئية المعبرة والتي تعكس طابع الحياة والمجتمع في المنطقة العربية مثل البيوت والجبال وقبعات الرأس، وهي علاوة على ما تحمله من قيم فنية وجمالية وتعبيرية فهي تحمل قيما ثقافية؛ حيث تعكس الوضع الاجتماعي في في المنطقة الجنوبية من المملكة العربية السعودية هذا ما نلاحظه من دلالات نفسية بصرية من العناصر الموجودة في أعمال حمّاس الفنية، استخدم الفنان الخطوط السوداء بكافة أنواعها وركّز على الخطوط المستقيمة المائلة لما تحمله من معان تخدم المواضيع والمساحات الزخرفية والتشكيلات التجريدية الهندسية، كما استخدم الفنان الألوان الأساسية الصافية النقية بكثرة مع بقية الألوان الأخرى، وحقق من خلالها توازنا لونيا وتنوعا ساحرا وانسجاما مثيرا للعين، وتعطي دلالة ألوان الطبيعة والبيئة الحارة التي تصفو في سمائها لون الشمس وفي أرضها لون الصحراء الذهبية وجبالها الشامخة البنية، وحقولها ومدرجاتها الخضراء، وبطبيعة ثقافة المجتمع المحلي في عسير فإنه يعشق الألوان الصريحة والصافية ويستخدمها بغزارة في ديكورات المنازل وعلى الحوائط والدرج والأثاث وتدعى «فن القـَط»، كما استلهم الفنان عناصر الطبيعة المحيطة حوله وهضمها وبدأ في صياغتها بشكل جمالي؛ فاستفاد من المثلثات الجبلية الشاهقة في تكوين وإبداع علامات العمل بتكرار متناغم بشكل محكم يجذب العين لداخل اللوحة، برصانة وقوة وهذا ما كسر ثبات المساحة المربعة الفاترة لكامل اللوحة. واستطاع الفنان أن يُظهر جماليات التنوع من خلال عنصري المساحة والفراغ، ويضفي جماليات التباين والتناغم في الخطوط والمساحات والألوان، كما تتميز أعماله بغياب الظلال الذي تميزت به حركات الفنون ما بعد الحديثة، حيث نجد التسطيح في أعماله والبساطة في التكوين والجرأة في استخدام الألوان الصافية الحارة القوية والتي يخشى استخدامها كثير من الفنانين باعتبارها ألوانا مشعّة ملفتة للانتباه، فيستخرج جمالياتها وينثرها على كافة العمل. عبدالله حمّاس يقدّم من خلال هذا العمل رؤية تشكيلية مميزة بقدرما يميزها من بساطة بقدرما فيها من أفكار وقراءات. وهو فنان له طابع تجريدي لا ينقل من الطبيعة نقلا مباشرا بل يعمد في هدوء إلى عملية التذكر والاسترجاع لعناصر ورموز طبيعته ومجتمعه المحافظ لقيمه الدينية الذي عاش فيه، ويلخّص ويبسّط بإبداع جمالي بصري، لقد قدّم حمّاس في هذا العمل وبقية أعمال المعرض وعموم تجربته التشكيلية أعمالا تجريدية يحمل هم الإنسان وطبعه وأسلوب حياته تستحق الدراسة والإشادة. ختاما أود أن أشكر الفنان القدير عبدالله حمّاس على حماسه وشغفه وحبه لوطنه وخدمته وشغفه للفن وتعليمه وإسعاد الجمهور المتذوق من خلال معارضه الشخصية ومشاركاته الجماعية ودماثة خُلقه. سمعت مرة من أحد الفنانين مصطلح «حماسيّات» عندما عبّر عن نوع خاص من أساليب الفن وكأنه يقول إن أسلوب التعبير البصري لعبدالله حمّاس يعتبر مدرسة فنية قائمة بحد ذاتها ومتميزة عن بقية التجارب الفنية الأخرى محليا وإقليميا وعالميا. د. عصام عسيري* . فنان وأكاديمي سعودي

مشاركة :