لن يهدأ التنافس في صناعة الفضاء على مستوى العالم، بل على العكس تماماً، يتصاعد الحراك في هذا المجال، سواء من ناحية الابتكارات الفنية الداعمة، أو من جهة الإنفاق المتسارع، ولاسيما في البنية التحتية لصناعة لم تكن موجودة قبل 70 عاماً تقريباً. الساحة الدولية تنتظر الكثير من النشاط الفضائي، فالطلب على الخدمات يرتفع بسرعة «ضوئية». ولأن الأمر كذلك تنضم دول جديدة إلى هذا السباق، خصوصاً تلك التي تتمتع بالحد الأدنى المطلوب للانطلاق في فضاء لا حدود له، وفي صناعة باتت جزءاً أصيلاً من مجموع الميادين الإنتاجية الأرضية. فالخدمات التي يوفرها هذا القطاع متنوعة وتشمل الاتصالات التقليدية المعروفة، وشبكات الإنترنت، ومراقبة التحولات البيئية للأرض، فضلاً عن التنبؤ بالكوارث الطبيعية المحتملة، والعمل على التقليل من آثارها، إلى عمليات الإنقاذ المختلفة، وتوفير المعلومات للملاحة الجوية والبحرية، وغير ذلك من الاحتياجات. وبرغم المصاعب التي مر بها الاقتصاد العالمي في العامين الماضيين، ولا تزال آثارها باقية حتى اليوم، نما ما بات يعرف بـ«اقتصاد الفضاء» 8% على المستوى العالمي، مسجلاً في العام الماضي 546 مليار دولار، بحسب وكالة «سبيس فاونديشن» Space Foundation، والتوقعات تشير إلى أن نمو الصناعة سيبلغ 41% في السنوات الخمس المقبلة، ما يعني أن القيمة الإجمالية قد تصل إلى 1000 مليار دولار بنهاية العقد الحالي. صحيح أن قطاع الفضاء تعرض للتباطؤ في سياق الأزمة التي يمر بها الاقتصاد العالمي، لكن الصحيح أيضاً وتيرة التباطؤ نفسها لم تكن قوية، مع ارتفاع نسبة الجهات الاستثمارية الخاصة الداخلة إلى هذا الميدان المتنامي. فعلى سبيل المثال، بلغ العدد الإجمالي لعمليات الإطلاق إلى مدار الكرة الأرضية في العام الماضي (أقمار صناعية وروبوتات وغيرها) 186 رحلة، مرتفعاً من 145 رحلة في العام 2021. وتم ذلك حتى في ظل التباطؤ المشار إليه. اللافت هنا، أن عدد عمليات الإطلاق التجارية بلغ 81 من الإجمالي العام للعمليات، ناهيك عن مخططات لبناء قواعد قمرية بما فيها الخطة الصينية الجاهزة بالفعل للتنفيذ. ولا شك في أن أحد أهم الأسباب التي أدت إلى التوسع المتواصل في صناعة الفضاء، تراجع تكاليف التشغيل. فتكلفة إطلاق قمر صناعي في المدار، تتراجع كل عام منذ أن بدأت عمليات الإطلاق. وهذه التكاليف تختلف بالطبع بحسب أحجام وقدرات هذه الأقمار. كما أن الابتكارات المعززة للصناعة، ساهمت في خفض التكاليف في العقد الماضي، ومن المتوقع أن تتراجع أكثر بنهاية العقد الحالي. كل هذا، وغيره من العوامل، ساعدت على النمو في تمويلات الصناعة الفضائية، بما في ذلك ارتفاع الميزانيات المخصصة من الحكومات حول العالم التي تسعى لأن تكون لبلدانها مكانة في هذا الميدان. ومن النقاط اللافتة أيضاً، أن ثلث الإيرادات يأتي حالياً من البنية التحية التي تدعم أنشطة الفضاء، ما يؤكد أن المسار نحو استكمال هذه البنية يحتاج إلى وقت لن يكون قصيراً، ويتطلب مزيداً من الإنفاق في المرحلة المقبلة.
مشاركة :