مقاعد الطب والمخاطر المخفية

  • 8/29/2023
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

يجري حوار ساخن منــذ عدة سنوات حول أعــداد الطلبة الذين تقدموا بطلبات للالتحاق في الجامعات الأردنية والأجنبية لدراسة تخصصي الطب وطب الأسنانوموائمتهامع اعــداد المقاعد المتاحةفي الجامعات وفق طاقتها الاستيعابية ، وهناك توجه الآن لتخفيض عددهم من 2000 طالبالى 600 طالب سنوياً ، وهذا التوجه تتبناه وزارة التعليم العالي حالياً وتدعمه نقابة الأطباء مستندةً بذلك على إحصاءات أجريتمؤخراً على الجامعات الأردنية كشفت عن وجود 2500 طبيب عاطل عن العمل، حيث قررت إيقاف استحداث كليات جديدة في تخصصي الطب وطب الأسنانلمدة 5 سنوات. هذه المعضلة كانت موجودة في عدة دول أوروبية في مطلع التسعينيات وخاصة فرنسا وألمانيا ، حيث قامت هذه الدول بخفض اعداد الطلبة المتقدمين للدراسة في فروع الطب البشري وطب الأسنان كما هو الحال في الأردن حالياً ، وما لبثت هاتين الدولتين حتى واجهت مشكله وتحديات كبيرة بعد 10 سنوات بحاجتها الى أعداد كبيرة من الأطباء ، وقد قامت باستقطابهم من دول أخرى وخاصة الدول العربية ومنها الأردن لإكمال الاختصاص بعد دراسة الطب العام او حتى لدراسة الطب العام ومنحتهم امتيازات ورواتب عالية بغض النظر عن الصعوبات التي قد تواجههم في استخدام لغة البلــد . يكمُن السبب الأساسي لهذه المشكلة في عدم إجراء دراسة كاملة لأعمار الأطباء الالمان والذين ذهب 30% منهم للتقاعد حتى عام 2000، و 60% منهم حتى عام 2008 ، حيث اضطرت الحكومة الألمانية إلى إلغاء سن التقاعد والسماح للأطباء بالعمل دون تحديد سن تقاعدي لهم، والمشكلة الثانية التي يتم مواجهتها ايضاً عدم توفر أطباء في المناطق النائية والمستشفيات الفرعية وهذا أدى بدوره إلى إغلاق بعض المستشفيات ، كما ان للعوامل الديموغرافية دوراً حاسماً هنا فقــد أدى لارتفاع معدل الأعمار في المجتمعات الأوروبيةباعتبارها مجتمعات هرمةالى تزايد الحاجة الماسـة والملحــة لتعيين كوادر من اطباء وتمريض وفنيين جدد لتلبية احتياجات كبار السن من الرعاية الصحية. ان المعدل المثالي لعدد الأطباءهو 400 طبيب لكل 100 ألف مواطن ويوجد في العالم العربي 110 طبيب أما في الأردن 270 طبيبا،فعلى الرغم من أن الأردن قد تبوأ مركزاً طبياً متقدماً في المنطقة العربية إلا أنه ‏كدولة معروفة في السياحة العلاجية ينقصها عدد كبير من الأطباء وهذا بدوره يدق ناقوس الخطر. أما النقطة الثانية والأهم فهي ضرورة التوسع في فتح برامج الاختصاص والتخصصات الدقيقة Subspecialty فمثلاً لم يعد اختصاص الجراحة العامة كافيا بل يجب التخصص في مجال جراحة السمنة أو جراحة الصدر أو القلب ، كما أن اختصاص العظام أيضاًيعد غير كافٍويجب التخصص الإضافي في العمود الفقري أو الركبة أو الكتف ، يضاف إلى هذا كله ضعف الخدمات الطبية المتخصصة والعامة في المناطق النائية فمن المتعارف عليه انالطب يتركز في المدن الكبرى، يضاف إلى ذلك أنكثير من الأطباء لا يتوجهون للعمل في المستشفيات أو العيادات بل هناك توجه للعمل لدى شركات الأدوية أو التأمين الصحي أو إدارة المرافق الصحية كما ان الكثير منهم يغادر البلادللعمل في دول أخرى توفر فرص عمل أفضل مقارنةً من الفرص المتاحة في بلادهم. ان التوجه الذي تتبناه وزارة التعليم العالي حالياً في خفض اعداد طلبة الطب وعدم السماح للجامعات الخاصة بفتح كلياتطب وطب أسنان سيكون له تداعيات وعواقب كارثية بعد سنوات معدودة، وللعلم فقط تُشكل كليات الطب في الجامعات الخاصة عالمياً ‏ما نسبته 88% من اجمالي عدد كليات الطب بشكل عام و 12% كليات حكومية ، أما المطلوب هنا فهو عدم التسرع باتخاذ مواقف ارتجالية ضارة للبلد والشباب بل اجراء دراسة دقيقــة تراعي كافة المستجدات التي قد تطرأ وتفتك بالمنظومة الصحية العالمية كما حدث في جائحة كورونا والتفشي الوبائي والحاجة الى الكوادر الطبية والتمريضية فقد شهدنا العديد من الأنظمة الصحية في دول عظمى انهارتوتهاوت أمام هذه الجائحة والتفشي الواسع للكوفيد 19 وترأس اهم الأسباب في ذلكوجود نقص في الكوادر الطبية والتمريضية والخبرات الكافية للتعامل مع الوباء. لذا يتوجب في هذا السياق اتخاذ قرارات مدروسة تستند على أسس وابعاد علمية مستقبلية لمعالجة هذه المسألة وتراعي ما قد يترتب عليها من تداعيات مخفيـــة ومخيـــفة في السنوات القادمة آخذين بعين الاعتبار ما حدث خلال جائحة كورونا. الدستور

مشاركة :