نحن نلوم الأمّة أحياناً من دون وجه حق. نتهمها مثلاً بعدم تطبيق الحكمة الموروثة في واقع حياتها وحياتها الواقعة. لقد عقدت العزم على تبرئتها من هذه التهمة الباطلة العاطلة. سأضرب مثالاً للقارىء الكريم تظهر فيه الأمّة في عناق عشّاق مع تحف الميراث الثقافي، حالة تجاوب وانصهار على طريقة العشق الصوفيّ: أنا أنت وأنت أنا. نكران الذات من المواعظ المعمرّة قروناً من ماضينا إلى حاضرنا، ولكن الأمّة العربية لم تجعل هذه التحفة عماد حياتها في كل الميادين، مثلما فعل عرب القرنين السابق والحالي. أرجو ألاّ يتظارف أحد بالنيل من عظمة هذه الرائعة الأخلاقية الفرديّة الاجتماعية، قائلاً: إنها تبعث على التطيّر والتشاؤم، فالنكران كأنه مثنّى نُكر. فالجمال في قيمة العبارة، وفي افتتان الشخصية العربية بها. تأمّل الجامعة العربية فقط وتعرف إلى أيّ حدّ يصرّ العرب على نكران الذات. صارت الأمّة تنكر ذاتها وقدراتها وكفاءاتها وثرواتها المادية والمعنوية في كل الميادين. تنكر أن لها حقولاً متخصصة، من دفاع واقتصاد وتربية وتعليم وثقافة وصناعة وزراعة وقضاء وعدالة وغيرها. هي تنكر الذات، وبالتالي فإنها تنكر كل تلك المجالات، بل إنها عندما تقف أمام المرآة تنكر الصورة التي تلوح لها. في الحقيقة هي صورة مش ولا بد. الحمد لله على أنها لا تقفز فزعاً لرؤيتها. سبب نكران الذات لدى النظام العربيّ اعتقاده: لا حق إلاّ لقوّة الأقوياء. التطبيق المعكوس للموروث الثقافيّ هو أبرز ما يميّز علاقتنا بالماضي، ولكنني أردت أن أجمع كل أصنافه في نكران الذات من أصغر صغير إلى أكبر كبير. نحن نعمل بعكس: تأبى العصيّ إذا اجتمعن تكسّراً، وهي مواعظ تبدو ساذجة لتربية الأطفال، ولكن النظام العربيّ برمته لا يفقه كنهها ومداها، لأنه ينكر ذاته، فكيف يرقى إلى فهم: أقوى الممالك ما يُبنى على الأسلِ (الرماح العوالي)، أي لا تنمية آمنة ولا حضارة حصينة من دون دفاع قويّ. نكران الذات ترجمته عربياً ببساطة: أنكر العرب المعجزات الممكنة لثرواتهم، فسال لعاب الذئاب. المأساة هي أن نكران الذات كان مقترناً بعدم اللياقة والأهليّة للنرجسيّة. النرجسيّة تتطلب الجمال الفائق في الصفات والمزايا والبدائع والروائع. لزوم ما يلزم: النتيجة الحتميّة: عمل النظام العربيّ على نكران الذات العربية، فعمل الأقوياء على نفي الذات العربية. abuzzabaed@gmail.com
مشاركة :