الإحساس العام المهيمن على المشهد السياسي المصري حالياً بعد فترة طويلة ومرهقة من التقلبات والاضطرابات، يعكس في الغالب قناعة لدى عموم الشعب المصري بأن هناك أشياء قد أنجزت بالفعل منذ انتخاب المشير عبدالفتاح السيسي رئيساً للبلاد في يونيو عام 2014. وأن هناك حركة ما قد ظهرت مؤشراتها في سبيل الخروج من عنق الزجاجة وتجاوز الصعاب والمشكلات التي مازالت ترهق كاهل الشعب، وخاصة في النواحي الاقتصادية، ولكن هناك أدلة لا تخطئها العين على رغبة جادة جداً في عبور كل الصعاب. الرئيس السيسي لا تنقصه بالتأكيد الشعبية الجارفة التي تجعله حتى هذا اليوم يحظى برصيد كبير من الحب في قلوب المصريين، وأغلب الظن أن هذا الرصيد لن يتبدد بسهولة بل إنه قد يزيد لو تطابقت النتائج مع المقدمات. وأيضاً لو لازمه شيء من التوفيق وربما الحظ للحد من سلبيات الآثار العكسية، مع تراجع العراقيل المصطنعة من جانب أطراف داخلية وأخرى خارجية، لتظل هناك معارك ضخمة يجب خوضها وصولاً إلى حالة حقيقية من الاستقرار السياسي والاقتصادي والمجتمعي بشكل عام. إذا كان مجال الحديث عن الإنجازات خلال السنتين الماضيتين يتركز في تحسن الأوضاع الأمنية بشكل كبير، وهو أمر ملموس ومحسوس لدى جموع الشعب، وفي تدشين مشروعات عملاقة مازالت ثمارها في طور التكوين ولم تصل نتائجها بعد إلى جموع الشعب، إلا أن شواهد أخرى كثيرة تؤكد أن مصر مازالت تعيش مرحلة من مراحلها الانتقالية منذ 25 يناير 2011. فبرغم كل ما تحقق في إنجاز بنود خريطة الطريق الصادرة عام 2013 وميلاد مؤسسات الدولة، وخاصة ما يتعلق بإقرار الدستور رسمياً وشعبياً، وانتخاب رئيس قوي يحظى بشعبية كبيرة واختيار برلمان الشعب في انتخابات حرة ونزيهة، تبقى هناك شواهد على وجود تطلعات إضافية. هناك محاولات وجهود مضنية بذلت وتبذل في سبيل التوصل لكيان سياسي يمكن القول عنه إنه الحزب الذي يتبنى فكر الدولة وسياساتها أو اعتباره الظهير السياسي الحقيقي للرئيس السياسي. منذ ثورة يوليو 1952 كان هناك باستمرار تنظيم سياسي يمثل الظهير الشعبي للقوى الحاكمة، وقد فطن الزعيم الراحل جمال عبدالناصر مبكراً لأهمية هذا الأمر فأنشأ الاتحاد القومي مع بدايات الثورة، وسرعان ما تحول إلى تنظيم الاتحاد الاشتراكي ممثلاً لـتحالف قوى الشعب العاملة. ومع تولي السادات أبقى على التنظيم، وبعد سنوات قليلة أقدم على تشكيل الحزب الوطني الديمقراطي، وعليه اعتمد أيضاً الرئيس السابق حسني مبارك لمدة ثلاثين عاماً، ومن الطبيعي أن أي حكومة في العالم تطبق النظم البرلمانية أو الرئاسية تعتمد في عملها على الكتل البرلمانية والظهير الشعبي الذي يصنع لها حالة من الدعم في ممارسة الحكم والإدارة. منذ الإطاحة بدولة الإخوان المسلمين وبزوغ مشروع الثلاثين من يونيو، ظهر معه مفهوم الدولة الوطنية الموحدة من أجل الاستقرار والحرب على الإرهاب ومواجهة الجماعات المسلحة بما فيها جماعة الإخوان المسلمين، وكذلك التصدي للمحاولات الداخلية والخارجية لإسقاط المشروع الوطني، ومن الطبيعي أن تتوارى إزاء هذه الدولة الوطنية المشروعات السياسية الخاصة والأفكار الإيديولوجية لصالح فكرة أكبر تختزل في كلمة واحدة الوطن. وبقدر تفهم هذا الوضع في ضوء ما عاشته البلاد من تقلبات، بقدر ما يفرض من مخاطر نتيجة الترقب السياسي ويؤدي بالتالي إلى ثغرات خطيرة تمنح الفرصة لكل من يريد أن يكدر المشهد الراهن أو يثير بلبلبة سياسية في الدولة من جراء عدم المشاركة المجتمعية الشاملة. وليس بعيداً عن ذلك ما طرحه السياسي ومرشح الرئاسة السابق حمدين صباحي تحت مسمى صناعة البديل لما هو قائم، بزعم أن الشعب المصري يحتاج تنظيماً سياسياً قوياً يعبر عنه، وبغض النظر عن أهداف مثل هذه الدعاوى ومنطلقاتها، إلا أنها لا تخلو من خطورة استغلالها ثغرة صغيرة يسهل النفاذ منها.
مشاركة :