برلمان لا يختلف عما سبقه إلاّ بكونه الأكثر إيلاماً في تاريخ مصر

  • 3/9/2016
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

يخطئ من يظن أن مجلس النواب (البرلمان) المصري يختلف عما سبقه من برلمانات شهدتها الدولة المصرية منذ تشكيل أول مجلس نيابي في عهد الجمهورية في تموز (يوليو) 1957 والذي أُطلق عليه «مجلس الأمة». فمجلس النواب الأول في عهد عبدالفتاح السيسي يخلو شأنه شأن ما سبق من المعارضة الحقيقية، فباستثناء مجلس 1976 الذي كان يعتبر حالة نموذجية لفكرة المعارضة، حيث أجبرت قوة المعارضة فيه، والتي كانت تضم نحو 16 نائباً السادات على حله في العام 1979. لذلك ليس ممكناً تصور أن يشهد مجلس 2016، مهما كان الخيال جامحاً، نزراً يسيراً من ذلك الأداء السياسي الرصين لبرلمان 79. والأرجح أن هذا المجلس يبدو الأضعف في تاريخ مصر البرلماني على رغم أنه الأكثر عدداً، وثمة مؤشرات تغذي هذا التوقُّع؛ أولها ممارسة مجلس النواب مهامه وسط تركيبة جديدة وتحالفات تتباين في تقاطعاتها السياسية وتوجهاتها الأيديولوجية، ولا يجمعها سوى تأييد النظام السياسي. وثانيها الفوضى التي أضحت السمة الأبرز في أداء أعضائه الذي يجمع بين السخرية والفكاهة وقليل من السياسة. ووصلت حالة الخفة ذروتها مع رفض أحد أعضائه القسم على الدستور الذي يعترف بثورة 25 يناير. ولم يكن هذا الملمح الوحيد الكاشف عن ضعف الأداء النيابي، فقد طغت السخرية والتندُّر على السياقات العامة. وتواصلت التصريحات الفكاهية والساخرة التي أدهشت المصريين مع ما أطلقه النائب سعيد حساسين رداً على حديث الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون عن مصر: «أنا بحذرك أهو إبعد عن مصر، والله أبعتلك 100 واحد من كرداسة ياكلوك». الجهل السياسي بلغ مبلغاً مع حديث النائب محمد بدران الحديث العهد بالسياسة عن امتلاك حزبه «مستقبل وطن» خطة لجذب بليون سائح لمصر سنوياً، في حين أن فرنسا المقصد السياحي الأول في العالم تستقبل نحو 80 مليون سائح سنوياً. المؤشر الثاني إلى الضعف كشفته واقعة النائب توفيق عكاشة بعد استقباله السفير الإسرائيلي في منزله، وقيام المجلس بشطب عضويته بعد تصويت 456 عضواً. قرار خلع عكاشة النائب الأمني بامتياز في سياقه يعبر عن ضعف المجلس الذي كان أولى به إعادة قراءة معاهدة السلام، والتفكير في صياغة جديدة لمعالجة الاحتقان مع قطاع غزة من جهة وكيفية التغلب على المعوقات الأمنية والتنموية في سيناء. خلف ما سبق، برز سوء أداء البرلمان في تمريره قرضاً بقيمة 3 بلايين و375 مليون يورو من البنوك الفرنسية لمصلحة وزارة الدفاع بضمان وزارة المال، في وقت وصل الدين العام الداخلي إلى أكثر من 2,3 تريليون جنيه، فضلاً عن أن الدين الخارجي يتّجه نحو الارتفاع، واحتياطات النقد الأجنبي تتراجع بشدة في ظل لجوء الحكومة إلى سلسلة من المشروعات القومية الباهظة التكاليف والمحدودة الربح، وذلك بعد فشلها في توفير بيئة حاضنة للاستثمار الأجنبي. الأرجح أن البرلمان الذي يقترب من إتمام المئة يوم الأولى في عمره لم ينجح في تحريك ساكن، سواء في ما يخص الأجندة التشريعية أو ما يتعلق بانعكاساته على تحريك الساكن في الفضاء السياسي العام. فما بين تمريره كل دعاوى الحكومة للاقتراض ودعمه دعوات للتبرع لتمويل مشروعات مشكوك في جدواها الاقتصادية، ناهيك بغضّ الطرف عن توسع دور المؤسسة العسكرية في الإمساك بمفاصل الاقتصاد، وآخرها التوسع في منح الجيش حقوق امتياز إنشاء وإدارة مشروعات وطرق ومرافق عامة. ما سبق يعني أن هذا البرلمان هو الأكثر ضعفاً في تاريخ الحياة النيابية في مصر على نحو يجعل الحديث عن هذا الضعف مثيراً ليس فقط للدهشة، ولكن أيضاً للتساؤل عن مغزى سلوكه البرلماني. فهل يمكن أن تغيب عن المجلس القضايا الكبرى التي تقض مضاجع الدولة وتزيدها انغماساً في همها الداخلي لمصلحة قضايا وهمية؟ القصد أن أداء مجلس النواب ما زال صادماً وضعيفاً، ولا يرقى إلى طبيعة المهام الموكلة إليه على رغم الامتيازات التشريعية التي حصل عليها بموجب دستور 2014، فوحده يحق له تشكيل الحكومة في حال عدم موافقته على رئيس الحكومة الذي يرشّحه رئيس الجمهورية. ومن بين اختصاصاته سحب الثقة من الرئيس ومن الحكومة، ولعل ذلك ما يفتح الباب واسعاً حول أداء وفرص أعضائه، وحدود دوره في المشهد السياسي المصري. غير أن القراءة الدقيقة والرصد الأمين لسلوكيات النواب يكشفان بذور الفشل، إذ تفتقد الائتلافات والمكونات الحزبية والسياسية داخل مجلس النواب إلى ظهير سياسي وشعبي في آن معاً، فالأحزاب والكيانات السياسية التي تمثل قوام هذه التحالفات شهدت في السنوات الأخيرة تراجعاً ملموساً من حيث عضويتها وحجم وجودها وسط الجماهير. في المقابل، أدى الأداء المسرحي للمجلس إلى تراجع السياسة، وعندما تتراجع السياسة كنشاط رئيسي تتقدم العوامل الاجتماعية التقليدية وتغلب التوجهات المصلحية، وكان بارزاً، هنا، انشغال التركيبة البرلمانية على اختلاف توجهاتها بمصالح سياسية ضيقة وآنية على حساب المطالبة بالإصلاح السياسي والعمل الدؤوب والجاد من أجل تحديث البيئة السياسية الاجتماعية والثقافية. المهم أن ضعف مجلس النواب الراهن لم يكن مفاجئاً عند كثير من المراقبين، خصوصاً مع ضعف الإقبال في العملية الانتخابية، حيث لم تتجاوز نسبة المشاركة في أحسن الأحوال الـ 20 في المئة بالرغم من محاولات التعبئة والحشد من جانب أجهزة الدولة الرسمية ووسائل الإعلام. غير أن ثمة فرصة ما زالت قائمة لتصحيح مسار البرلمان عبر الانخراط في قضايا جادة ومهمة، وإدراك طبيعة المرحلة الاستثنائية التي تتطلب البعد من الصخب والإثارة مقابل مناقشة موضوعية وشفافة لكل القرارات والإجراءات الحكومية، وأولها سياسة الإقراض التي قد تغرق البلاد في سلسلة من الأزمات، إذا ما عجزنا عن سدادها.     * كاتب مصري

مشاركة :