بيروت - دعا رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري اليوم الخميس الكتل البرلمانية إلى عقد جلسات حوار لمدة سبعة أيام كحد أقصى خلال الشهر المقبل، تمهيدا لانتخاب رئيس للجمهورية بعد عشرة أشهر من شغور المنصب، فيما تأتي هذه الدعوة قبل أيام من الزيارة المرتقبة للمبعوث الفرنسي إلى لبنان جان إيف لودريان والتي سيجري خلالها مشاورات مع القادة السياسيين وصفها خلال جولته السابقة بـ"السريعة"، فيما لوّح بفرض عقوبات على الأطراف التي تعرقل إخراج البلاد من المتاهة. وقال بري في كلمة ألقاها أمام آلاف من أنصاره خلال إحياء حركة أمل، الحزب الشيعي الذي يترأسه، الذكرى الخامسة والأربعين لتغييب الإمام موسى الصدر ورفيقيه، "تعالوا في شهر أيلول/سبتمبر لحوار في المجلس النيابي لرؤساء وممثلي الكتل اللبنانية لمدة حدها الأقصى سبعة أيام وبعدها نذهب إلى جلسات مفتوحة ومتتالية حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً ونحتفل بانتخاب رئيس للجمهورية"، داعيا القوى السياسية إلى انجاز الاستحقاق الرئاسي "قبل فوات الأوان". وتابع "عملنا من أجل الاستحقاق الرئاسي ونؤكد أنه لا يتم بفرض مرشح ولا بتعطيل المؤسسات الدستورية التشريعية والتنفيذية وشلّ أعمالها". وكان لودريان قد أعلن خلال زيارته الثانية إلى بيروت أنه في حال لم تفض المباحثات التي سيجريها خلال عودته إلى البلد في أيلول/سبتمبر إلى حلول لمتاهة الشغور الرئاسي فإن المجموعة الخماسية التي تضم الولايات المتحدة وفرنسا ومصر وقطر والسعودية ستوقف مساعيها لحل الأزمة اللبنانية. وأدى وفد قطري الأسبوع الماضي زيارة إلى لبنان تمهيدا للمشاورات التي ستجمع مبعوث ماكرون بالفرقاء اللبنانيين. ومنذ انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون في نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2022 فشل البرلمان 12 مرة في انتخاب رئيس على وقع انقسام سياسي يزداد حدّة بين حزب الله، القوة السياسية والعسكرية الأبرز في البلاد، وخصومه. ولا يحظى أي فريق بأكثرية تمكّنه منفرداً من إيصال مرشحه إلى المنصب. وجدد بري دعوته الكتل البرلمانية إلى الحوار مع اقتراب عودة المبعوث الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان إلى بيروت والذي تقود بلاده منذ أشهر جهودا بلا جدوى لإنهاء الشغور الرئاسي. وترفض كتل برلمانية رئيسية اقتراح بري بالجلوس حول طاولة حوار، والذي سبق أن طرحه مرارا، من أجل التوافق على شخصية رئيس، قبل التوجّه إلى البرلمان لانتخابه. وتفضل تلك الكتل الاحتكام إلى اللعبة الانتخابية الديمقراطية وأن يفوز المرشّح الذي يحظى بالعدد الأكبر من الأصوات. وقالت الخارجية الفرنسية في بيان في 27 يوليو/تموز إن لودريان "اقترح على كافة الأطراف الفاعلة في عملية انتخاب رئيس للجمهورية دعوتهم في سبتمبر/أيلول لعقد لقاء في لبنان هدفه التوصل إلى توافق على القضايا والمشاريع ذات الأولوية التي ينبغي على الرئيس المقبل أن يتولاها". وأضاف البيان أن "الهدف من هذا اللقاء هو خلق مناخ من الثقة يتيح للبرلمان الاجتماع في ظل ظروف مؤاتية" لانتخاب رئيس. ويزيد الشغور الرئاسي الحالي في لبنان الوضع الاقتصادي سوءا في بلاد تشهد منذ 2019 انهيارا اقتصاديا صنفه البنك الدولي بين الأسوأ في العالم منذ 1850. ومنذ أشهر، تدير البلاد حكومة تصريف أعمال عاجزة عن اتخاذ قرارات ضرورية فيما يشترط المجتمع الدولي إصلاحات ملحة من أجل تقديم دعم مالي يساعد لبنان على النهوض من مأزقه الاقتصادي المزمن. وإثر لقاء في الدوحة في 17 يوليو/تموز دعا ممثلون للسعودية ومصر وفرنسا والولايات المتحدة وقطر السياسيين اللبنانيين إلى اتخاذ خطوات فورية لكسر الجمود". وقالوا في بيان مشترك إنه "من الأهمية بمكان أن يلتزم أعضاء البرلمان اللبناني بمسؤوليتهم الدستورية وأن يشرعوا في انتخاب رئيس للبلاد. لقد ناقشنا خيارات محددة في ما يتعلق باتخاذ إجراءات ضد أولئك الذين يعرقلون إحراز تقدم في هذا المجال". وسبق للمسؤول الفرنسي أن زار لبنان خلال توليه حقيبة الخارجية في إطار جهود فرنسية لدعم لبنان بهدف تجاوز أزماته وحذر من مزيد تفاقم الأوضاع في البلاد نتيجة ما أسماه بـ"إهمال القوى السياسية"، حتى أنه اتهمها بـ"قيادة البلد إلى الموت". وحصل مرشح المعارضة وزير المالية الأسبق جهاد أزعور خلال آخر جلسة للبرلمان اللبناني على 59 صوتا من جملة 128، بينما حصل زعيم تيار المردة سليمان فرنجية مرشح الثنائي الشيعي (حزب الله وحركة أمل) على 51 صوتا. وكشف رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل منذ أسبوعين عن التوصل إلى اتفاق مبدئي بين حزبه وحزب الله بشأن اختيار مرشح توافقي لرئاسة لبنان، لافتا إلى أن الحوار بين النخبة السياسية لا يجب أن يرتهن إلى رعاية فرنسية، قائلا إنه "يجب أن يكون مرتبطا بأجندا محددة وزمن معين حتى لا يكون مضيعة للوقت". وشدد باسيل على أنه "لا إمكان لانتخاب رئيس للجمهوريّة إلا بالتفاهم في إطار حوار لبناني - لبناني"، مؤكدا على ضرورة التوافق على برنامج واضح للرئيس وكيفية وضمانات تنفيذه بهدف تجنب الانقسامات. وتأتي مواقف بري خلال إحياء ذكرى تغييب الإمام الصدر ورفيقيه. وتحمل الطائفة الشيعية في لبنان الزعيم الليبي السابق معمر القذافي مسؤولية اختفاء الصدر الذي شوهد للمرة الأخيرة في ليبيا في 31 أغسطس/آب 1978 بعدما وصل إليها بدعوة رسمية في الخامس والعشرين من الشهر نفسه مع رفيقيه. لكن النظام الليبي السابق دأب على نفي هذه التهمة مؤكدا أن الثلاثة غادروا طرابلس متوجهين الى ايطاليا. ونفت الأخيرة دخولهم أراضيها. وقال بري في كلمته الخميس إنّ "السلطات الليبية القائمة حالياً تتحمل القدر نفسه من المسؤولية" التي تتحمّلها السلطات السابقة "إذا ما استمرت في عدم تعاونها مع القضاء اللبناني". وكان لبنان أوقف عام 2015، نجل القذافي هانيبال. وأصدر بحقه مذكرة توقيف بتهمة "كتم معلومات" حول قضية الصدر. وفي يونيو/حزيران أعلن فريق الدفاع عن القذافي أنه بدأ إضراباً عن الطعام. لكن مصدرين أمنيا وقضائيا أكدا في وقت سابق أنه قلّص الوجبات من دون الانقطاع عن الطعام، للضغط على السلطات لإطلاق سراحه. وهانيبال القذافي كان لاجئا سياسيا في سوريا قبل استدراجه إلى لبنان من قبل مجموعة يقودها النائب الأسبق حسن يعقوب الذي خُطف والده الشيخ محمد يعقوب مع الصدر.
مشاركة :