كنت أتمنى أن أكون ضمن الوفد الذي استقبل وزير التعليم الأسبوع الماضي، لأتأكد من تسلمه جميع الملفات التي وجدتها تتكدس أمامي، ومع أنني ودعت التدريس منذ زمن إلا أن النفس مازالت تحمل أكثر من معاناة وشجن، ولا أنكر أن التفاؤل تسلل إلى نفسي لأول مرة تجاه مستقبل التعليم، الذي ظل يسير عقوداً من الزمن في نفق مظلم تتخلله خيوط من الضوء بين الحين والآخر التي سرعان ما تُطمر ليعود الظلام يُخيم من جديد، و ظهور خالد الفيصل في المشهد يُعيدنا لحقيقة الضوء الذي كثيراً ما كنا نسمع عنه ولا نراه، يبشرنا بأنه سيتحول إلى حقيقة هذه المرة، نهاية النفق. و كمعلمة سابقة جرَّبت عناء التعيين في منطقة نائية، وجرَّبت أيضاً حوادث وشر الطريق الذي اُعد أحد الناجيات منه، أقترح أن يأخذ الوزير حقيقة المأساة كاملة من لسان المعلمين و المعلمات مباشرة، وليس عن طريق أي مسؤول، و قبل أن يفتح درج الملفات الساخنة عليه أن يبدأ بالتنقيب عن حملة الشهادات الوهمية داخل الوزارة، و العمل علي إخراجهم بهدوء من أماكن القرار، حتى لو كلفه ذلك تغييرا كاملا للبطانة، ولو كنت مكانه لاستبدلت مديري الإدارات التعليمية في جميع المناطق والمحافظات، خاصة من لم يُسجل لهم أي إنجاز بحجم الأموال التي تُصرف لإداراتهم سنوياً، و ينبغي أن يُكتب على ملف (تحسين مستوى المعلم) بخط أحمر (في غاية الأهمية) وتوضع الوظيفة على قمة هرم الوظائف كأهم وظيفة في الدولة،لأن الرسالة التي يُقدمها المعلم تحدد مستقبل شعب وأجيال قادمة، لذا نحتاج كثيرا من العمل والجدية لأكمال هذا الملف حتى يتسنى للمعلم التفرغ للتعليم فقط ، وليس للمطالبة بأبسط حقوقه من تأمين طبي، ومواصلات، وبدل سكن أو بدل غلاء، ولا أنسى هنا ملف البديلات المستثنيات والخريجات الجامعيات القديمات وخريجات معاهد المعلمات والكليات المتوسطة، اللاتي دفعن من أعمارهن ثمناً لتخبط قرارات الوزارة، وعانين سنوات من التعطيل دون تعويض أو توفير راتب على الأقل يكفيهن الحاجة، والملف الذي يحتاج إلى إعادة تأهيل تكوين اللجان، فلم أر وزارة تبالغ باستخدامه مثل التعليم، حيث أصبح تكوين أي لجنة يُعد إعداماً للهدف الرئيس لأي موضوع أو قضية، وبدلا من أن يبسط ويحل المشكلة أصبح سببا رئيسيا في زيادة البيروقراطية، وحوادث المعلمات، من أكثر الملفات التي اُهملت، حين أخفقت الوزارة طوال سنوات من التعاقد مع ناقل رسمي تتحمل مسؤوليته، في المقابل تركت الأمر لعمالة تتعلم أساسيات السياقة في بناتنا لتُزهق الأرواح وتربط الحوادث في النهاية بمسألة القضاء والقدر، بدلاً من أن تعمل على استقطاب وتدريب معلمات من نفس القُرى. ومن ناحية أخرى مازالت السلامة المدرسية تجلس على كف عفريت، تحتاج أن يُمنح من أجلها فريق المفتشين صلاحيات لإغلاق المدارس المخالفة لحماية أرواح صغارنا، وربما تحتاج مدارس البنات رحمة من نوع آخر، بإعادة ملامحها الوردية وانتشالها من الصورة النمطية التي شوهتها وحولتها لثكنات عسكرية، ولأن التعليم هو الحل لكثير من المشكلات الاجتماعية، فلابد أن يتحرر من جميع التيارات التي تحوم حوله، وإذا فتحنا بتمعن ملف المناهج سنجد اختفاء أسماء المؤلفين، وكتابة في المقابل (فريق من المختصين)، لكيلا نتعرف على هوية من (يؤلف) لأبنائنا، وربما يحتاج الوزير أن يلقي نظرة فاحصة على مناهج لغتي للمرحلة الابتدائية علي سبيل المثال، لكي يلمس بنفسه كيف تحول نص اللغة العربية الجميلة الثري الي نصوص تافهة وضعيفة المضمون، محددة في إطار واحد عنوانه الكآبة، بدلا من أن تكون مرصعة بالمفردات الجميلة، أو في مضمون يدعو للبهجة بدلا من درس ( أمي تكنس) للصف الأول ودرس (أمي مريضة) للصف الثاني وقبل أن يأتي درس (أمي عليها العوض) جاء درس (عادل في الطائرة) ليوصل رسالة فيها كثير من التقليل لعقلية وفكر الطفل وهي (أن الطائرة تحمل الركاب) ! وغيرها من الدروس العجيبة التي لا تخاطب العقل وربما تحتاج لمقال آخر! ومن الأمور الضرورية لصحة الطالب وزن الحقيبة المدرسية التي عجزت الوزارة عن تخفيفها، إذ يكفي جزء صغير من ميزانية التعليم في عام واحد لتنزيل مناهج المرحلة الابتدائية مثلا على اللوح الإلكتروني، (الآي باد) الذي يُجيد استخدامه الطفل من سن الروضة، مستجيبا بشكل تلقائي للتطور التقني من حوله! وقبل أن أنهي مقالي، أطالب بفتح ملف جديد يُعنَى بتطبيق تجربة المناهج الدولية (البريطانية والأمريكية)، في المدارس الحكومية للعمل على تأهيل الطالب منذ سن مبكرة للمرحلة الجامعية، حيث تحدد دائما جودة التعليم مصير مستقبل الفرد .. و إن كانت الملفات كثيرة والطموح عاليا .. فهذا لأن سقف الفيصل أصبح عنوانا للمهمات الصعبة.
مشاركة :