العرب والخيل.. وشائج وثّقت عُراها طبيعة ابن الصحراء اشتهرت المملكة منذ قيامها بالاهتمام بالخيول والعناية بها استمرارًا لما عرفه العرب قديمًا واشتهروا به، إضافة إلى عناية الدين الإسلامي الحنيف، وتوصية الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم بالاهتمام بها وجعل الخير معقودًا في نواصيها الخير إلى يوم القيامة. فعلى صهواتها استطاع أئمة الدولة السعودية الأولى توحيد معظم أرجاء الجزيرة العربية، وكان لاهتمامهم بمرابط الخيل والخيل العربية الأصيلة دور في تكاثرها وانتشارها في كل أنحاء المملكة، وتجلى هذا الاهتمام في تقديم الخيل العربية الأصيلة هدايا فيها تعبير عميق عن المحبة والتقدير للمهداة إليه. ومن هذا المنطلق أولت المملكة عناية كبرى بالخيول عمومًا والخيول العربية الأصيلة خصوصًا، وامتدت العناية منذ تأسيس الدولة حتى يومنا هذا، وقد أثمرت بحمد الله وتوفيقه ثمارًا يانعة في المحافظة عليها، وتشجيع ما يتصل بها من سباقات ومنافسات مختلفة. ولكون الخيول العربية جزءًا أساسيًا من النسيج التاريخي للجزيرة العربية بصفة عامة، والمملكة بصفة خاصة، وللأهمية الكبيرة التي توليها القيادة الرشيدة -أيدها الله- اعتنت بها دارة الملك عبدالعزيز، وأصدرت في هذا المجال عددًا من المؤلفات والدراسات المتنوعة التي تلقي الضوء على الخيول العربية الأصيلة، ومن تلك المؤلفات كتاب: "سهيل فيما جاء في ذكر الخيل"، الذي ألفه ابن بشر بطلب من الإمام فيصل بن تركي -رحمهما الله-. وأورد ابن بشر في الكتاب ما يدل على ولع الإمام فيصل بن تركي بالخيول وتربيتها والعناية بها، حيث قال: "وملك من الخيل العتاق العربيات ما لم يملكه ملك من الملوك من جميع أنواعها الغالية والأصائل العتاق العالية من الصقلاويات والدهم، والعبيات والجازيات والشوافات وغيرها من العراب المسميات عنده...". كما اعتنى الملك عبدالعزيز -رحمه الله- بالخيل واهتم بشؤونها، حيث جاء في كتاب "أصول الخيل العربية" لحمد الجاسر ما نصه:" ففي عهد الملك عبدالعزيز اتجهت عنايته إلى رعاية الخيل، والاهتمام بشؤونها، قال الشيخ يوسف ياسين: ولما رأى ذلك (يعني كثرة ما يقتل من عتاق الخيل في الحروب) وخاف على أنساب الخيل أن تضيع، جمع الخيول الأصايل، وجعل لكل فريق منها مكانًا خاصًا وخدمًا مخصوصين وشدد في أوامره بالمحافظة عليها والعناية بشأنها...". وفي عهد الملك سعود -رحمه الله- وبتوجيهه جمعت وزارة الزراعة طائفة من الخيل وأشرفت على تدريبها وتغذيتها على الطريقة الحديثة في مركز تربية الخيول العربية. وكان الملك فيصل -رحمه الله- مغرماً بالفروسية من صغره، وفي عهده أمر سنة 1385هـ بإنشاء نادٍ للسباق باسم (نادي الفروسية). واستمرت تلك العناية في عهد الملك خالد -رحمه الله- حيث كان من هواة السباق على الخيل، ويشارك بخيله في المسابقات التي ينظمها نادي الفروسية. وأولى خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز -رحمه الله- الخيول العربية اهتمامًا ورعاية كبيرة، وخصص لها جائزة لسباق الخيول الأصيلة النجدية، ورعى -رحمه الله- حفلات السباق، بحسب ما أورده الجاسر في كتابه "أصول الخيل العربية الحديثة". وترجم خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -رحمه الله- اهتمامه بالفروسية، ليس بممارسته هذه الرياضة الأصيلة ومعرفة أصولها فحسب، بل من خلال رئاسته نادي الفروسية وبتوجيهه بإنشاء مقر للنادي، وإنشاء ميدان لسباق الخيل في الملز، وإنشاء منشآت جديدة للنادي مع ميدان للسباق في الجنادرية. يقول مدير عام مركز الملك عبدالعزيز للخيل العربية الأصيلة عبدالعزيز المقبل: "إن هذا الاهتمام والرعاية بالخيل العربية الأصيلة الذي دأب عليه أئمة وملوك هذه البلاد، برز جليًا في هذا العهد الزاهر لخادم الحرمين الشريفين الملكِ سلمان بنِ عبدِالعزيز آل سعود، وسمو ولي عهده الأمين -حفظهما الله- حيث شهدت رياضة الفروسية عمومًا تطورات متلاحقة تجسّد دعم واهتمام القيادة الرشيدة -أيدها الله- بدءًا بصدور قرار تنظيم "هيئة الفروسية"، في سبيل خدمة هذه الرياضة العريقة، وبما يحقق التطلعات وينهضُ بالفروسية السعودية ويضعُها في مكانتها اللائقة؛ مرورًا بصدور موافقة مجلس الوزراء على تنظيم نادي سباقات الخيل، ووصولاً إلى دعم القيادة الرشيدة لمختلف البطولات، والرعاية الملكية لها، مثل بطولة جمال الخيل العربية الأصيلة التي تقام بتنظيم وإشراف مركز الملك عبدالعزيز للخيل العربية الأصيلة. وللدور الكبير للخيول في ملحمة توحيد البلاد، فمن على صهواتها تمكن الملك عبدالعزيز -رحمه الله- من توحيد وطن مترامي الأطراف نرفل فيه بالنعم والأمن والأمان، حافظت القيادة الرشيدة -أيدها الله- ممثلة في مركز الملك عبدالعزيز للخيل العربية الأصيلة، على أرسان الملك المؤسس التي تنحدر -كما أوضح المقبل- من خمسة أرسان هي: "الكحيلة، الحمدانية، الصقلاوية، عبيّة، الصويتية"، وقد كانت في السابق موجودة في خفس دغرة، ثم انتقلت إلى الملز، وفي عام 1381هـ الموافق 1961م، أنشئ مركز الملك عبدالعزيز للخيل الأصيلة بديراب، وانتقلت إليه. وبحسب المقبل يوجد حاليًا أكثر من 200 رأس من الخيل العربية الأصيلة "سعودية الأصل والمنشأ" الخاصة بالملك المؤسس -رحمه الله- في مركز الملك عبدالعزيز للخيل العربية الأصيلة، ويقوم المركز بتحسين إنتاجها، ويوليها اهتمامًا كبيرًا وعناية فائقة وفق أعلى المعايير الدولية. من جهة أخرى عُرف العرب قديمًا وحديثًا بشغفهم الكبير بالخيل العربية، واحتلت مكانة كبيرة في حياتهم، وتفاخروا بها وأفردوا لها الكتب والرسائل وقالوا فيها الشعر والحكم وضربوا بها الأمثال. وتشغل الخيل في أنسابها وصفاتها شطرًا واسعًا من تفكير العربي وحياته، وما ذاك سوى تفسير لخصائصه الفطرية من جهة، وتكيفه مع الواقع من جهة أخرى، فالعربي أبيّ بطبعه، مقدامٌ بحكم طبيعة حياته. يقول عضو هيئة التدريس في جامعة الملك سعود الدكتور ناصر بن سعد الرشيد: "الخيل عند العرب لها مكانة عظيمة جدًا، يدل عليها قول الجاحظ: لم تكن أمة قط أشد عجبًا بالخيل، ولا أعلم بها من العرب، ولذلك أضيفت إليهم بكل لسان، ونسبت إليهم بكل مكان، فقالوا فرس عربي، ولم يقولوا هندي، ولا رومي، ولا فارسي". (والحصان) في اللغة العربيّة كما يقول ابن منظور: "يُطلق على الفحل من الخيل، ويُجمع على حُصُن، وأمّا الفرس، فواحد الخيل ومفرده، وجمعه أفراس للذكر والأنثى، فلا يقال فَرَسَةٌ؛ وراكب الفرس فارس"، وورد في كتاب الخيل للكلبي: أن اسم الخيل مشتق من خال يخيل خيلًا، واختال اختيالًا، إذا كان ذا كِبْرٍ وخُيلاء، ذلك أن الخيلاء صفة في الخيل لا تكاد تفارقها. وورد في كتاب مبادئ اللغة للخطيب الإسكافي أن الخيل "مؤنثة، وجمعها خيول، ولا واحد لها من لفظها". ويعود أصل الخيل العربية كما أثبتتها كتب المؤرخين -بحسب الدكتور الرشيد- إما إلى خيل نبي الله سليمان عليه السلام، وهذه يطلق عليها "زاد الركب" أو "زاد الراكب"، وإما إلى خيل إسماعيل عليه السلام وهذه تسمى عوج، كما ورد في كتب الأخبار والتفسير أن أول من ركب الخيل إسماعيل عليه السلام؛ ولذلك سميت بالعراب، وكانت قبل ذلك وحشية كسائر الوحوش، وإما أن تكون من الاثنين معا (خيل سليمان وخيل إسماعيل عليهما السلام). وقد وردت لفظة الخيل في القرآن الكريم في مواضع متعدّدة منها قوله تعالى: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ المُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ المُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ المَآبِ). وقوله تعالى: (وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ). وقوله عز وجل: (وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ). وهناك روابط قوية ومحبة وتلازم بين العرب والخيل، وهو أمرٌ واضحٌ وضوح الشمس في رائعة النهار، دلت عليه وأكدته الأحاديث النبوية الشريفة؛ فقد روي عنه صلى الله عليه وسلم قوله: "الخيل معقود بنواصيها الخير إلى يوم القيامة، وأهلها معانون عليها، فامسحوا بنواصيها، وادعوا لها بالبركة، وقلدوها ولا تقلدوها الأوتار". كما أكدت المصادر التاريخية، والأدبية، تلكم العلاقة الوثيقة بين العرب والخيل، حيث أفردوا لها المصنفات العديدة، وعرف التراث الأدبي العربي أدباء كثيرين خاضوا في موضوع الخيل وألفوا فيها كتبًا تتناول تاريخها، وصفاتها، وأسماءها، وأهم ما اشتهر منها، ومنهم -بحسب ما جاء في معجم أسماء خيل العرب وفرسانها لحمد الجاسر رحمه الله-: أبو عبيدة معمر بن المثنى المتوفى عام 209 هـ له "كتاب الخيل"، وعبدالملك الأصمعي المتوفى عام 215هـ أو 216هـ له "كتاب الخيل"، وابن الأعرابي المتوفى عام 231هـ له كتاب "أسماء خيل العرب وفرسانها"، والأسود الأعرابي من أهل القرن الخامس الهجري له كتاب "أسماء خيل العرب وأنسابها وذكر فرسانها"، ومحمد بن كامل التاجي الصاحبي من أهل القرن السابع الهجري له كتاب "الحَلْبة في أسماء الخيل المشهورة في الجاهلية والإسلام"، وعلي بن هذيل الأندلسي من أهل القرن الثامن له كتاب "حلية الفرسان وشعار الشجعان". ومن المؤلفات عن أصول الخيول الحديثة: كتاب "أصول الخيل" الذي كما يشير حمد الجاسر في كتابه "أصول الخيل العربية الحديثة" إلى "أنه جُمع من قبل باحث أو عدد من الباحثين، وهو يعد مصدرًا من أوثق المصادر وأوفاها عن أصول الخيل الحديثة، وأُلّف في النصف الثاني من القرن الثالث عشر الهجري، وكتاب "الجواد العربي" ليوسف إبراهيم، الذي نشر في عام 1401هـ، وكتاب "الخيل وفرسانها"، لعمر طوسون والذي في طبع في لبنان سنة 1912م.
مشاركة :