الشخصية الاعتبارية للشركات المدنية والتجارية

  • 9/3/2023
  • 23:18
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

عند تأسيس مشروع تجاري فغالبا ما يوصي متخصصو القانون بالابتعاد عن تأسيس ‏المؤسسات والاتجاه إلى تأسيس الشركات. ذلك أن مالك المؤسسة يتحمل التزاماتها كافة بشكل ‏مباشر في أمواله الشخصية بحيث لو لم تستطع المؤسسة سداد ديونها يلتزم المالك بسداد هذه ‏الديون من أمواله الخاصة بعكس الشركة التي تكون مسؤولية الشريك فيها غالبا محدودة بمقدار ‏مساهمته في رأسمالها دون امتداد هذا الأثر إلى أمواله الشخصية باستثناء الشريك المتضامن ‏في شركات الأشخاص. والسر وراء هذا التمييز هو أن النظام في المملكة لا يعترف للمؤسسة ‏بشخصية اعتبارية مستقلة بينما اعترف بوجود هذه الشخصية للشركات.‏ تعد الشخصية الاعتبارية حلا أوجده الفكر القانوني لحماية المنشآت وكل من يرتبط بها من ‏خلال الاعتراف لهذه المنشآت بوجود شخصية تسمح لها باكتساب الحقوق كالتي يكتسبها ‏الشخص الطبيعي وتحمل الالتزامات التي يتحملها باستثناء ما يرتبط بطبيعته البشرية. فتتحول ‏الشركة إلى كيان مستقل تماما يحق له القيام بأي تصرف ضمن الأغراض التي تأسس من ‏أجلها، ويخضع للمساءلة القانونية في حال ارتكاب أي مخالفات. ‏ من جهة أخرى، إذا فقدت هذه الشخصية سينعدم الأثر القانوني لهذا الكيان. فلا تستطيع المنشأة ‏ـ أيا كان نوعها ـ اكتساب الحقوق أو تحمل الالتزامات ما لم يعترف لها النظام بشخصية قانونية ‏مستقلة عن شخصيات الأفراد الذين يملكونها. فمالك المؤسسة يفتقد الآثار التي تنتجها الشخصية ‏الاعتبارية لعدم اعتراف النظام لها بهذه الشخصية، بينما اعترف نظام الشركات باكتساب ‏أشكال محددة من الشركات لهذه الشخصية عند تأسيسها طبقا لأحكامه، وبالتالي حصولها على ‏ الحقوق كافة التي تنتجها الشخصية الاعتبارية.‏ فاكتساب الشركة لهذه الشخصية يمنحها بعض الحقوق كالحصول على الجنسية والاعتراف لها ‏بموطن ومنحها اسما وغيرها. وأهم هذه الحقوق هو حق اكتسابها ذمة مالية مستقلة عن ذمم ‏مؤسسيها، ما يعطيها القدرة على المطالبة بحقوقها وديونها حتى في مواجهة مؤسسيها إذا لم ‏يدفعوا حصصهم المقررة في رأسمالها. وفي المقابل، هذا الاستقلال في الذمم المالية يحمي ‏الشريك من تبعات التزامات الشركة التي تنتج من تعاملها مع أطراف ثالثة. لذا فليس بالضرورة ‏أن إفلاس الشركة يؤدي إلى افلاس الشريك والعكس صحيح. ولكن لتحقق مثل هذه الاستقلالية ‏الكاملة فالنظام اشترط اكتمال تأسيس الشركة بقيدها في السجل التجاري لدى وزارة التجارة ‏كوسيلة إشهار لوجودها الواقعي. ما يعني أنه في حال عدم اكتمال التأسيس بقيدها في السجل ‏التجاري فلا وجود للشخصية الاعتبارية ولا يمكن الاحتجاج بها في مواجهة الغير، وبالتالي ‏يتحمل المؤسسون أي التزامات قاموا بها باسم الشركة خلال تلك الفترة. ‏ وتجدر الإشارة إلى أن الشخصية الاعتبارية ليست محدودة بتأسيس الشركات وفق أحد الأشكال ‏الخمسة التي حددها نظام الشركات فلم تقيد مادة اكتساب الشخصية الاعتبارية المنصوص عليها ‏في نظام الشركات متطلبات اكتساب هذه الشخصية على الأشكال المنصوص عليها في النظام ‏حيث نصت على أن تكتسب الشركة الشخصية الاعتبارية بعد قيدها لدى السجل التجاري ...". ‏مما يمكن تفسيره بأن أي شركة يمكنها الحصول على شخصية اعتبارية بعد قيدها في السجل ‏التجاري سواء كانت أحد الأشكال المنصوص عليها في النظام أو لا، خاصة أن نظام السجل ‏التجاري كذلك لم يحصر أنواع الشركات التي يجوز تقييدها. ويتوافق ذلك مع المادة الـ17 من ‏نظام المعاملات المدنية التي جاء فيها أن أحد الأشخاص ذوي الصفة الاعتبارية هي الشركات ‏التي تمنح هذه الصفة بموجب نصوص نظامية. فطالما أن النظام لم يحصر القيد لدى السجل ‏التجاري على ما ورد فيه من أشكال للشركات، فيمكن التوسع في معنى هذا النص وقيد الأشكال ‏الأخرى من الشركات في السجل التجاري ومنحها الشخصية الاعتبارية تبعا لذلك. ‏ ولا بد من الأخذ في الحسبان أن القيد في السجل التجاري يتطلب كتابة عقد الشركة وكل ما ‏يطرأ عليه من تعديلات. وكتابة هذا العقد في الأصل تعد أحد أركان عقد الشركة اللازمة لقيام ‏الشركة وإلا عد العقد باطلا بحسب نظام الشركات. وعليه، فعدم وجود عقد مكتوب يؤدي إلى ‏عدم وجود الشركة ومن ثم لا يمكن قيدها في السجل التجاري ولا منحها الشخصية الاعتبارية. ‏ وهذا يتوافق مع ما ورد في باب عقود المشاركة الذي نصت أول مادة منه على وجوب كتابة ‏هذه العقود وإلا كانت باطلة. وبناء على ذلك، فعقود المشاركة كافة التي نظمها نظام المعاملات ‏المدنية ومن ضمنها عقد الشركة تبطل آثارها النظامية إذا لم تكتب. لذا لا بد من التنبه إلى كتابة ‏عقد المشاركة بين الأطراف لتعزيز حماية حقوقهم التي كفلها لهم النظام، والتي منها استقلال ‏ذممهم المالية عن ذمة الشركة المكتسبة للشخصية الاعتبارية.‏ في الختام، استقلالية المنشأة بوجود شخصية اعتبارية لها توفر غطاء حماية لكل المتعاملين ‏معها سواء من شركاء أو عملاء أو غيرهما. لذا فالتوسع في منحها للشركات بغض النظر عن ‏شكلها النظامي - سيدعم تنظيم النشاط الاقتصادي بشكل أكبر، خصوصا بعد صدور نظام ‏المعاملات المدنية الذي أخذ بالتعريف العام لعقد الشركة والذي قد ينتج عنه استحداث أشكال ‏جديدة من الشركات مستقبلا تتطلب الحصول على مثل هذه الشخصية المستقلة.‏

مشاركة :