عند تأسيس مشروع تجاري فغالبا ما يوصي متخصصو القانون بالابتعاد عن تأسيس المؤسسات والاتجاه إلى تأسيس الشركات. ذلك أن مالك المؤسسة يتحمل التزاماتها كافة بشكل مباشر في أمواله الشخصية بحيث لو لم تستطع المؤسسة سداد ديونها يلتزم المالك بسداد هذه الديون من أمواله الخاصة بعكس الشركة التي تكون مسؤولية الشريك فيها غالبا محدودة بمقدار مساهمته في رأسمالها دون امتداد هذا الأثر إلى أمواله الشخصية باستثناء الشريك المتضامن في شركات الأشخاص. والسر وراء هذا التمييز هو أن النظام في المملكة لا يعترف للمؤسسة بشخصية اعتبارية مستقلة بينما اعترف بوجود هذه الشخصية للشركات. تعد الشخصية الاعتبارية حلا أوجده الفكر القانوني لحماية المنشآت وكل من يرتبط بها من خلال الاعتراف لهذه المنشآت بوجود شخصية تسمح لها باكتساب الحقوق كالتي يكتسبها الشخص الطبيعي وتحمل الالتزامات التي يتحملها باستثناء ما يرتبط بطبيعته البشرية. فتتحول الشركة إلى كيان مستقل تماما يحق له القيام بأي تصرف ضمن الأغراض التي تأسس من أجلها، ويخضع للمساءلة القانونية في حال ارتكاب أي مخالفات. من جهة أخرى، إذا فقدت هذه الشخصية سينعدم الأثر القانوني لهذا الكيان. فلا تستطيع المنشأة ـ أيا كان نوعها ـ اكتساب الحقوق أو تحمل الالتزامات ما لم يعترف لها النظام بشخصية قانونية مستقلة عن شخصيات الأفراد الذين يملكونها. فمالك المؤسسة يفتقد الآثار التي تنتجها الشخصية الاعتبارية لعدم اعتراف النظام لها بهذه الشخصية، بينما اعترف نظام الشركات باكتساب أشكال محددة من الشركات لهذه الشخصية عند تأسيسها طبقا لأحكامه، وبالتالي حصولها على الحقوق كافة التي تنتجها الشخصية الاعتبارية. فاكتساب الشركة لهذه الشخصية يمنحها بعض الحقوق كالحصول على الجنسية والاعتراف لها بموطن ومنحها اسما وغيرها. وأهم هذه الحقوق هو حق اكتسابها ذمة مالية مستقلة عن ذمم مؤسسيها، ما يعطيها القدرة على المطالبة بحقوقها وديونها حتى في مواجهة مؤسسيها إذا لم يدفعوا حصصهم المقررة في رأسمالها. وفي المقابل، هذا الاستقلال في الذمم المالية يحمي الشريك من تبعات التزامات الشركة التي تنتج من تعاملها مع أطراف ثالثة. لذا فليس بالضرورة أن إفلاس الشركة يؤدي إلى افلاس الشريك والعكس صحيح. ولكن لتحقق مثل هذه الاستقلالية الكاملة فالنظام اشترط اكتمال تأسيس الشركة بقيدها في السجل التجاري لدى وزارة التجارة كوسيلة إشهار لوجودها الواقعي. ما يعني أنه في حال عدم اكتمال التأسيس بقيدها في السجل التجاري فلا وجود للشخصية الاعتبارية ولا يمكن الاحتجاج بها في مواجهة الغير، وبالتالي يتحمل المؤسسون أي التزامات قاموا بها باسم الشركة خلال تلك الفترة. وتجدر الإشارة إلى أن الشخصية الاعتبارية ليست محدودة بتأسيس الشركات وفق أحد الأشكال الخمسة التي حددها نظام الشركات فلم تقيد مادة اكتساب الشخصية الاعتبارية المنصوص عليها في نظام الشركات متطلبات اكتساب هذه الشخصية على الأشكال المنصوص عليها في النظام حيث نصت على أن تكتسب الشركة الشخصية الاعتبارية بعد قيدها لدى السجل التجاري ...". مما يمكن تفسيره بأن أي شركة يمكنها الحصول على شخصية اعتبارية بعد قيدها في السجل التجاري سواء كانت أحد الأشكال المنصوص عليها في النظام أو لا، خاصة أن نظام السجل التجاري كذلك لم يحصر أنواع الشركات التي يجوز تقييدها. ويتوافق ذلك مع المادة الـ17 من نظام المعاملات المدنية التي جاء فيها أن أحد الأشخاص ذوي الصفة الاعتبارية هي الشركات التي تمنح هذه الصفة بموجب نصوص نظامية. فطالما أن النظام لم يحصر القيد لدى السجل التجاري على ما ورد فيه من أشكال للشركات، فيمكن التوسع في معنى هذا النص وقيد الأشكال الأخرى من الشركات في السجل التجاري ومنحها الشخصية الاعتبارية تبعا لذلك. ولا بد من الأخذ في الحسبان أن القيد في السجل التجاري يتطلب كتابة عقد الشركة وكل ما يطرأ عليه من تعديلات. وكتابة هذا العقد في الأصل تعد أحد أركان عقد الشركة اللازمة لقيام الشركة وإلا عد العقد باطلا بحسب نظام الشركات. وعليه، فعدم وجود عقد مكتوب يؤدي إلى عدم وجود الشركة ومن ثم لا يمكن قيدها في السجل التجاري ولا منحها الشخصية الاعتبارية. وهذا يتوافق مع ما ورد في باب عقود المشاركة الذي نصت أول مادة منه على وجوب كتابة هذه العقود وإلا كانت باطلة. وبناء على ذلك، فعقود المشاركة كافة التي نظمها نظام المعاملات المدنية ومن ضمنها عقد الشركة تبطل آثارها النظامية إذا لم تكتب. لذا لا بد من التنبه إلى كتابة عقد المشاركة بين الأطراف لتعزيز حماية حقوقهم التي كفلها لهم النظام، والتي منها استقلال ذممهم المالية عن ذمة الشركة المكتسبة للشخصية الاعتبارية. في الختام، استقلالية المنشأة بوجود شخصية اعتبارية لها توفر غطاء حماية لكل المتعاملين معها سواء من شركاء أو عملاء أو غيرهما. لذا فالتوسع في منحها للشركات بغض النظر عن شكلها النظامي - سيدعم تنظيم النشاط الاقتصادي بشكل أكبر، خصوصا بعد صدور نظام المعاملات المدنية الذي أخذ بالتعريف العام لعقد الشركة والذي قد ينتج عنه استحداث أشكال جديدة من الشركات مستقبلا تتطلب الحصول على مثل هذه الشخصية المستقلة.
مشاركة :