بيروت – أعلنت السفارة الأميركية في دمشق الأحد عن لقاء عقده مسؤولون مع كل من قوات سوريا الديمقراطية "قسد" ووجهاء عشائر اتُّفق خلاله على ضرورة خفض العنف في شرق سوريا، لسد الطريق على تنظيم داعش الذي يستغل أي فرصة لشن هجماته. وتخشى واشنطن أن يساهم القتال المستمر منذ أيام بين الجماعات المتنافسة المدعومة منها في شرقي سوريا، لإنعاش التنظيم الذي يتخذ من البادية السورية معقلا لأنشطته ويستغل الوضع الأمني الهش والوضع الاقتصادي المتدهور والوضع السياسي المتأزم للظهور من جديد في سوريا. واندلعت الأسبوع الماضي اشتباكات في بضع قرى ريف محافظة دير الزور الشرقي بعد عزل قوات سوريا الديمقراطية (قسد) (وهي تحالف فصائل كردية وغربية يقوده المقاتلون الأكراد ومدعوم أميركياً) لقائد مجلس دير الزور العسكري التابع لها. ودفع ذلك مقاتلين محليين موالين للقيادي الموقوف إلى شن هجمات سرعان ما تطورت إلى اشتباكات مع قوات سوريا الديمقراطية التي أعلنت حظراً للتجول في المنطقة ابتداء من السبت ولمدة 48 ساعة. وأسفرت المواجهات خلال أسبوع عن مقتل 49 مقاتلاً من الطرفين وثمانية مدنيين، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان. وأعلنت السفارة الأميركية في دمشق الأحد على منصة إكس، أن لقاء عقد في شمال شرق سوريا جمع نائب مساعد وزير الخارجية في مكتب شؤون الشرق الأدنى المعني بملف سوريا إيثان غولدريتش وقائد التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية اللواء جول فاول بقوات سوريا الديمقراطية ووجهاء عشائر من محافظة دير الزور. واتفق المجتمعون على “ضرورة معالجة شكاوى سكان دير الزور”، والتأكيد على “مخاطر تدخل جهات خارجية” في المحافظة، و”الحاجة لتفادي سقوط قتلى وضحايا مدنيين”، وضرورة “خفض العنف في أقرب وقت ممكن”. وشدد غولدريتش وفاول، وفق ما أعلنت السفارة على “أهمية الشراكة القوية بين الولايات المتحدة وقوات سوريا الديمقراطية في جهود” مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية. وجاء هذا التصعيد بين الحلفاء السابقين، بعد أسابيع قليلة على قيام القوات الأميركية في بمجموعة من الترتيبات كشفت عن استعدادها العسكري لمواجهة صراعات محتملة، وعزم واشنطن على ترسيخ وجود قواتها في المنطقة. ونشر موقع صحيفة "فزغلياد" الروسية، تقريرا جاء فيه أن الولايات المتحدة نقلت معدات عسكرية ولوجستية كانت موجودة داخل العراق إلى قواعدها في سوريا. ونقل الموقع عن مصادر بفصائل المعارضة السورية قولها إن قوافل عسكرية أميركية قادمة من العراق عبرت منفذ الوليد الحدودي ودخلت محافظة الحسكة شمال شرقي سوريا، مشيرا إلى أن تلك القوافل ضمت مدرعات عسكرية وعددا كبيرا من الجنود الأميركيين. وأضاف أن جزءا من تلك القوات يتولى مهمة تدريب المقاتلين الأكراد من قوات سوريا الديمقراطية، في حين يتولى جزء آخر حماية المطارات وحقول النفط والغاز في الحسكة ومحافظة دير الزور المجاورة. وأشار مُعِد التقرير رافائيل فخروتدينوف إلى أن تعزيز واشنطن وجودها العسكري في سوريا يأتي في إطار تصاعد الصراع بين الولايات المتحدة وروسيا في المنطقة. كما يشير إلى أن الخبراء يرون أن حشد المزيد من القوات الأميركية في سوريا يأتي في إطار رغبة واشنطن في الضغط على موسكو. وتُعد محافظة دير الزور ذات غالبية عظمى عربية وتنتشر فيها عشرات العشائر العربية. ويقسمها نهر الفرات الذي تتواجد قوات سوريا الديمقراطية على ضفافه الشرقية، فيما تتمركز قوات النظام ومجموعات موالية لإيران على الضفة الغربية. وتتواجد قوات التحالف الدولي، وأبرزها القوات الأميركية في المنطقة، وخصوصاً في قاعدة في حقل العمر النفطي. وبالتوازي مع نشاطها العسكري، قامت واشنطن أيضا بإجراءات للتقرُّب من المكون العربي في مناطق شرق الفرات بهدف استقطابه وتنظيمه، في خطوة اعتبر البعض أن الهدف منها إحداث تغيير ديمغرافي وهيكلي في بنية الفصائل المسلحة بعد أن شكّل الأكراد العنصر المهيمن على هياكل الإدارة الذاتية وأجنحتها العسكرية والسياسية. وذكرت مصادر مقربة من العشائر، أن القوات الأميركية قامت بإعادة هيكلة هذه القوات في إطار توسيع خريطة المهام التي تقوم بها في شرق سورية، والتي من المتوقع أن تشمل السيطرة على الحدود السورية-العراقية، ومحاربة الميليشيات الإيرانية التي بدأت تهدد الوجود الأميركي بشكل جدي في المنطقة. ويتشكّل هذا الهيكل من قوات "جيش سورية الحرة" في منطقة التَّنف، على أن تنضم لها قوات "الصناديد" التابعة لعشيرة شمر وينخرط فيها أفراد من عشائر الشرابين والجبور، بالإضافة إلى محاولة استعادة فصيل قوات" ثوار الرقة" الذي فكّكته "قسد" قبل سنوات، ويبدو أن مهمته ستكون في مناطق التماس مع قوات النظام السوري والميليشيات الإيرانية غربي الفرات. وتحاول واشنطن إّرضاء المكون العربي الذي يشكو من سيطرة الكرد على مناطق شرق سورية، واتخاذ إجراء لمنع نجاح جهود روسيا وإيران والنظام السوري في التحشيد ضد القوات الأميركية. وترى واشنطن بأن العرب السُّنة أصحاب مصلحة في طرد الميليشيات الإيرانية من مناطقهم، كما ترغب واشنطن في الاستثمار في رفض غالبية المكون العربي في شرق سورية العودة إلى حضن النظام السوري. لكن موسكو تروج لرواية أخرى في وسائل الإعلام التابعة لها، فقد نقلت عن أحد شيوخ العشائر العربية في الجزيرة السورية، إن واشنطن تثير الاضطرابات في شمال شرق سوريا لنهب ثروات المنطقة، وأن الاشتباكات الأخيرة هناك تخدم المصالح الأميركية. وقال الشيخ مضر إبراهيم أحد شيوخ عشيرة شيخان في الجزيرة السورية لوكالة "نوفوستي" الروسية، أن"كل محاولات إغلاق معبر البوكمال الحدودي مع العراق خطة أميركية تهدف إلى قطع الشريان الرئيسي الذي يربط دمشق ببغداد". وأكد أن الاشتباكات التي تشهدها المنطقة "تخدم مصالح الولايات المتحدة التي تعمل على إثارة الفتن بين السكان بهدف نهب الموارد النفطية والزراعية"، وأن الاشتباكات بين قوات سوريا الديمقراطية و"مجلس دير الزور العسكري" تخدم مصالح الولايات المتحدة. وأضاف أن "الأزمة الاقتصادية وتردي القطاع الخدمي الذي تعانيه سوريا جاء نتيجة خروج منطقة الجزيرة السورية عن سيطرة الحكومة السورية". بدورها، تتهم قوات سوريا الديمقراطية مقاتلين “مستفيدين” من القيادي الموقوف و”مسلحين مرتزقة مرتبطين بالنظام” بمحاولة خلق “فتنة” بينها وبين العشائر العربية. وأكدت عدم وجود أي خلاف مع العشائر، والتي قالت إنها على “تواصل دائم” معها. وتتولّى الإدارة الذاتية الكردية وقوات سوريا الديمقراطية التي تشكل جناحها العسكري إدارة مناطقها عبر مجالس محلية مدنية وعسكرية، في محاولة التخفيف من الحساسية العربية-الكردية. وقال المتحدث باسم قوات سوريا الديمقراطية فرهاد شامي لفرانس برس “يتم تمشيط بلدتين اليوم الأحد وبقيت قرية واحدة تتجه الأمور فيها نحو الحسم”، مشيراً إلى أن التوترات اقتصرت على خمس قرى من أصل أكثر من 120 قرية في المنطقة. وأضاف “يتم التعامل مع الأمور بحساسية مفرطة، لكن نتأمل حسم الأمر قريباً إن كان عسكرياً أو بالتواصل مع العشائر العربية بالمنطقة”. وكانت العشائر العربية في دير الزور قد أعلنت النفير العام ضد كل مكونات "قسد" في إطار "تطهير كامل ريف دير الزور". وتطورت الأمور بدخول "الجيش الوطني" التابع لتركيا على خط الاشتباكات، فأعلن فتح المعابر في وجوه الراغبين من أبناء العشائر في قتال "قسد" في منبج والباب، وهو ما حدث فعلاً من خلال مهاجمة "الجيش الوطني" ومسلحين، قالوا إنّهم من أبناء العشائر، عدة قرى في منبج والباب. ونشروا مقاطع مصوّرة قالوا فيها إنهم "سيطروا على قريتي عرب حسن والمحسنلي" في ريف منبج، والبويهج في ريف الباب، بينما سارع الناطق باسم "مجلس منبج العسكري"، شرفان درويش، إلى نفي "كلّ الأنباء عن سيطرة المرتزقة على أيّ نقطة أو حاجز في القرى والبلدات في ريفي منبج والباب". وأكّد درويش "تصدّي قواته للهجمات كافةً"، وأنّ "الاشتباكات مستمرة في قرى المحسنلي وعرب حسن وأم جلود والصيادة والدندنية". وتستهدف القوات التركية، عبر المسيّرات والسلاح المدفعي، بين حين وآخر، مناطق سيطرة "قوّات سوريا الديمقراطية"، وعلى رأسها المقاتلون الكرد، في شمالي سوريا وشمالي شرقيّها. وأفادت تقارير إخبارية بوقوع اشتباكات عنيفة بين مسلحي "الجيش الوطني" التابع لتركيا و"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، على جبهات شمال الرقة عند تل أبيض وريف الحسكة الغربي. وتركزت الاشتباكات في قرى الطركي، التي سيطر عليها المسلحون الموالون لتركيا جنوب بلدة تل أبيض شمالي الرقة. وقطع مسلحو "الجيش الوطني"، الطريق الدولي "أم 4" على محور صكيرو جنوب تل أبيض. ودارت اشتباكات عنيفة في قرية الطويل غربي بلدة تل تمر، في ريف الحسكة الغربي قرب الطريق الدولي "أم 4". وقال أبو الحارث قائد عسكري في الجيش الوطني إن "المعارك التي أطلقتها المعارضة في قريتي تل طويل والطويلة بالحسكة، وقرى المشرفة وصكيرو والهشلوم ومحيط بلدة عين عيسى في ريف الرقة والحسكة، نصرة لأبناء القبائل العربية في محافظة دير الزور ضد قسد. وأضاف إنه تمت السيطرة على أربعة قرى في ريفي الرقة والحسكة، مشيرًا إلى مقتل سبعة عناصر من قسد والقوات الحكومية، وثلاثة من عناصر جيش العشائر وإصابة خمسة آخرين. وكشف عن وصول تعزيزات عسكرية كبيرة اليوم إلى خطوط الجبهات، والتحضير لمعارك كبيرة ضد قسد. وأقر مصدر مقرب من القوات الحكومية بـ "سقوط ثلاثة قتلى وجريحين من عناصر القوات الحكومية في هجوم لفصائل المعارضة، على قريتي تل طويل والطويلة شمال غرب مدينة تل تمر بريف الحسكة الشمالي"، مشيرًا إلى مقتل اثنين من مسلحي المعارضة خلال الهجوم.
مشاركة :