الإدارة التعليمية المعاصرة وتحديات المستقبل - صالح الناصر العمري

  • 9/5/2023
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

تأتي الإدارة أوالقيادة ضرورة حتمية للمجتمعات البشرية لترتيب حياتهم وتنظيمها بالشكل الذي يؤدي إلى نظام معيشي وحياتي متزن.. والإسلام جعل من الإدارة أو القيادة ضرورة من ضرورات المجتمع لايستقيم أمره إلا بوجودها، فالقيادة الحقة هي التي تدير المجتمع وتوحده بدلاً من تشتته وتشرذمه، وتدعو إلى الانضباط والالتزام بدلاً من الفوضى وضياع الأمر. تتشكل وتتنوع الإدارات حسب اختصاصاتها ومقاصدها، وتظل الإدارة التعليمية المدرسية ركيزة أساسية وعنصراً من عناصر الإدارات في المجتمع المعاصر، وتأتي أهميتها لكون مخرجات ونتاج عملها جيلا متعلما تم إعداده إعداداً مناسباً للمشاركة في بناء ورفعة وطنه.. لذلك أولت المؤسسات التعليمية في دول العالم - خاصة المتقدمة منها - أهمية بالغة تجاه موضوع الإدارة التعليمية، فالتعليم المعاصر لم يَعُد هدفه محو الأمية وزرع المعلومة والحصول على الشهادة، بل تبدل هذا المفهوم حيث أصبح التعليم جزءاً من اقتصاديات الدول، فالتفوق العسكري والتكنولوجي للدول مرتبط مباشرة بنظامها التعليمي ونوعيته وبمستوى مدخلات ومخرجات أفراده من مديرين ومعلمين وطلاب. ولقد غيرت الاتجاهات التربوية المعاصرة جميع المفاهيم والإجراءات التربوية التقليدية. فالتعليم المعاصر تغيرمفهومه جذريا، وانطلق إلى فضاءات معرفية جديدة، فأصبح قائماً على المهارات وأساليب التفكير والاتجاهات والقيم الصحيحة والسلوكيات الحياتية المعتدلة، التي تلبي حاجات الإنسان ورغباته وميوله. فلقد بدأت تختفي من أرض الواقع تلك المدرسة التقليدية (ذات الشدة والصرامة المبالَغ فيها) وذات الشعار القديم (العلم نور والجهل ظلام) وحَل مكانها المدرسة ذات الأبعاد الحضارية وٍالبيئة الجاذبة المحفزة.ولم يعُد يُعامَل الطالب على مبدأ « قرأ وكتب « بل قفز الطالبٍ إلى علوم ومهارات جديدة (فكَّر، حلَّل، جرَّب، أنجز، نقد). والمعلم لم تعُد مهنته مع تلاميذه «شرح ولقَّن»،، بل تعداها إلى (غرس، عزَّز، حفَّز، دعم).. إلخ من العمليات والاستراتيجيات التربوية المعاصرة. والهرم الإداري في المدرسة المتمثل في مديرها حيث لم تعُد وظيفته «أمرَ ونهى» بل تعداها إلى مفاهيم إدارية عصرية (خطَّط، حفًز، فوًض، بادر، قيَّم، حَسن). وبهذا المفهوم وهذه الرؤية يتطلب أن يكون صاحب المنصب الإداري شخصية إدارية قيادية ذات إمكانات ومهارات متقدمة، فالمدير العصري لم يعُد ذلك الآمر الناهي المنغلق على ذاته المتصف بالروتين والجمود الفكري، والذي حصل على المنصب بالأقدمية، بل هو المدير المبادر، القابل للتحدي والتغيير الإيجابي. والمدير العصري الاحترافي يدرك أن قوته من قوة الفريق العامل معه، فهو يدعم الجميع بلا استثناء ويثق فيهم ويسمع منهم ويعترف بكفاءاتهم ويشركهم في الرأي وفي اتخاذ القرار، ففي هذا العصر التقني المعلوماتي المتسارع لايمكن أن يتفرد أحد بجميع الأدوار ويتخذ كل القرارات. ومن هذا المنطلق يلجأ القائمون على التعليم إلى اختيار وتعيين مديرين للمدارس ذوي قدرات وإمكانات عصرية معينة، صنفها خبراء الإدارة التعليمية إلى ثلاث قدرات: أولاً: القدرات الشخصية، منها الاتجاه السلوكي والمرونة النفسية والذكاء العاطفي. ثانياً: القدرات القيادية الحازمة الحكيمة بعيدة النظر، والتي تستطيع التأثير الإيجابي داخل المنظومة التعليمية. ثالثاً: القدرات العلمية والمعرفية، من خلال الثقافة العامة والاستيعاب التام للأساليب التربوية المعاصرة والإلمام بالأدلة التنظيمية والإجرائية التعليمية. جميع هذه القدرات المتعددة لزم وجودها فيمَن يتحمل مسؤولية إدارة المدرسة، فالبيئة التعليمية المدرسية من أكثر الأماكن ذات التنوع الثقافي، فالمدير سيتعامل مع المعلم والمتعلم والمشرف الوزاري وولي الأمر والعامل، إضافة إلى المجتمع المحلي، فلابد أن يكون مدركاً وواعياً لهذا المزيج من العقول المختلفة، فكثيراً ماتصادفه المفاجآت العابرة، لذا لزم عليه التعامل الأمثل معها بواقعية، مطبقاً مقولة « ديل كارنيجي « عندما تتعامل مع الناس، تذكر أنك لاتتعامل مع مخلوقات يحكمها المنطق، ولكن مع مخلوقات تحكمها العاطفة» وبما أن التعليم عملية ديناميكية متحركة، فهو بالتالي يقبل التغيرات الطارئة، وإذا تطرقنا إلى أبرز التحديات والتغيرات التي ستواجه مدير المدرسة مستقبلا والتي ستجعل معها وجه التعليم يتغير، وستكون مواكبة لرؤية المملكة المباركة 2030 التي أطلقها ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان - حفظه الله -، أهم هذه المستجدات: 1- تخصيص التعليم 2- الرخصة المهنية لشاغلي الوظائف التعليمية. 3- التعليم عن بعد والتعليم المدمج. 4- الفصول الدراسية الثلاث. 5- مسارات الثانوية العامة والأكاديميات. فلم يعد أمام المدير - ذي القدرات الثلاث - إلا المبادرة بسرعة الاستجابة ومواكبة هذه المتغيرات واستيعابها استيعاباً تاماً، من خلال العمل معها باحترافية ومرونة تامة، وذلك بمسايرته بتوازن للاتجاهات الإدارية المعاصرة في القرن21.

مشاركة :