الخرطوم 4 سبتمبر 2023 (شينخوا) توشك الحرب الدائرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع علي اكمال شهرها الخامس، فيما يزال الغموض سيد الموقف حول من يسيطر علي الوضع وصعوبة التكهن بالمدى الزمني للحرب وسيناريوهات الحل. ومع استمرار المعارك ولاسيما في العاصمة الخرطوم وبعض مدن غرب السودان، يتحدث طرفا النزاع عن سيطرتهما الميدانية فيما لم تتغير الخريطة الجغرافية للموقف الميداني منذ اندلاع المواجهات في 15 إبريل الماضي. وقال الخبير العسكري السوداني عبد الجليل اسماعيل في تصريح لوكالة أنباء ((شينخوا)) اليوم (الاثنين) إن ما يحدث في الخرطوم هو نموذج لحرب المدن التي لا يمكن توقع نهايتها أو حسمها في توقيت متوقع. وأضاف انه من الواضح أن يد الجيش مغلولة بسبب تواجد المدنيين في المناطق التي تتحصن بها قوات الدعم السريع، والتعامل بالقوة المميتة من قبل الجيش سيؤدي إلى حدوث خسائر كبيرة وسط المدنيين. وتوقع اسماعيل أن يوافق طرفا القتال (الجيش والدعم السريع) علي التسوية السياسية من خلال مبادرة اقليمية أو دولية. وأشار إلى أنه يبدو واضحا عدم قدرة الطرفين علي حسم المعركة، ومع استمرار أمد الصراع ربما يوافق الطرفان علي تسوية سياسية من خلال أحد المنابر الإقليمية أو الدولية، متوقعا أن يكون ذلك عبر المنبر الذي تقوده السعودية والولايات المتحدة الأمريكية. ورغم استمرار المعارك بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، الا أن الخريطة الجغرافية لمناطق سيطرة الطرفين لم تتغير كثيرا. وما تزال قوات الدعم السريع تسيطر علي مناطق واسعة بمدن العاصمة السودانية الخرطوم (الخرطوم وبحري وأم درمان)، وبعض من المناطق العسكرية والمؤسسات السيادية التي استولت عليها في وقت سابق، وذلك وفقا لمحلل عسكري سوداني. وقال المحلل العسكري السوداني محمد الياقوت في تصريح لـ((شينخوا)) أنه ما يزال للدعم السريع وجود مكثف في أحياء رئيسة بمنطقة أم درمان القديمة، ووسط أم درمان وأحياء محيطة بسلاح المهندسين بغرب أم درمان. وأضاف أن الجيش ما يزال يسيطر علي سلاح المهندسين، بالإضافة إلى أحياء كرري وقاعدة وادي سيدنا الجوية بشمال أم درمان. وأشار الياقوت إلى سيطرة الدعم السريع علي القصر الرئاسي بوسط الخرطوم ومحيط شارع النيل الذي يضم أغلب الوزارات الحكومية. وأوضح أن القصر الرئاسي يشكل رمزية مهمة ويحاول الجيش استرداد القصر لكنه يواجه دفاعا مستميتا من قبل قوات الدعم السريع. ووفقا لمصدر عسكري رفض الكشف عن اسمه، فإن الجيش يسيطر على حوالي 80 بالمائة من مقر القيادة العامة، فيما يسيطر الدعم السريع علي أجزاء من مطار الخرطوم ومقر المخابرات العامة وأجزاء من حي المطار وهي مناطق متاخمة للقيادة العامة. ومنذ نحو اسبوعين، تحاول قوات الدعم السريع بسط سيطرتها علي معسكر سلاح المدرعات بجنوب الخرطوم، وهو معسكر استراتيجي ويمثل مركز قيادة الجيش ونقطة الحماية الرئيسة للقيادة العامة من ناحية الجنوب. كما يكثف الجيش السوداني من قصفه المدفعي والجوي علي مركز القيادة الرئيسي لقوات الدعم بالمدينة الرياضية جنوبي الخرطوم. وتدور مواجهات مباشرة بالأسلحة الثقيلة والخفيفة حول المدينة، ولكن قوات الدعم السريع ما تزال صامدة بمعسكرها الرئيسي، وفقا لمصادر محلية. وفي مدينة بحري يشكل سلاح الإشارة بؤرة القتال الرئيسية بين الجيش والدعم السريع، ويتبادل الطرفان إدعاء السيطرة على مقر الإشارة، فيما ترجح مصادر عسكرية حسم الجيش لسيطرته علي سلاح الإشارة. وأدت المعارك المستمرة إلى زيادة المعاناة الانسانية للمدنيين، بسبب صعوبة الحركة وانعدام المواد الغذائية. وأعلنت الأمم المتحدة اليوم (الاثنين) احتياجها إلى مليار دولار لمساعدة الفارين من السودان الذين يتوقع أن يصل عددهم إلى 1.8 مليون شخص بنهاية هذا العام. وأكدت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في بيان صحفي أن هذا الرقم يشكل ضعف الأموال التي طلبتها في مايو الماضي. وبحسب بيان صادر عن المفوضية، فإن أكثر من مليون شخص فروا من السودان إلى البلدان المجاورة. وقال مامادو ديان بالدي المدير الإقليمي للمفوضية الأممية العليا للاجئين في شرق إفريقيا ومنطقة القرن الإفريقي والبحيرات الكبرى في البيان إن الأزمة أدت إلى طلب ملح على المساعدات الإنسانية، أولئك الذين يصلون إلى المناطق الحدودية النائية يجدون أنفسهم في ظروف يائسة بسبب عدم كفاية الخدمات وضعف البنية التحتية ومحدودية الوصول. وأضاف أن الشركاء يبذلون في هذه الاستجابة قصارى جهدهم لدعم الوافدين ومضيفيهم، ولكن بدون موارد كافية من الجهات المانحة، سيتم تقليص هذه الجهود بشدة. وما تزال جهود التسوية السياسية تصطدم بعقبات رئيسية، وتم تعليق المفاوضات غير المباشرة بين الجيش والدعم السريع عبر منبر جدة منذ منتصف يوليو الماضي، بعد أن تمسك الجيش بضرورة التزام الدعم السريع بالخروج من منازل المواطنين والأعيان المدنية والخدمية، مثل المستشفيات والمؤسسات الخدمية الأخري. فيما فشلت خارطة الطريق التي طرحها الاتحاد الأفريقي بالشراكة مع مجموعات أوروبية بعد أن تحفظت الحكومة السودانية على عدم مشاورته وتعليق عضوية السودان في المنظمة الأفريقية منذ أكتوبر 2021. وقال المحلل السياسي السوداني عبد الرازق زيادة إنه تعاطي طرفا النزاع مع المبادرات الإقليمية يبدو فاترا، ولا تتوفر رغبة سياسية حقيقية في الحل السلمي. وأضاف زيادة في تصريح لـ((شينخوا)) أن الطرفين يعتمدا استراتيجية الحسم العسكري، وهو أمر ما يزال بعيد المنال. وأوضح أن الطرفين يسعيان لتقوية مواقفهما التفاوضية من خلال تحقيق مكاسب عسكرية علي الأرض وهذا يطيل من أمد الصراع. ومنذ 15 إبريل الماضي يخوض الجيش السوداني وقوات الدعم السريع مواجهات مسلحة بالخرطوم ومدن أخري. ولا تتوفر حتي الآن إحصاءات دقيقة حول عدد القتلي والجرحي نتيجة المواجهات العسكرية، لكن احصاءات تقريبية لوزارة الصحة السودانية ونقابات طبية غير رسمية تشير إلى ان عدد القتلي أكثر من ثلاثة آلاف شخص، فيما أصيب ما يزيد عن ستة آلاف آخرين. ووفقا لإحصاءات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق المساعدات الإنسانية (أوتشا) فأن أكثر من 4.5 مليون شخص قد فروا من الحرب إلى داخل السودان وخارجه بسبب النزاع الذي اندلع في 15 إبريل الماضي بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع. ويأتي ما يقرب من 76 في المائة من النازحين من العاصمة السودانية الخرطوم.
مشاركة :