إذا صحت مدلولات الأحداث الإرهابية الأخيرة، حول بداية تنسيق ولايات داعش المزعومة تحركاتها بشكل وثيق مع تحركات مراكز التنظيم في العراق وسوريا، فإن رقعة امتداده الجغرافي تكون قد بلغت حدوداً شاسعةً. وتشكل تلك الولايات، وهي التسمية التي يطلقها التنظيم على الأقسام الإدارية في سوريا والعراق، تهديداً جدياً لمصالح الغرب، إذ تمكّن داعش من توسيع نطاق سيطرته وتحويل المجموعات المحلية إلى أدوات قتل أكثر فتكاً في صراعاته الإقليمية. ويمكن للمناطق التي لم تصدّر الإرهاب إلى الغرب بعد، أن تفعل ذلك في المستقبل القريب، إذا وثقت المجموعات الصلات مع داعش. استراتيجية إلا أن أميركا وحلفاءها لا يزالون في مستهل احتساب تلك المناطق كأحد العوامل الخطيرة في استراتيجية مناهضة الإرهاب. وكما بات معروفاً، فإن قلب التنظيم يحتل المناطق ذات الغالبية السنية في العراق وسوريا، وأنه في الأماكن التي تسجل حضوراً رسمياً للتنظيم، يلعب المقاتلون الأجانب دوراً مهماً في إيجاد الروابط والحفاظ على استمرارها بين القلب والمجموعات المحلية. ويعتمد داعش أكثر من أي تنظيم حديث على المتطوعين من الخارج، وقد قاتل مع نهاية العام 2015، ما يقارب 25 ألف أجنبي من الدول العربية، وخمسة آلاف عنصر من الدول الغربية في صفوف التنظيم في العراق وسوريا. ويشكل المقاتلون الأجانب قنوات ارتباط، ويحملون معهم عند العودة إلى مواطنهم أفكارا داعشية إرهابية الطابع. لم يبدُ مهماً، خلال العام الماضي، أن تكون لأميركا وحلفائها استراتيجية واضحة للتعامل مع تمدد ولايات داعش، كما لم تكن واشنطن وأصدقاؤها متحمسين لخوض حرب فوضوية أخرى في الشرق الأوسط. بل إن استهداف تلك الولايات بدا عكسي النتائج، حيث إن قصف احتشاد المجموعات محلياً يحفزها على شن الاعتداءات على الغرب. إلا أن الاعتداء على الطائرة الروسية فوق سيناء فضح خطورة هذا النسق من التفكير، وكشف أن تجاهل توسع رقعة التنظيم ينطوي على مخاطر السماح لـداعش بأن يغدو أقوى وأكثر خطورةً. ولا بدّ لأي استراتيجية ترمي لإضعاف الولايات الممتدة للتنظيم من أن تنقسم إلى جزأين، يتمحوران حول قطع الروابط بين قلب التنظيم والتنظيمات التابعة له، ومحاولة احتواء وإضعاف وهزيمة التنظيمات التابعة نفسها. ولذلك، يتعين على الولايات المتحدة وحلفائها استهداف مراكز نظم القيادة والسيطرة، والمواطنين الذين تربطهم علاقات شخصية مع كبار قادة التنظيم في العراق وسوريا وهكذا إذا منع وصول التعليمات من المقر الرئيسي، فستضطر الولايات المتفرعة إلى الاعتماد على نفسها، مما سيوجد كماً من المشكلات المختلفة لقلب التنظيم، تكلفه خسارة حلفائه المحليين. ضرورة المرونة الأميركية وكلما توسع نطاق القتال مع داعش ستحتاج أميركا إلى المزيد من القواعد العسكرية في عدد من أنحاء بعيدة من العالم، مما يعني أن المرونة ستكون أمراً حيوياً، نظراً لصعوبة توقع هوية الولايات التي ستتوسع وتتطلب الاهتمام الأكبر. ولا بد لأميركا من أجل إمكانية الوصول للأهداف بشكل صحيح جغرافياً، وتخفيف أعبائها، أن تتعاون أيضاً مع حلفائها، كفرنسا، مثلاً، الملتزمة بالتحالف المناهض لـداعش، ذات الحضور العسكري القوي في شمال إفريقيا. كما يتوجب على أميركا وحلفائها السعي لإضعاف هذه الولايات عبر تصوير غياب مواكبة مركز التنظيم للمظالم عبر الأخبار ومواقع التواصل الاجتماعي. ويتعين على واشنطن، في أي السبل التي تعتمدها، أن تدخل ولايات داعش المتعددة ضمن الاستراتيجية العامة لأميركا ضد التنظيم، حيث إن بقاء التنظيمات الإقليمية التابعة خارج حساباتها سيزيد مستوى تهديدها للشرق الأوسط وبقية العالم. إلا أن اعتماد السياسات السليمة يتيح لأميركا وحلفائها إلحاق ضرر حقيقي بالولايات المتفرعة وسادتها، وتحويل علاقة المصالح المشتركة إلى كارثة للجهتين على السواء.
مشاركة :