استأنف النفط الخام مسيرة ارتفاع الأسعار بعد تراجع محدود استمر يوما واحدا لتغلب حالة الارتفاعات على السوق الذي كان قد وصل إلى مستويات قياسية في الانخفاض في منتصف شباط (فبراير) الماضى فيما يعكس بدء التحول نحو تصحيح الأسعار واستعادة التوازن في السوق. وتلقى أسعار النفط الدعم الأساسي من تراجعات حادة في مستويات الإنتاج الأمريكى وكان يمكن أن تحقق مزيدا من المكاسب لولا ارتفاع الدولار والمخزونات واللذين عرقلا تحقيق نمو أفضل لمستوى الأسعار. وأدى الموقف الكويتي الرافض لتجميد الإنتاج إلا بعد انضمام إيران وكل المنتجين إلى اتفاق الدوحة إلى تجديد بعض المخاوف في السوق من احتمال ضعف إمكانية توافق المنتجين في الاجتماع المرتقب في روسيا خلال الأيام القادمة إلا أن كبار المنتجين ما زالوا مصرين على تقديم دعم حقيقى للسوق وتجاوز عقبة طهران. وأوضح لـ"الاقتصادية"، الدكتور آمبرجيو فاسولي مدير مركز دراسات الطاقة في مدينة لوزان السويسرية، أن غلبة الارتفاعات السعرية على السوق بعد تسجيل انخفاضات قياسية في منتصف شباط (فبراير) الماضي تعكس وصول الأسعار إلى القاع السعري والاتجاه حاليا لتعويض الخسائر السابقة وهو ما بث أجواء إيجابية في السوق بأن مسلسل انخفاض الأسعار لن يستمر دون توقف. وأشار فاسولي إلى أن ما يحدث في السوق حاليا يؤكد رؤية "أوبك" في التعامل مع السوق، حيث راهنت من البداية على تراجع الإنتاج الصخري الأمريكى وكل أشكال الإنتاج مرتفع التكلفة، كما أكدت استعادة الأسعار مستويات مرتفعة بشكل تلقائي نتيجة تغير معادلة العرض والطلب. وقال فاسولي إن بعض المنتجين ما زالوا متشككين في استمرار مرحلة التعافي السعري وعودة الانخفاضات مرة أخرى، وهو الأمر الذي تتخوف منه فنزويلا والجزائر بصفة خاصة، نظرا لاعتماد اقتصادياتهما بشكل أساسي وغالب على صادرات النفط الخام، مشيرا إلى ضرورة الاستفادة من الأجواء الإيجابية في السوق حاليا ودعمها بتوافق سريع بين المنتجين على تجميد الإنتاج وهو ما سيسهم في الحفاظ على مسيرة الأسعار المرتفعة. من جهته، أشار لـ"الاقتصادية"، فرانك يوكنهوفر مدير مشروعات "سيمنز" في بلجيكا وهولندا، إلى أن إيران يجب أن تدرك أن إفشال خطة تجميد الإنتاج ليس من مصلحتها، لأن مصلحتها هي في استمرار التعاون حتى تتعافى الأسواق وتستعيد الأسعار المناسبة التي تمكن من ازدهار الاستثمارات بشكل خاص في ضوء احتياجها لتطوير القطاع النفطي الذي أضير كثيرا بسبب فرض العقوبات الاقتصادية. وأوضح يوكنهوفر، أنه لا يمكن القول بأن السوق وصل إلى مرحلة الاستقرار ولكن هناك مؤشرات يجب البناء عليها حتى لا نعود إلى مربع البداية مرة أخرى وأهم ما يمكن أن يقدم للسوق في المرحلة الحالية هو بذل كل جهد ممكن لإنجاح اجتماع روسيا المرتقب وتضييق مساحة الخلافات بين المنتجين والتوصل إلى حلول وسط لنقاط الخلاف حتى يواصل السوق أداءه الجيد بشكل متواصل ويعوض خسائره الحادة السابقة. ويعتقد يوكنهوفر أن فورة الإنتاج التي حدثت في 2014 من الصعب أن تتكرر مرة أخرى، خاصة النفط الصخري الأمريكي الذي بدأ بالفعل مرحلة الانحدار الإنتاجي، كما أن نفس الوضع يمكن قوله على الإنتاج الروسي الذي تؤكد بيانات اقتصادية تقلص الإنتاج بشكل حاد خلال العقد المقبل وهو ما يعني أن فرص نمو الأسعار ما زالت كبيرة خاصة إذا تواكب ذلك مع تعاف اقتصادي في دول الاستهلاك الرئيسية وفي مقدمتها الصين. إلى ذلك، قال لـ"الاقتصادية"، رالف فالتمان المختص في الشؤون النفطية إن ارتفاع الدولار واستمرار زيادة المخزونات النفطية الأمريكية يحدان بشكل كبير من تعافي الأسعار، كما أن بطء النمو الاقتصادي في كثير من اقتصادات الدول الصناعية يعتبر من العوامل الضاغطة على الأسعار، ولكن المشهد سيتبدل تدريجيا لمصلحة تقلص المعروض ونمو الطلب. وأضاف فالتمان أن كبريات شركات النفط الدولية مثل "شيفرون"، و"شل"، و"إكسون موبيل"، لجأت إلى إجراء تعديلات واسعة في الخطط الاستثمارية مع تقليص النفقات الرأسمالية والتشغيلية وشطب الوظائف وهي جميعا إجراءات قاسية ولكنها مكنت تلك الشركات من التوازن الاقتصادي واستمرار الاستثمار والإنتاج. وأشار فالتمان إلى أن الفترة الحالية يتم فيها التركيز على المشروعات قليلة التكلفة وذات المدى القصير أو المتوسط، وهو ما جعل الشركات تجمد مشروعات التنقيب في المياه العميقة وتركز على الاستثمار في دول آسيوية وإفريقية، كما تراجع الإنفاق على مشروعات البنية الأساسية في مجال الطاقة، منوها إلى انتشار الاستحواذ والاندماجات بين الشركات للتغلب على تداعيات الموقف الراهن بسبب ارتفاع المديونية وبعض البنوك استحوذت بالفعل على شركات للطاقة في الولايات المتحدة بعد تعثرها. من ناحية أخرى، وفيما يخص الأسعار، سجلت أسعار النفط ارتفاعا طفيفا أمس إذ إن الدعم الذي وجده الخام في انخفاض الإنتاج الأمريكي قابله ارتفاع الدولار ومخاوف من تباطؤ الطلب. وبحسب "رويترز"، فقد بلغ سعر الخام الأمريكي في العقود الآجلة 36.67 دولار للبرميل بزيادة 17 سنتا عن سعر التسوية السابقة وبارتفاع 40 في المائة عن أدنى مستوى له في 2016 الذي سجله في شباط (فبراير). وسجل سعر خام القياس العالمي مزيج برنت 39.84 دولار للبرميل بزيادة 19 سنتا وبارتفاع 40 في المائة عن أدنى مستوى له في 2016 الذي بلغه في كانون الثاني (يناير). وقال مختصون إن تراجع الإنتاج الأمريكي يقدم دعما للسوق لكن المخاوف من تباطؤ الطلب والتخمة الحالية في الإنتاج والمخزون العالميين تقلص من فرص تحقيق مكاسب أعلى للأسعار. ومن بين العوامل الأساسية التي تؤثر في موازين السوق الإنتاج الأمريكي الذي توقعت الحكومة أن يصل إلى 8.19 مليون برميل يوميا في 2017 انخفاضا من أكثر من 9 ملايين برميل يوميا حاليا. وارتفعت أسعار النفط العالمية بالسوق الأوروبية أمس مستأنفة مكاسبها بعد توقف ضمن عمليات التصحيح والتقاط الأنفاس، بعدما وجدت الأسعار دعمًا من توقعات بانخفاض إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة، غير أن ارتفاع المخزونات الأمريكية لا يزال يضغط على الأسعار ويحد من تعظيم المكاسب. وأفادت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية في تقريرها الشهري قصير الأجل بأن إنتاج النفط في البلاد سيتراجع إلى 8.19 مليون برميل يوميا في 2017 وهو أدنى مستوى للإنتاج منذ عام 2013، مشيرة إلى متوسط إنتاج 8.46 مليون برميل. وعدلت الإدارة توقعات متوسط إنتاج العام الحالي إلى 8.67 مليون برميل من 8.69 مليون برميل، ويبلغ إنتاج النفط الصخري حاليًا في الولايات المتحدة 9.08 مليون برميل يوميا متوسط إنتاج شهر شباط فبراير الماضي. وذكر معهد البترول الأمريكي أن مخزونات الخام في البلاد زادت بمقدار 4.4 مليون برميل للأسبوع المنتهي 46 آذار (مارس)، في ثالث زيادة أسبوعية على التوالي، إلى إجمالي 520.5 مليون برميل، وهو أعلى مستوى على الإطلاق منذ تجميع المعهد لبيانات المخزونات أسبوعيا. وتشير التوقعات إلى ارتفاع بنحو 3.0 ملايين برميل إلى إجمالي 521.1 مليون برميل، في مستوى قياسي جديد للمخزونات على حسب البيانات التاريخية لإدارة معلومات الطاقة. إلى ذلك، حققت سلة خام "أوبك"، التي تضم متوسطات أسعار 13 خاما من إنتاج الدول الأعضاء بالمنظمة ثالث ارتفاع قياسي على التوالي وكسبت نحو خمسة دولارات، مقارنة بالسعر الذي سجلته في نهاية شباط (فبراير) الماضي، الذي بلغ 13.30 دولار للبرميل.
مشاركة :