استبقت الصين انطلاق قمة مجموعة العشرين G20 في خضم خلافات واسعة وصراع على النفوذ في أكثر من بقعة ساخنة حول العالم، وحذرت من اندلاع حرب باردة جديدة، وأعربت عن قلقها من ظهور تكتلات تدعمها الولايات المتحدة على أبوابها. قبل توجه قادة كبريات القوى الاقتصادية في العالم إلى الهند للمشاركة في قمة مجموعة العشرين G20، التي خيّم عليها الغزو الروسي لأوكرانيا والقلق حيال الاقتصاد العالمي وتغيّر المناخ التي يغيب عنها خصوصاً الرئيس الصيني شي جينبينغ، وجّه رئيس الوزراء الصيني لي تشيانغ أمس، رسالة ضمنية إلى الولايات المتحدة لـ «منع حرب باردة جديدة»، في وقت لا يزال التوتر يخيم على العلاقات بين البلدين رغم الزيارات الأميركية الأخيرة إلى بكين. وأعرب لي تشيانغ، خلال قمة رابطة دول جنوب شرق آسيا «آسيان» في إندونيسيا، عن القلق من ظهور تكتلات تدعمها الولايات المتحدة على أبواب الصين، التي تواجه خلافات مع قوى أخرى في المنطقة بشأن البحر الجنوبي وقضايا أخرى. وقال لي تشيانغ، الذي حضر قمة «آسيان» بدلاً من الرئيس شي جينبينغ، «الاختلافات قد تنشأ بين الدول بسبب سوء فهم ومصالح متضاربة أو تدخلات أجنبية، ومن أجل إبقاء هذه الخلافات تحت السيطرة من المهم راهناً الامتناع عن اختيار معسكر ما، ومعارضة المواجهة بين الكتل ومنع حرب باردة جديدة». ويستضيف زعماء «آسيان» قمة ثانية اليوم مع رئيسي الوزراء الهندي ناريندرا مودي والأسترالي أنتوني ألبانيز والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش. هاريس ولافروف وقبل انضمام نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس مكان جو بايدن ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، مكان رئيسه فلاديمير بوتين إلى القمتين، أخذت اجتماعات «آسيان» طابعاً إقليمياً أكثر أمس، في وجود رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا والرئيس الكوري الجنوبي يون سوك يول، ويتوقع أن تتصدر قضايا جيوسياسية أوسع جدول أعمالها اليوم. وشرح رئيس الوزراء الياباني لنظيره الصيني لي تشيانغ خلال محادثات قصيرة وجهة نظره من إطلاق المياه المعالجة من محطة فوكوشيما النووية إلى البحر. وأوضح لي تشيانغ أن تصريف المياه الملوثة نووياً يتعلق بالبيئة الإيكولوجية البحرية العالمية وصحة الشعوب، ودعا اليابان إلى الوفاء بالتزاماتها الدولية بأمانة، والتشاور الكامل مع جيرانها والأطراف المعنية، والتعامل بطريقة مسؤولة. وأبلغ يون، الذي التقى كيشيدا ويون ولي تشيانغ، زعماء آسيان بأنّ «أي محاولات لإقامة تعاون عسكري مع كوريا الشمالية، التي تعمل على تقويض السلام في المجتمع الدولي، يجب أن تتوقف على الفور». من جهته، قال المستشار الأميركي للأمن القومي جايك ساليفان، إنه «في القمتين، ستؤكد نائبة الرئيس على الالتزام الدائم تجاه منطقة المحيطين الهندي والهادئ». سيكون الاجتماع الذي يضم لافروف وهاريس أول لقاء عالي المستوى بين الولايات المتحدة وروسيا منذ اجتماع وزراء الخارجية بجاكرتا في يوليو، عندما واجه وزير الخارجية الروسي الانتقادات الأميركية والأوروبية على خلفية حرب أوكرانيا. وأكدت إندونيسيا لقادة آسيان أن التكتل لن يتحوّل إلى ساحة تتنافس فيها القوى الكبرى في ظل تفاقم التوتر بين الولايات والمتحدة والصين بشأن تايوان والبحر الجنوبي والغزو الروسي لأوكرانيا. قمّة العشرين في موازاة ذلك، يشارك قادة مجموعة العشرين باستثناء الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والصيني شي جينبينغ غداً في قمة مجموعة العشرين، التي روّجت الهند لها تحت شعار «أرض واحدة، عائلة واحدة، مستقبل واحد». وفي غياب بوتين وشي، يأمل الرئيس الأميركي تعزيز التحالفات وتقديم الدعم للبلدان النامية، وسيناقش الجهود الرامية للتعامل مع عدد من القضايا، انطلاقاً من «مكافحة التغير المناخي وصولاً إلى التخفيف من حدة التداعيات الاقتصادية والاجتماعية للحرب الروسية على أوكرانيا»، بحسب ساليفان. وفي حين ترافق بايدن وزيرة الخزانة جانيت يلين في رابع زياراتها إلى الهند في 10 شهور، سيترأس لافروف وفد روسيا بدلاً من بوتين، الذي صدرت بحقه في مارس مذكرة توقيف من المحكمة الجنائية الدولية، فيما سيقود رئيس الوزراء الصيني وفد بكين. ووصف سوليفان قمة نيودلهي بأنها فرصة «لجميع الاقتصادات الكبرى في العالم للعمل معاً لحل المشكلات العالمية في وقت يعاني الاقتصاد الدولي صدمات تاريخية ومتداخلة». الهند والصين ورغم انخراط الدولة الأكثر سكاناً في العالم في نزاع حدودي تاريخي مع الصين، يسعى رئيس الوزراء الهندي، الذي يتولى الرئاسة الدورية للمجموعة لتلميع صورته في الساحة الدولية، لكنه يواجه تحدياً صعباً في محاولته دفع القوى الكبرى للتوافق على القضايا الرئيسية. ويسود خلاف بين نيودلهي وبكين مجدداً بعدما أظهرت خريطة نشرتها الصين الأسبوع الماضي اعتبار بكين أن منطقة تطالب بها الهند هي أرض تابعة لها، علماً بأنها تشمل موقعاً قريباً من ذاك حيث خاض الطرفان معارك عام 2020. وتسعى الهند أيضاً لإقامة علاقات وثيقة مع دول غربية بما فيها البلدان المنضوية في مجموعة «كواد» الرباعية التي تضم الولايات المتحدة واليابان وأستراليا (والهند). ويتوقع بأن يدفع مودي قدماً بالجهود الرامية لتوسيع التكتل ليصبح «مجموعة الـ21» عبر ضم الاتحاد الإفريقي إلى صفّه، وهي خطوة يؤيّدها بايدن. وطلب ساليفان، من الصين تنحية قضاياها مع الهند جانباً والاضطلاع «بدور بناء» في قمة العشرين، وقال إن الأمر متروك لبكين إذا «أرادت أن تضطلع بدور المفسد»، بدلاً من ذلك. إلى ذلك، لم يتأكد بعد إذا كانت قمة نيودلهي ستشهد لقاء بين بايدن وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الذي يمثل السعودية في القمة.
مشاركة :