طالب أعضاء البرلمان الأوروبي بتقديم مزيد من التفاصيل حول الاتفاق المبدئي، الذي جرى الإعلان عنه بين الاتحاد الأوروبي وتركيا خلال القمة الأخيرة في بروكسل حول التعاون بين الجانبين في مواجهة أزمة الهجرة واللاجئين. وأكد قادة المجموعات السياسية والأعضاء خلال جلسة نقاش جرت أمس، على ضرورة احترام القواعد الدولية للجوء، وشددوا على ضرورة عدم الربط بين ملف اللاجئين، وملف المفاوضات التي تجرى منذ فترة بين أنقرة والاتحاد الأوروبي حول حصولها على عضوية التكتل الأوروبي الموحد، وأيضا المفاوضات التي بدأت مؤخرا بشأن إمكانية تحرير تأشيرات دخول الاتحاد بالنسبة للأتراك. وشهدت جلسة النقاش في ستراسبورغ، التي حضرها أعضاء المفوضية الأوروبية ومسؤولون من هولندا باعتبارها رئيسة الدورة الحالية للاتحاد، مناقشة ملف تهديد حرية الصحافة والإعلام في تركيا، وذلك في أعقاب الاستيلاء على مقر صحيفة «زمان»، وكذلك معاملة تركيا للأقليات الكردية. كما أثير أيضا موضوع استعراض التحضيرات الجارية للقمة المقررة 17 و18 مارس (آذار) الحالي في بروكسل، وعلى إثر ذلك تعهد الحزب اليميني «كتلة الفلامان»، الذي يشكل الأغلبية في الحكومة البلجيكية، بعدم السماح بدخول تركيا إلى عضوية الاتحاد الأوروبي، طالما ظل الحزب يتزعم الحكومة، إذ نقل الإعلام البلجيكي عن مارك ديمس ميكر، وزميله ساندر لونيس، وهما من الأعضاء البارزين في الحزب داخل البرلمان الأوروبي، تصريحات تضمنت هجوما على أنقرة عقب القمة الأخيرة بين الاتحاد الأوروبي وتركيا حول ملف أزمة الهجرة واللاجئين، حيث اتهم مارك ديمس تركيا بابتزاز الاتحاد الأوروبي، وقال في هذا السياق إن «المسؤولين الأتراك يحاولون استغلال هذه الفرصة إلى أقصى حد لفترة طويلة جدًا مع الأوروبيين، والذين اتبعوا أسلوب التراخي الذي تنتهجه المستشارة الألمانية ميركل». ومن جانبه، قال البرلماني ساندر إن الزعيمة الألمانية تعتقد أنها وحدها من تستطيع تحديد كل شيء في أوروبا، مشددا على أنه «لا ينبغي أن يتكرر هذا، بل ينبغي علينا أن نفعل ما في وسعنا لضمان أن تظل أوروبا المسؤولة عن مصيرها وألا تعتمد على تركيا». كما أوضح البرلمانيان أن تركيا لا تنتمي إلى الاتحاد الأوروبي، وأنها هي التي اختارت أن تكون ضمن «المعسكر الأوروبي الشرقي السلطوي، الذي يقيد أي حرية مدنية»، على حد تعبيرهما. وخلال النقاش داخل المؤسسة التشريعية الأعلى بالاتحاد أمس، تعرضت المفوضية الأوروبية والمجلس الوزاري لوابل من الانتقادات اللاذعة، وجهها لهما النواب الأوروبيون من مختلف التيارات والمجموعات، حيث اتفقت كافة المجموعات، رغم توجهاتها المختلفة، على أن هذا الاتفاق يعقد المشكلة، ولا يشكل حلاً فعالاً لأزمة الهجرة، التي تهز أركان الاتحاد الأوروبي، كما شككت مجموعة من المحافظين في القاعدة القانونية لهذا الاتفاق وفي مدى توافقه مع المعايير الدولية، خاصة عندما يتعلق الأمر بمقايضة اللاجئين، وتساءل عدد من أعضاء الاتحاد: «كيف يمكن التعهد بتحرير تأشيرات الدخول للمواطنين الأتراك دون التفكير بالنتائج». كما تطرقت المجموعة أيضًا إلى مسألة طلب تركيا المزيد من الأموال، مؤكدة أن الحل الأمثل يكمن في استخدام هذه الأموال لتحسين آليات استقبال اللاجئين داخل أوروبا، وإعادة من لا يستحق منهم الحماية الدولية، بدل منح الأموال لتركيا. كما أعرب جل المشاركين في الجلسة عن شكوكهم الحقيقية بجدية ومصداقية الحكومة التركية، خاصة في ظل نزوعها في الفترة الأخيرة نحو مزيد من التسلط ومصادرة الحريات داخل البلاد. وكان غي فيرهوفشتات، رئيس مجموعة التحالف الليبرالي الديمقراطي في بلجيكا، أكثر حدة في انتقاداته، حينما قال إن «ما حدث هو أن أوروبا تصدر مشكلاتها للخارج وتعطي مفاتيحها للأتراك، أحفاد العثمانيين»، ورغم أن فيرهوفشتات أقر بضرورة التوصل إلى توافقات وتفاهمات مع تركيا، لكنه رفض ما اعتبره تدابير مناقضة لميثاق جنيف، لافتًا النظر إلى أن أنقرة لم تصادق على كافة بروتوكولات هذا الميثاق. ورفض البرلماني الأوروبي بشكل كامل الاتفاق، باعتباره يعطي حق القرار لتركيا، الدولة التي تبتعد يومًا بعد يوم عن المعايير الديمقراطية، حسب رأيهم، في التحكم بالقرار الأوروبي، مطالبا رئيس الاتحاد الأوروبي دونالد تاسك، بالبحث عن حلول أوروبية صرفة، وليس العمل على اجتراح أمور تساهم في تعقيد المسائل. أما رئيس مجموعة الخضر فيليب لامبرت (بلجيكا)، فقد وصف ما حدث بـ«الإفلاس الأخلاقي التام لأوروبا»، وقال إنه «بدل انتقاد الأتراك على ممارساتهم فإننا نفرش لهم السجاد الأحمر ونسلمهم مصيرنا»، وناشد قادة الدول والمفوضية الأوروبية لتحرك للبحث عن حل أوروبي يتوافق مع قيم الاتحاد، ولفت النظر إلى أن تركيا تعيش حاليًا عزلة سياسية واقتصادية، ويجب التفاوض معها من منطق القوة وليس الضعف. هذا ومن المقرر أن يعود زعماء ورؤساء حكومات الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لمناقشة الاتفاق مع تركيا، وتقديم مزيد من التفصيلات بشأنه خلال القمة القادمة المقررة في الـ17 من الشهر الحالي في بروكسل. وعلى صعيد متصل، ذكرت سلوفينيا أمس أنها ستسمح فقط للمسافرين بشكل منتظم بالمرور عبر حدودها، بينما ستمنع المهاجرين بشكل كامل ورسمي من الدخول، لتطلق موجة من التحركات المشابهة من دول أخرى على طول طريق الهجرة الرئيسي من الشرق الأوسط إلى أوروبا. فيما لا تزال حدود سلوفينيا على الطرق السريعة والطرق والمطارات مفتوحة، لكن فقط للأشخاص المسموح لهم بالمرور بشكل منتظم عبر منطقة شنجن الخالية من تأشيرات الدخول. وقال رئيس الوزراء ميرو سيرار للتلفزيون الرسمي مساء أول من أمس إن «الهدف تحديدا هو استعادة عمل نظام شنجن بشكل كامل ووقف بناء الحدود داخل منطقة شنغن»، مضيفا أن البلاد ستسمح فقط بعدد يتراوح ما بين 40 و50 طالب لجوء شهريا بالدخول عبر برنامج لإعادة توطين لاجئ الاتحاد الأوروبي لحين الوصول بإجمالي هذا العدد إلى 567 شخصا في البلاد. وأثار الإجراء سلسلة من ردود الفعل في كرواتيا وصربيا ومقدونيا، وجميعها أغلقت الآن بشكل رسمي حدودها أمام تدفق المهاجرين، مما ترك عشرات الآلاف من الأشخاص وقد تقطعت بهم السبل في اليونان، حيث يدخل معظم اللاجئين الاتحاد الأوروبي لمواصلة رحلتهم إلى الدول الغنية بشمال أوروبا.
مشاركة :