بغداد – تبدو بصمات الحرس الثوري الإيراني واضحة على "لواء شمال بغداد" الذي أعلنت هيئة الحشد الشعبي، تشكيله قبل أيام ويرتبط بأمانة السرّ العام ويضم منطقة واسعة من الطارمية إلى حدود محافظة سامراء بطول 100 كيلومتر. ويرى متابعون أن هذا التشكيل هو أحد نتائج زيارة قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني الجنرال إسماعيل قاآني الشهر الماضي، إلى بغداد وكان على جدول زيارته مناقشة التحالفات الانتخابية وسط مخاوف إيران من تشتت الأحزاب الشيعية الموالية لها بسبب الخلافات والمحاصصات قبل انتخابات مجالس المحافظات والتي تعتبر مفصلية في سياقات الهيمنة والنفوذ وتحدد كذلك حظوظ القوى السياسية في الانتخابات التشريعية القادمة. ويتجلى النفوذ الإيراني خصوصاً في الروابط الوثيقة التي تجمع طهران مع الحشد الشعبي وهو تحالف فصائل شيعية مسلحة ضمّت إلى القوات الرسمية بعد الحرب ضدّ تنظيم الدولة الاسلامية وبات لها الآن دور سياسي أساسي. ووفق استراتيجية الحرس الثوري الإيراني التي اعتمدها قائد فيلق القدس السابق الجنرال قاسم سليماني في العراق فإن تشكيل فصائل وألوية جديدة تابعة للحشد هو وسيلة لتوسيع النفوذ العسكري ويعتبر أبو مهدي المهندس الذي قُتل إلى جانب سليماني، الأب الروحي لمعظم الفصائل العراقية المسلحة. ومع وجود شخصية موالية لإيران على رأس الدولة، فإنها لن تتوانى باستغلال الفرصة وتوسيع نفوذها عبر ذراعها العسكري المتمثل بالحشد الشعبي. إذ أن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني أمضى فترة طويلة من حياته السياسية في ظل نوري المالكي، رئيس الوزراء الأسبق المقرب من طهران. وتعتبر هذه الخطوة الثانية للسوداني في تشكيل كتائب جديدة للحشد الشعبي في مناطق مختلفة من البلاد، رغم أنه سبق أن وعد بطرد المجموعات المسلحة من مراكز المدن عندما شكل حكومته. ونقلت شبكة "إيران انترناشيونال" عن قائد في الحشد الشعبي قوله أن "لواء شمال بغداد" تنظيم جديد من حيث العتاد والقيادة، وتتواجد فيه فصائل مسلحة مثل حركة النجباء وكتائب حزب الله. وكان فالح فياض، قائد الحشد الشعبي، قد أعلن في مؤتمر صحافي في يونيو الماضي أن هذه المجموعة العسكرية تظل منظمة عسكرية وأمنية جهادية، لكنها تطيع أوامر القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أي رئيس الوزراء. كما أعلن أن الحشد الشعبي ينفصل عن الفصائل المسلحة التي تشكل العمود الفقري لقواته. لكن التقارير تفيد أن قوات الحشد الشعبي حصلت مؤخرًا على مركبات مدرعة جديدة وطائرات مسيرة وأسلحة روسية. وتُشكل الجماعات المسلحة الشيعية التي تدعمها إيران، مثل منظمة بدر وعصائب أهل الحق وكتائب حزب الله، العمود الفقري لقوات الحشد الشعبي. ويربط متابعون توقيت تشكيل هذا اللواء مع إجراء الانتخابات المحلية في 18 كانون الأول ديسمبر والتي تشارك فيها أيضا فصائل سياسية مسلحة بأكثر من 20 قائمة، وأبرزها المرتبطة بميليشيات "عصائب أهل الحق". ويقول هؤلاء إن تشكيل ألوية جديدة للحشد الشعبي وتأسيس مجموعاته المسلحة في "مناطق آمنة ومستقرة" مثل شمال بغداد "أمر مقلق للغاية". وفي إشارة إلى المخاوف من تمدد قوات الحشد الشعبي شمال العاصمة العراقية، قال حسن الجبوري عضو الائتلاف الحاكم، في تصريحات صحفية إن هذا القلق يتعلق بـ"تأثير الأسلحة على إرادة الناخبين". مضيفا إن هذا الأمر "كان له تأثير كبير على الانتخابات الأخيرة للبرلمان العراقي"، ولا أحد يريد أن تتكرر هذه التجربة في انتخابات مجالس المحافظات. وتكتسب انتخابات المجالس المحلية المقبلة، أهميتها في الحياة السياسية العراقية من كون نتائجها ستحدد حصة الأحزاب والقوى السياسية من المجالس المحلية التي تلعب دوراً واسعاً في التشريع والرقابة داخل المحافظات، بالإضافة إلى أنها لا ترتبط ولا تخضع في عملها لأي جهة وزارية، وتتمتع إلى جانب ذلك بصلاحيات إدارية كبيرة. وتعتبر هذه الانتخابات في حد ذاتها مؤشراً قوياً على طبيعة التفاعلات بين القوى السياسية التي ستخوض الانتخابات البرلمانية المبكرة المحتمل إجراؤها خلال عام من تاريخ تولي السوداني رئاسة الوزراء في أكتوبر 2022، وذلك وفقاً لما تعهد به السوداني نفسه. وتخشى طهران أن تؤثر الخلافات بين بعض قوى الإطار التنسيقي على تماسك الإطار الذي يعد الغطاء السياسي لرئيس الوزراء، فقد أعلن في أغسطس أنه سيشارك بقوائم متعددة في الانتخابات المحلية وهو ما يؤكد عمق الخلاف داخل التحالف، وعدم قدرته على خوض أول تجربة انتخابية منذ تشكيله في أكتوبر من العام الماضي 2022، موحدا. وتشكل تحالف "الإطار التنسيقي" عقب الانتخابات البرلمانية التي جرت في أكتوبر 2021 وفاز بها "التيار الصدري"، إذ دفع فوز هذا الأخير القوى الحليفة لإيران إلى تشكيل إطار موحد لمنافسته، وما إن انسحب التيار من العملية السياسية، حتى أصبح "الإطار التنسيقي" الكتلة الكبرى برلمانياً بحصوله على 130 مقعدا برلمانيا من أصل 329 مكنته من تشكيل الحكومة. وضم تحالف "الإطار التنسيقي" قوى ائتلاف "دولة القانون" بزعامة نوري المالكي، وتحالف "الفتح" بزعامة هادي العامري، وتحالف "قوى الدولة" بزعامة عمار الحكيم، وكتل "عطاء"، وحركة "حقوق"، وحزب الفضيلة، وغيرها. وفي تقرير حديث، قال موقع "ميدل إيست آي" إن المرشد الإيراني علي خامنئي، عبر عن دعمه لفالح فياض، ونصحه بفصل الجماعات المسلحة عن الحشد الشعبي وربط هذه التنظيمات بالحكومة. وأطلقت هيئة الحشد الشعبي عملية أمنية واسعة في جزيرة العيث في محافظة صلاح الدين شمال بغداد. ونقلت وكالة الأنباء العراقية عن الهيئة، أنّ "قوات من قيادة عمليات كركوك وشرق دجلة في الحشد الشعبي متمثّلة بالألوية: التاسع، والثاني والعشرين، والثامن والثمانين، والثاني والخمسين، شرعت بعملية أمنية واسعة في جزيرة العيث في محافظة صلاح الدين". وتشير هذه التحركات للحشد الشعبي أن هذه المنظمة المدعومة من الحكومة تعمل على توسيع نفوذها، وإثبات حضورها خلال الانتخابات القادمة. وحددت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، 13 سبتمبر، موعداً لإجراء قرعة أرقام المرشحين من التحالف والأحزاب السياسية والمرشحين الأفراد لانتخابات مجالس المحافظات. وقالت جمانة الغلاي، المتحدثة باسم مفوضية الانتخابات أن المفوضية "أرسلت بيانات المرشحين الأفراد البالغة 70 مرشح فرد، منها أكثر من 20 مرشح للمقاعد العامة والبقية لمقاعد المكونات، إلى جهات التحقق من أجل النظر في أهلية المرشح"، مبينة أنهم بانتظار ورود الإجابة. وبحسب القانون الجديد الخاص بانتخابات مجلس النواب العراقي ومجالس المحافظات، فإن مجالس المحافظات العراقية تتكون من 285 مقعدا، منها 10 مقاعد ستخصص للطوائف. ويجري حديث داخل الأوساط السياسي عن إمكانية تأجيل الانتخابات، وحذر الخبير في الشأن القانوني، أمير الدعمي، الجمعة من الذهاب نحو تأجيل انتخابات مجالس المحافظات. وقال الدعمي، "الذهاب نحو تأجيل انتخابات مجالس المحافظات أصبح أمرًا واردًا جدًا ومحتومًا، لا سيما في ظل وجود خلل قانوني في قانون الانتخابات الذي شرعه مجلس النواب مؤخرًا". وبيّن أن "المحكمة الاتحادية العليا، أصدرت خلال الأيام الماضية مجموعة من القرارات التي تتعلق بتعديل وإضافة بعض المواد في قانون الانتخابات، وأصبح تعديل هذا القانون واجب، وبخلافه لا يمكن إجراء الانتخابات". وعلى هذا الأساس، أكد أن"مجلس النواب العراقي مطالب بإجراء هذه التعديلات بأسرع وقت، كي لا يكون هناك تأجيل للانتخابات بسبب ذلك الخلل القانوني". ويضاف إلى الحديث عن احتمالية تأجيل الانتخابات المحلية إثر وجود خلل قانوني، الأحداث الأخيرة في كركوك التي قد تؤثر على سير الانتخابات. وشهدت كركوك أحداث عنف على خلفية تظاهرات كردية مضادة لاعتصام عرب المحافظة أمام مقر العمليات المشتركة وقطع طريق كركوك- اربيل، رفضا لتسليم المقر إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني، وتسببت أحداث العنف بمقتل 4 أشخاص على الأقل وإصابة 15 شخصا.
مشاركة :