قضية قتلت بحثاً، ومازالت تداعياتها وأسبابها قائمة دون حلول مجدية، في البدء كان الحديث عن الأسباب التي تؤدي لتسرب الكوادر التمريضية، بل والطبية من وظائفهم، إما إلى وظائف إدارية داخل المستشفيات والمستوصفات والمراكز الطبية المتخصصة، أو ترك هذا المجال والبحث عن وظائف أخرى لا تمت لتلك المهن بعلاقة. قبل الخوض في مشكلة التسرب من جانب الأطباء والممرضين، يجب أن نسلّم جدلاً بأن من بدأ المشكلة هي المستشفيات نفسها، وليس الأفراد، حيث تحوّل عدد من الممرضين والممرضات إلى أقسام لا تتعلق بالتمريض، من خلال استعانة بعض المديريات والتجمعات الصحية والمستشفيات بالتمريض للقيام بأعمال إدارية وإشغالهم بغير التخصص المهني؛ لوجود عجز وظيفي في التخصصات الإدارية من جانب، أو لعدم كفاءة تلك الفئة مهنياً، فيتم نقلهم إلى أعمال إدارية، تجنباً لعدم فصلهم من وظائفهم، كما أن النقص في الكوادر المتخصصة بالتواصل التفاعلي في المنشآت الصحية، جعل إدارة المستشفيات تقوم بتكليف عدد من العاملين في التمريض بالاتصال التفاعلي، ومن ثم تكليفهم بأعمال التثقيف الصحي، والجودة، وتجربة المريض، والمختبر، والإحصاء، وغير ذلك من المهام الوظيفية، هذا جانب. نأتي للنقاط المحورية في القضية وتتمثل في عدم المساواة والعدل الوظيفي بين الممرضين، إضافة لضغط العمل وبيئة العمل غير المشجعة، إضافة لتزايد عدد المرضى بشكل يومي مقارنة بأعداد الممرضين والممرضات، وكذلك ساعات الدوام الطويلة والمجهدة التي تساهم في تسرب الكفاءات من القطاعين العام والخاص، إلى جانب أهم عنصر وهو العائد المادي الزهيد للممرضين والممرضات مقارنة بالمهمات الموكلة إليهم، والنقطة الأكثر حساسية وهي الضغوط الاجتماعية على الممرضات والكوادر الطبية النسائية بعد زواجهن، كطلب الزوج انتقالها للعمل بالتمريض في قسم النساء والولادة للحد من تعاملهن المباشر مع الرجال، إضافة إلى التعامل غير اللائق من المرافقين مع الممرضات والكوادر الطبية، والنظر إليهم بنظرة غير منصفة، إذ يظن الكثيرون أن من مهام الممرضة الاعتناء بنظافة المريض، بينما تعد هذه المهمات مسؤولية قسم الرعاية بكل مستشفى. وتظل تلك القضية عالقة دون حلول موضوعية، رغم النقاشات وورش العمل والاجتماعات والقرارات، وتحسن العوائد المالية إلى حد ما، وأرى أن من الحلول التي قد تساهم جزئياً في حل هذه المعضلة، العمل على إضافة الممرضين على درجة الصيادلة والأطباء نفسها في سلم الرواتب والأجور والمكافآت، وارتباط ذلك بما يقدمونه لحالات المرضى المستعصية ومدى الإنجاز في أعمالهم.. وكذلك إعادة النظر في دعم تعليم قطاع التمريض واستيعاب أعداد أكبر في الجامعات في أقسام التمريض، مع التأهيل النفسي الذي يتناسب وطبيعة المهنة والتعامل المجتمعي معها، مع وجود برامج توعوية للمجتمع، تركز على الدور الحيوي المشكور الذي يقوم به أبناء هذه المهن لإنقاذ حياة البشر، دون أن نغفل ضرورة رفع المستوى التعليمي لكثير من الممارسين في قطاع التمريض والتثقيف المهني، إذ إن كثيراً من الممرضين والممرضات يحملون شهادة الدبلوم فقط، ومن الضروري مساعدتهم لرفع المستوى التعليمي والحصول على البكالوريوس، والحصول على دورات تدريبية تناسب تخصصاتهم، مع تقديم نوعيات من المكافآت التي تعبر عن الامتنان لما يقومون به من أعمال جليلة لبلدهم.
مشاركة :