هل يمكن أن تتحول ألعاب الفيديو إلى إدمان؟

  • 9/10/2023
  • 18:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

  من المتوقع أن تقترب العائدات السنوية لمجال صناعة الألعاب من النصف تريليون دولار بحلول عام 2027. وبشكل عام، فإن ألعاب الفيديو تنتشر بين الجميع كما النار في الهشيم، وتتضارب الآراء حولها بين مؤيدٍ ومعارض، ولكلٍ وجهة نظر مختلفة تستند إلى أدلة وأبحاث علمية. في عام 2018 فاجأتنا منظمة الصحة العالمية بإدراج ما يُسمى بمرض "اضطراب الألعاب Gaming Disorder" في النسخة الحادية عشرة من دليلها الدوري للتصنيف العالمي للأمراض "ICD-11". ولمن لا يعرف، فالدليل العالمي للأمراض هو تصنيف طبي دولي يضم بداخله قائمة بجميع الأمراض، والمشكلات الصحية التي تحتاج إلى تدخلٍ علاجي. أحبط الخبر كثيرين ممن كانوا يعتقدون أن ألعاب الفيديو لا يُمكن أن تُدمَن، وأن وصف آبائنا وأمهاتنا للألعاب بالإدمان هو مجرد مبالغةٍ وليست حقيقة طبية، كما هو الحال مع إدمان المواد المُخدرة مثلًا. وبحسب ما جاء بهذا الدليل، فإن الأشخاص المصابين بمرض اضطراب الألعاب يعانون صعوبات كبيرة إذا ما حاولوا الحد من وقت اللعب -كما هو متوقع- بغض النظر عن المنصة التي يستخدمونها، سواء كانت كونسول مثل البلايستيشن، أو الإكس بوكس، أو حاسوب شخصي، أو حتى هاتفًا محمولاً، ناهيك بأنهم يُنصّبون الألعاب على قائمة أولوياتهم وأنشطتهم المختلفة. ولم تُصنّف منظمة الصحة العالمية مشكلة إدمان الألعاب على أنها مرضٌ ذهني، إلّا بعد استشارة الخبراء، وتزعم المنظمة أن هذه الخطوة ستسلط الضوء على ما تسببه الألعاب من مشكلات صحية، ومن ثم ستٌسهم في علاجها.   بحسب منظمة الصحة العالمية، يجب أن يظهر على المُصاب بمرض اضطراب الألعاب الأعراض التالية لمدة لا تقل عن عامٍ كامل وهي: صعوبة التحكم في "عادات اللعب"؛ ويُقصد بها صعوبة التحكم في الأوقات التي يقضيها الشخص مع ألعاب الفيديو. الاستمرار في اللعب حتى مع معرفة ما يترتب عليها من عواقب. وضع الألعاب أولويةً أولى؛ فوق كل الاهتمامات والأنشطة الأخرى.   أن تكون الأعراض السابقة شديدة بالدرجة التي تؤثر على الحياة الأسرية، والشخصية، والاجتماعية للمريض، فضلًا عن حياته العلمية والعملية. ووفقًا لبعض الدراسات، مثل هذه الدراسة، فإن إدمان الألعاب قد يكون مصحوبًا باضطرابات أخرى مثل القلق والاكتئاب. كما أن الجمعية الأمريكية للطب النفسي "APA" قد أدرجت مرضًا مُشابهًا في نسختها الخامسة من الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية "DSM-5"، وهذا المرض يُسمى "اضطراب الألعاب عبر الإنترنت" أو Internet Gaming Disorder IGD، ولكنها سُرعان ما تراجعت عن هذه الخطوة، والآن لا تعترف بأن إدمان الألعاب يُعَد مرضًا، ومن هنا ننتقل إلى الوجه الآخر من مقالتنا؛ الوجه الذي ينقسم إلى جزأين أولهما يتحدث عن فوائد الألعاب، والجزء الأخير الذي من شأنه أن يعطيك صورةً كاملة عن ألعاب الفيديو ما بين فوائدها وأضرارها. اقرأ أيضًا:لعبة «جاكارو».. عالم ساحر من التنافس الشائق والممتع مثلها مثل بقية وسائل الترفيه، تُعرَف ألعاب الفيديو بوجهيها الحسن والقبيح. وعلى عكس الاعتقاد السائد بأن الألعاب ليست سوى مضيعة للوقت، ولا يمكن أن تفيدك بشيء، بل ستضرك، تأتي أبحاثٌ علمية كثيرة لتؤكد أن هذه الادعاءات ليست صحيحةً بالضرورة، وأن ألعاب الفيديو أحيانًا ما تكون مُفيدة على مختلف الأصعدة، ولكن بشرط استهلاكها بقدرٍ معقول كما نعرف جميعًا. يظن الكثير من الآباء والأمهات أن ألعاب الفيديو تتسبب في عزلة الأطفال والكبار عن المجتمع والعالم الخارجي، والحقيقة أن الألعاب قد تكون مدخلك إلى الانخراط مع الآخرين، لا سيّما وإن كان تصنيفها يندرج تحت مظلة "الألعاب الجماعية" Multiplayer Games، أو "ألعاب الأونلاين" Online Games التي تتطلب من اللاعبين أن يتعاونوا مع بعضهم، الأمر فقط يعتمد على تصنيف اللعبة مثلما تُشير هذه الدراسة. أيضًا تُمثل ألعاب الفيديو مُتنفَّسًا يمكن للاعبين من خلاله أن يُعبروا عن ذواتهم ويشعروا بفضله أنهم مميزون، وهذا يحدث تحديدًا في ألعاب "تقمص الأدوار" Role Playing Games (RPG)، مثل لعبة The Witcher 3: Wild Hunt، والألعاب التي تتيح لك تخصيص الشخصيات مثل The Elder Scrolls V: Skyrim، ما يؤكد على دور ألعاب الفيديو في تعزيز الجانب الاجتماعي. لا يوجد تعريف موحد وشامل للذكاء، فهذا المفهوم معقد للغاية وله أكثر من صورة؛ فهناك الذكاء العاطفي، والذكاء اللغوي، والذكاء الحسابي، ولكن، إذا اعتبرنا أن المهارات الإدراكية تندرج تحت مظلة مفهوم الذكاء، وهي كذلك بالفعل، فيمكننا أن نقول إن لألعاب الفيديو تأثيرًا إيجابيًّا واضحًا، أو على الأقل هذا ما تزعمه بعض الدراسات. ووفقًا لهذه الدراسة، والمنشورة في المجلة الأمريكية لعلم النفس APA، فإن الباحثين قد اطلعوا على 20 دراسة مختلفة، منذ عام 1986 وحتى 2013، وقد قارنت بين 474 شخصًا ممن لعبوا ألعاب الفيديو و 439 شخصًا ممن لم يفعلوا ذلك، لتأتي النتائج في صالح المجموعة الأولى؛ إذ أظهرت تلك المجموعة نتائج إيجابية على مستوى المهارات الإدراكية بما في ذلك وقت رد الفعل Reaction Time (RT) والانتباه. وأخيرًا، وبحسب هذه الدراسة، يمكن لألعاب التصويب من المنظور الأول FPS، مثل Call of Duty، أو للألعاب الاستراتيجية مثل Warcraft، أن تُحسن من إدراكك وتجعلك تتحكم بدرجة أكبر في انتباهك، بل تساعدك على اتخاذ القرارات، وكل هذه الأمور تندرج أيضًا تحت مظلة الذكاء. اقرأ أيضًا:ما تريد معرفته عن لعبة هاي داي وطريقة زيادة أموالك بها تشير هذه الدراسة إلى أن ألعاب الفيديو يمكنها أن تساعدك على التغلب على الإرهاق بشكل واضح، خصوصًا لو كانت تتمتع برسومات عالية وبيئات تُساعدك على الانغماس بها، وعلى الرغم من بداهة هذه الفائدة، فإنَّ الكثيرين يغفلون عنها، بل لن يشعروا بها إلّا إذا جرّبوا الانخراط في قصة، أو بيئة لعبة شيقة ما مثل God of War أو Red Dead Redemption 2 أو غيرهما من الألعاب العظيمة، وإذا كنت من مُحبي الألعاب الهادئة والمُريحة، فعليك بلعبة Abzu. وعلى قدر بداهة الأسطر السابقة، دعنا نصدمك بهذا المقال الذي يتحدث عن دراسة أجراها بروفيسور بجامعة Texas A&M الدولية. وفي تلك الدراسة، توصل البروفيسور "كريستوفر ج. فيرغسون" إلى نتيجة صادمة مفادها أن الألعاب العنيفة، مثل GTA وCall of Duty، قد تساعد البالغين، سواء من الذكور أو الإناث، في التغلب على ضغوطاتهم؛ إذ تكون هذه الألعاب بمثابة المتنفس أمام اللاعبين.   أولًا، لم تُصنف منظمة الصحة العالمية ألعاب الفيديو في حد ذاتها على أنها اضطراب عقلي، ولكنها صنّفت إدمان هذه المواد الترفيهية، وهذا شيء منطقي للغاية؛ فالشيء إذا زاد عن حده، انقلب ضده كما يقول المثل الشهير. ثانيًا، بحسب العديد من التقارير، فإن نسبة المصابين بمرض اضطراب الألعاب Gaming Disorder تتراوح ما بين 1 إلى 10% من إجمالي اللاعبين، وهذه نسبة ضئيلة، ناهيك بأن نسبة المصابين بمرض "اضطراب الألعاب عبر الإنترنت" IGD تتراوح ما بين 0.3 إلى 1% فقط من اللاعبين، أي إن النسبة تكاد تكون منعدمة. ثالثًا، وعلى ذكر مرض "اضطراب الألعاب عبر الإنترنت"، فإن تراجع الجمعية الأمريكية للطب النفسي عن اعتباره مرضًا ذهنيًا يُعزز من موقف الألعاب بشكل عام. أما رابعًا وأخيرًا، لكي تُصاب بمرض اضطراب الألعاب، يجب أن تظهر عليك الأعراض التي أوردتها منظمة الصحة العالمية والتي تحدثنا عنها بالأعلى لمدة لا تقل عن سنة كما ذكرنا، وهذا - لحسن الحظ - من الصعب أن يحدث. في النهاية، إذا كنت تحب ألعاب الفيديو ولا تستطيع التوقف عن لعبها، فلا تقلق؛ أنت لست بخطرٍ ما دمت لا تُعاني الأعراض المذكورة، وما دُمت تلعب من باب الترويح عن النفس وفي نطاق معتدل من الوقت.  كل ما تحتاج إليه هو أن تعي أن لهذه الوسيلة الترفيهية مساوئ وفوائد مثل كل شيء آخر تقريبًا. ننصحك أن تلعب بذكاء وتحاول استخلاص الفوائد المذكورة - وغيرها - من الألعاب وذلك بالتركيز على نوعية وجودة العناوين التي تختارها، ومرة أخرى وأخيرة، على وقت اللعب.

مشاركة :