لسنا في هذا المقال بصدد الحديث عن نظرية ارتباط الإبداع بالمعاناة، واختلاف النقاد حولها بين مؤيد ومعارض، ولكن يدور حديثنا هنا حول اجتماع الأمرين معًا في حياة الفنان التشكيلي الجزائري المبدع شمس الدين بلعربي، الشهير بـ”شمسو”، الذي استطاع أن ينطلق من معاناته ليحتل مكانه الجدير به بين كبار مبدعي الفن التشكيلي في العالم، حتى تفوق على عمالقة الطباعة الإلكترونية، مثبتًا بالفعل أن الإنسان الذي خلقه الله تعالى هو أٌقدر على الإبداع من الآلة الصماء التي صنعها البشر. وقصة الفنان المبدع شمس الدين بلعربي تكشف مدى الظلم الذي يلاقيه المبدعون في الدول العربية والإسلامية، التي من المفترض أنها تعيش في ظل شريعة الإسلام، التي تأمر بإكرام العلم والعلماء، وتنمية المواهب الجادة ورعاية أصحابها، حتى يتمكنوا من أداء دورهم في النهوض بمجتمعاتهم، كما تكشف أيضًا في الوقت ذاته عن اهتمام الغَرْب بتلك المواهب ورعايتها والنهوض بها وتكريمها. نشأ شمس الدين بلعربي في أسرة جزائرية فقيرة، فلم يتمكن من إتمام تعليمه، وبالرغم من أن معلميه في المرحلة الابتدائية قد رأوا موهبته الفذة وشهدوا بها، فإن ذلك لم يدفعهم إلى رعايته والاهتمام بموهبته، ومخاطبة المسؤولين لتوفير ما يساعده في تنمية موهبته والإفادة منها، بل تركوه يتسرب من التعليم ليبحث عن عملٍ يقتات منه هو وأسرته الفقيرة، ولما حاول الفنان المبدع استغلال موهبته في كسب العيش، تعرض في بلده للاستغلال والعمل دون أجر. وهذا كله لم يثنِ الفنان العبقري عن المضيِّ قُدمًا في طريقه، بل دفعه إلى تصحيح مساره، حيث اتجه إلى مراسلة شركات الإنتاج السينمائي برسوماته التي لاقت قبولهم وترحابهم واعترافهم بأنها أفضل كثيرًا من الملصقات والأفيشات الإلكترونية، ولأن العمل الجيد والإبداع الراقي لا بد أن يجد من يقدِّره، فقد وجدت أعمال بلْعربي طريقها إلى الظهور واشتهرت في عدد من الدول حتى وصلت إلى هوليود، وبذلك أصبح بلعربي فنانًا تشكيليًّا عالميًّا، في زمن الطباعة الإلكترونية، التي تفوَّق بلعربي عليها، ولم يستطع عمالقتها الصمود أمامه، ووجد بلعربي مكانه في القاموس العالمي للسينما IMDB وهو إنجاز مشرِّف للسينما العربية عمومًا، والجزائرية بصفة خاصة، وفي الوقت ذاته تحمل إنجازات “شمسو” رسالة واضحة إلى الدول العربية والإسلامية -التي سمحت لنفسها أن تسمَّى “دول العالم الثالث” أو “الدول النامية”- بأن تهتم بمبدعيها وتأخذ بأيديهم وتوفر لهم الرعاية التي يستحقونها، حتى يجدوا في قرارة أنفسهم ما يدفعهم إلى الفخر ببلدانهم، أما أولئك المبدعون أنفسهم فإن الطريق أمامهم مفتوح في كل حال. وفي بداية رحلته إلى العالمية، مرَّ “شمسو” بمصر، وتتلمذ على يد الفنان المصري وليد التلباني، وعاد إلى الجزائر مكافئًا السفارة المصرية هناك بإحدى لوحاته الرائعة، كما أبدع رسومات عديدة حول فلسطين وعروبة القدس، ولوحات أخرى رسم فيها عددًا كبيرًا من الشخصيات الفنية والأدبية والسياسية وغيرهم من نجوم المجتمع المحلي والعربي والعالمي.
مشاركة :