عندما تلبس الأحادية ثوب التعددية

  • 3/11/2016
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

استمع د. رغيد الصلح اكتسب مفهوم التعددية شعبية واسعة قبيل حرب الخليج مقابل مفهوم الأحادية. فالمفهوم الأخير ارتبط بتصميم إدارة جورج بوش على خوض الحرب ضد العراق خارج إطار المؤسسات الدولية الشرعية، أي الأمم المتحدة تحديداً، وحتى ولو أدى ذلك إلى عزلة الولايات المتحدة. واكتسب مفهوم التعددية تأييداً واسعاً، لأن الرأي العام الدولي كان ضد الحرب، ولأنه تصور أن اضطرار إدارة بوش إلى عرض قضية العراق على الأمم المتحدة سوف يؤدي إلى التراجع عنها. ولكن هذا التصور لم يكن في محله، إذ إن واشنطن جورج بوش دخلت الحرب رغم أنها كانت خارج الشرعية الدولية، كما وصفها كوفي عنان الأمين العام السابق لهيئة الأمم المتحدة. فشلت التعددية في التغلب على الأحادية، ولكن الطلب عليها لبث قائماً ومستمراً في المجتمع الدولي كمصل مضاد للآحادية بما تعنيه من أنانية قومية جامحة، ونزوع نحو التسلط والإرغام والعنف في السياسة الدولية. ومن أسباب التمسك بالتعددية أيضاً كونها تنطوي، في الأذهان على الأقل، على احترام للتنوع البشري ورفض للعنصرية والتعصب القومي والطبقي والديني والجندري والجغرافي الذي يسكن عادة الآحادية، ويتحرك وينمو في فيئها. لذلك فإن الرشاد السياسي يملي على زعماء الدول التي تواجه مشكلات معقدة في علاقاتها الدولية، أن تحتكم إلى معيار التعددية وأن تطبق أحكامه لكي تستمد منه مشروعية وتغطية للمواقف التي تتخذها في مجابهة هذه المشكلات. إذ يواجه الزعماء الإيرانيون مثل هذه المشكلات والتعقيدات، وفيما تمر بلادهم بالمنعطفات الحادة، داخلياً وخارجياً، فإنهم يوحون، ومعهم أصحاب الرأي من مناصريهم، إلى الآخرين بأنهم يتبعون هذا الطريق فيراعون إلى أبعد حد ممكن قيم التعددية، ويسعون إلى تكريسها في علاقاتهم الدولية. ففي أعقاب التوقيع على الاتفاق النووي بين الولايات المتحدة وإيران، قيل إن الاتفاق سوف يسهم في نشر وترسيخ التعددية في الشرق الأوسط. ولكن هل تخدم التعددية مصالح النخبة السياسية الإيرانية ومشاريعها، كما خدمت التعددية، مثلاً، الدول الأوروبية التي انخرطت في المشروع الأوروبي؟ فضلاً عن ذلك، هل تخدم التعددية التي يتحدث عنها أهل القرار والرأي في طهران مصالح وتطلعات الدول المجاورة لإيران، حتى تنخرط في جهد صادق ومشترك بغرض تكريسها وتنميتها؟ ينبغي أن نذكر هنا أن التعددية ليست كلها مزايا، بل إنها تحمل في طياتها ثغرات ونقائص. وينبغي أن نذكر أيضاً أن هذه النقائص والسلبيات لا تغيب عن المجتمع الدولي، ولا عن القيادات السياسية المعنية بقضايا العلاقات الدولية، ولا عن الجماعات والمنظمات والهيئات الناشطة على هذا الصعيد. استطراداً، لا يكفي أن تدعو جهة من الجهات إلى تبني التعددية فحسب، وإنما يفترض فيها أن تعمل أيضاً على تبني نموذج سليم منها يخلو من السلبيات التالية: أولاً، إن التعددية قد تكون نقيضاً للآحادية ولكنها في بعض الحالات قد تكون غطاء لها. فعندما تسيطر دولة قوية ومهيمنة على مجموعة من الدول وتجبرها على اتباع سياسة تخدم مصالحها، أي مصلحة الدولة المهيمنة، فإن هذا الحال هو ترتيب آحادي في ثوب تعددي. وكمثال على هذا الحال فإن العلاقات الإيرانية العراقية اليوم لا تقوم على أساس تعددي إذ إن إيران هي الطرف الأقوى. في أحسن الأحوال يمكن القول إن العلاقات الإيرانية العراقية تقوم على أساس ثنائي حيث يفرض القوي خياراته على الطرف الأضعف، وليست على أساس تعددي حيث يمكن لهذا الطرف الأخير أن يدخل في تحالفات تخفف من طغيان القوي وتحقق شيئاً من التوازن داخل المجموعة المعنية. ثانياً، إن التعددية قد تستخدم لشرعنة تكوين تجمعات دولية مؤقتة، أو فئوية على حساب المؤسسات والمنظمات الدولية والإقليمية والشرعية والراسخة. ونجد في مجموعة الستة التي أصبحت اليوم مجموعة العشرين، مثلاً صريحاً على هذه التجمعات. لقد نشأت هذه المجموعة بدعوة من دول الغرب الكبرى عقب حرب أكتوبر والمقاطعة النفطية العربية، وبهدف إلغاء المكاسب التي حققها العرب، ومنع تكرار نموذج الحرب. ثالثاً، إن القرار في هذه التجمعات يكون عادة للأقوى، أي للقوى الكبرى وليس للأكثرية العددية، ولا يخضع لآليات مشروعة ومتفق عليها. تلك هي بعض سلبيات التعدديات إذا ما نشأت خارج الشرعية الدولية والإقليمية، فهل تحمل التعددية التي يتكرر ذكرها على ألسنة الزعماء الإيرانيين مثل هذه السلبيات، أم يطغي عليها الطابع الإيجابي؟ إن بعض أصحاب الرأي الإيرانيين يستبشرون خيراً بالتطورات التي تمر بها إيران، لأنها سوف تدخل التعددية إلى المنطقة فتفسح المجال أمام نشوء معادلات إقليمية جديدة، وتسمح لطهران بالاضطلاع بدورها الإقليمي الكامل. أما طرفا المعادلات الجديدة، كما تتمنى طهران فهما الولايات المتحدة وإيران بالدرجة الأولى. في ضوء هذا الترتيب تمسك الدولتان بملفات المنطقة الرئيسية، وتعملان على توجيه جهود الأطراف الأخرى، خاصة العربية، نحو توفير الحلول للمشكلات الإقليمية الكبرى. ومن السهل الاستنتاج هنا أن داخل النخبة الحاكمة الإيرانية من لا يرتاح إلى المعادلات الإقليمية القديمة التي كانت تضع مفاتيح المنطقة بيد القيادات العربية والتي كانت تحول دون اضطلاع طهران بدورها الإقليمي، أي المهيمن على الإقليم. إن المقصود بالمعادلات الإقليمية القديمة هو النظام الإقليمي العربي. وإيران اليوم هي مثل أي دولة طامحة إلى الهيمنة على المنطقة العربية، تجد في النظام الإقليمي العربي، حتى ولو كان في اضعف حالاته، حاجزاً أمام مشاريع الهيمنة، سواء جاءت هذه المشاريع من منشأ دولي أو إقليمي. من هذه الزاوية، وبهذا المعيار فإن التصميم الإيراني على إطاحة البيت العربي، لا يقل عن اندفاع أي طرف دولي أو إقليمي لتحقيق هذا الهدف. إن لإيران مع هذا البيت مشكلتين. الأولى هي أنه عربي، فهو يقتصر على الدول العربية. الثانية، هي ليست افتقاره إلى التعددية، وإنما على العكس من ذلك، أي أنه نظام تعددي. إنه يضم دولاً أعضاء تمتلك مقومات القوى الإقليمية الرئيسية ومع هذه الدول لا تستطيع إيران أن تكون هي القاطرة المسيرة للقطار. إذا كانت إيران حقاً تسعى إلى تطبيق التعددية فلتفعل ذلك في إطار منظمة التعاون الاقتصادي التي تضم تركيا، الباكستان، أفغانستان، جمهوريات آسيا الوسطى، فضلاً عن إيران. إن طهران هي مقر الأمانة العامة للمنظمة وهي مركز ومرتكز نشاطها. ولكن إذا أرادت إيران أن تمارس نمط تعدديتها الآحادية في الحقيقة داخل هذه المنظمة فسوف تصطدم بمعارضة شديدة من قبل تركيا والباكستان على الأقل، بالمقارنة فإن تسويق التعددية الإيرانية سوف يكون أسهل بكثير في المنطقة العربية الملأى بحطام وبقايا دول رئيسية وقوى إقليمية غابرة. raghidelsolh@yahoo.com

مشاركة :