استضافت مؤسسة سلطان بن علي العويس مساء أمس الأول معرضاً استعادياً للفنان المصري الدكتور عبدالغفار شديد، قدمت فيه تجربة شديد في الاشتغال على الريف المصري، وحياة المجتمع الصعيدي قبل رحيله إلى ألمانيا، والعمل أستاذاً لتاريخ الفن المصري القديم في جامعة ميونخ منذ ثمانينات القرن الماضي. وجمع المعرض الذي افتتحه مدير الفنون الأدائية في هيئة دبي للثقافة والفنون ياسر القرقاوي، أكثر من 50 عملاً توثق تجربة شديد منذ منتصف الخمسينات حتى أوائل الثمانينات من القرن الماضي، حيث خاض تجارب عديدة في توثيق الريف المصري، وأنتج سلسلة من الأعمال التي تنتمي إلى التعبيرية الغنائية في أسلوبها، وتكشف قدرة الفنان على تشكيل هوية بصرية واضحة في بناء أعماله. وعرضت الأعمال جانباً كبيراً من المشروع الذي خاضه شديد خلال مرحلة دراساته الأكاديمية في مراسم الدراسات العليا في الأقصر، حيث مكث فيها ثلاث سنوات متتالية، طرح فيها تجربة فريدة في معالجة اللون، واستلهام روح الشخصية الصعيدية، والامتثال لإيقاع حياتها، إذ يقول في هذا الجانب: كانت تجربة الأقصر واحدة من أغنى التجارب الفنية في حياتي الفنية، حيث كانت الحياة اليومية للمواطن الصعيدي محل رصد، وبحث لدي، فجاءت الكثير من الأعمال أشبه بتوثيق بصري لسيرة الريفي، وطقوس فرحه، وحزنه، وخوفه، وعيشه اليومي. وشكل المعرض فرصة للتعرف إلى التقنيات الفنية التي اشتغل عليها شديد في تقديم أعماله، حيث جاءت مجمل اللوحات مشغولة بألوان معدة يدوياً، مستخرجة من جبال الأقصر، عمل الفنان عليها بتقنيات متعددة، للوصول إلى مجموعات لونية فريدة شكلت علامة فارقة في تجربة اللوحة لديه، ويوضح شديد أنه كان يرتحل في الجبال لجمع الحجار، ويقوم بطحنها، وغربلتها، ويضيف إليها الأصماغ، لتصبح جاهزة للتلوين، مستعيداً بذلك تقنيات المصري القديم في تلوين أعماله الجدارية. وكشفت اللوحات عن جهد الفنان في الوصول إلى مساحة يمتزج فيها التراث المصري مع تاريخ الحضارة الفرعونية القديمة، حيث رسم شديد رقصات النوبة، وزفة الدفوف، وقتال النبوت، واشتغل مطولاً على صورة المدافن في الحياة المصرية الريفية، فاتحاً بذلك باباً من العلاقات البصرية بين سيرته الشخصية بوصفه ابن الصعيد المصري، وبين المكان المصري الخصب تراثياً. وبدا الفنان في مرحلة أعماله التي تمتد من منتصف الخمسينات حتى أواخر الستينات من القرن الماضي، واثقاً من قدرته على تحقيق التوازن والانسجام بين اللون والكتلة في العمل الفني، فجاء اشتغاله متيناً في توزيع عناصر العمل الفني من حيث التوازن بين الفراغ والكتلة في اللوحة، مقابل الحركة والسكون في بناء العمل الفني. ظهر ذلك في أعمال البورتريهات للنساء والرجال المصريين، وفي العمل الملحوظ على المجاميع البشرية في لوحاته، فتجلت قدرة الفنان على التنويع بين العناصر ذات التكوين الدائري، والعناصر ذات الحضور الأفقي، والعمودي. ولم تقتصر أعمال المعرض على مجموعة لوحات الصعيد للفنان، وإنما عرضت جانباً من تجربته في فنون الجرافيك، فضم المعرض عدداً من الأعمال المشغولة بتقنيات الحفر والطباعة الغائرة، والبارزة منها، إضافة إلى تقنيات الشاشة الحرارية، وغيرها من التقنيات الفنية. وقدمت تلك الأعمال مساحة مغايرة لتجربة الفنان، إذ بدت مشغولة أكثر بالموروث المصري القديم، والرموز الفرعونية، وقدرة العمل الجرافيكي على تحقيق جمالياته في فضاءات تعبيرية ذات إحساسات لونية متفاوتة، إذ ظهرت أشكال من الكتابة الهيروغليفية، ورموز من التماثيل الفرعونية مثل تمثال أبو الهول، وغيرها من التماثيل.
مشاركة :