مع ندرة مصادر المياه العذبة في العالم، تعتمد دول الشرق الأوسط ومنها السعودية بشكل كبير على تحلية مياه البحر، عبر تحويل المياه المالحة إلى عذبة، لكن معالجة مياه الصرف الصحي واستخدامها في ري المسطحات الخضراء والأغراض الصناعية أكتسبت أهمية كبيرة في الآونة الأخيرة لتخفيف الضغط على موارد المياه العذبة. وقد ضخت العديد من دول الشرق الأوسط استثمارات كبيرة في مشروعات ضخمة لمعالجة مياه الصرف الصحي لزيادة قدرتها على المعالجة وتحسين البنية التحتية، لكن لا تزال هناك تحديات تواجه معالجة مياه الصرف الصحي في الشرق الأوسط، تشمل الاحتياجات العالية من الطاقة والتكاليف المرتبطة بالمعالجة الثلاثية والترشيح، والصيانة والتشغيل المناسبين لمحطات المعالجة، ووضع الإطار القانوني السليم، وضمان توفير التمويل والاستثمار، علاوة على السمعة السيئة المرتبطة باستخدام مياه الصرف الصحي، وهنا يأتي دور "التمويل الأخضر" لمواجهة هذه التحديات. وبينما تضع دول العالم التدابير اللازمة لمكافحة تغير المناخ، يزيد المستثمرون في شتى أنحاء المعمورة جهودهم في مشروعات البنية التحتية الخضراء، مع التركيز على مشروعات المياه بشكل أكثر وضوحًا، ويعتبر المستثمرون ومؤسسات الإقراض جوانب الممارسات البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات أكثر الجوانب أهمية ضمن معاييرهم عند اختيار الأصول، ومن الواضح أن هناك اعترافًا متزايدًا بالدور الأساسي للمياه في الاقتصاد بشكل عام وفي أي جهد للتقدم نحو اقتصاد أكثر استدامة، حيث تشكل ندرة المياه خطرا شاملا يهدد جميع قطاعات الاقتصاد العالمي تقريبا. وحتى نخرج من التنظير إلى التطبيق العملي، علينا أن نتعرف على العمل الكبير القائم في مشروعات محطات معالجة مياه الصرف الصحي في المدينة المنورة 3 وبريدة 2 وتبوك 2، التي تشارك فيها "أكسيونا" كمطور، بالتعاون مع الشركة السعودية للمياه (SWPC)، حيث سيكون نطاق أعمال الشركات المسئولة عن هذه المحطات هو التصميم والإنشاء والتملك والتشغيل ونقل الملكية لكل محطة من محطات معالجة مياه الصرف الصحي المستقلة التي يتم إنشاؤها لزيادة وتحسين خدمات مياه الصرف الصحي ومعالجة الصرف الصحي في المملكة. وتقدم المحطات الثلاث فوائد بيئية مبتكرة، تتمثل في إعادة تدوير مياه الصرف الصحي للأغراض الزراعية، حيث سيحل استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة محل استخدام المياه العذبة المتاحة للأغراض الزراعية، وبالتالي سيحدث التوفير بشكل مباشر، وقد صممت المحطات لتتوافق مع المتطلبات الفنية الصارمة فيما يتعلق بنوعية وكمية المياه المصرفة لتلبية احتياجات المزارعين المحليين الذين سيستخدمون المياه في نهاية المطاف. وتعالج المحطات الثلاث حمأة الصرف الصحي ـ المادة الصلبة المنبثقة عن عملية معالجة مياه الصرف الصحي ـ بحيث يتم اعادة استخدامها للزراعة وتصنيع الأسمنت، وستقوم المحطات بمعالجتها ونقلها وتسليمها إلى المنطقة المخصصة للتخلص من الحمأة (وهي منطقة محددة في كل محطة من محطات معالجة مياه الصرف الصحي المستقلة)، بحيث تكون الكمية غير المفيدة التي يتم التخلص منها تعادل صفر. وتوفر المحطات ما يقارب من 57% من استهلاك الكهرباء اليومي، عبر استخدام الطاقة المتجددة، مما يؤدي إلى انخفاض كبير في انبعاثات الغازات الدفيئة الناتجة عن محطات معالجة مياه الصرف الصحي، عبر تركيب الألواح الكهروضوئية الشمسية على مساحة الأرض المتاحة وإنتاج الغاز الحيوي المشتق من عمليات معالجة المياه، ومن خلال هذه الحلول المبتكرة، شرعت أكسيونا وشركاؤها في المساهمة في تحقيق أهداف الاتحاد الأوروبي بشأن الاستخدام المستدام للمياه وموازنة تغير المناخ، في ضوء عملهم في إطار تحقيق أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة للمياه والطاقة النظيفة. وإدراكاً لأهمية هذه المشروعات في الاستخدام الأمثل للموارد المائية في المملكة، وتوافقها الواضح مع برامج رؤية السعودية 2030 وخطة الوصول إلى صفر انبعاثات كربونية بحلول عام 2060، فقد تم اعتبار هذه المشروعات منذ بدايتها أهدافاً واضحة لتطبيق سياسات التمويل الأخضر، ومثلت تلك المشروعات فرصة مثالية لمؤسسات الإقراض لاتخاذ مكانها ضمن الاتجاه المالي الذي ينمو بسرعة على مستوى العالم. وقد قامت الشركات المسئولة عن تنفيذ هذه المشروعات بوضع إطار عمل للقرض الأخضر وتم تقييم هذا الإطار بمعرفة طرف ثاني (SPO)، حيث تتمكن الشركات المسئولة عن تنفيذ تلك المشروعات من الحصول على قرض أخضر لكل مشروع بقيمة إجمالية تبلغ 480 مليون دولار أمريكي، واضافة إلى ذلك أعطينا الأولوية لهيكلة التمويل التي ستتضمن شريحة تمويل إسلامية إضافية، حيث يمثل التمويل الإسلامي في هذه المشروعات الثلاثة ما يزيد عن 60% وفق نمط "تسهيلات الإجارة"، علماً أن الخدمات المصرفية الإسلامية معروفة بالتزامها الأخلاقي القوي، ولا يخفى على أحد في الوقت الحالي أن الدور الذي تلعبه المبادئ في وضع نظام مالي دولي مستدام قد أصبح دورًا أساسيًا لا خلاف عليه. خوليو دي لا روزا مدير حلول المياه في أكسيونا الشرق الأوسط
مشاركة :