بيئة رقمية تلفت أنظار الصندوق

  • 9/12/2023
  • 19:48
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

أحد أبرز ما لفت انتباه فريق مشاورات المادة الرابعة لصندوق النقد الدولي في اختتام مشاوراته الأخيرة مع السعودية هو النجاح الكبير للمملكة في توظيف البنية التحتية الرقمية، لتكون رافعة رئيسة للاقتصاد ومنظومة رقمية متكاملة متاحة لجميع الأطراف، من أجل الانطلاق بقوة وخطى واثقة نحو مستقبل يقوم على اقتصاد المعرفة بدعم من التقنية الحديثة. الخطط القائمة تهدف إلى زيادة الاستثمار المباشر في الاتصالات وتقنية المعلومات وتحويل المملكة العربية السعودية إلى مركز رقمي إقليمي، وذلك بجهود حكومية وأخرى من قبل القطاع الخاص، أحدها ما أعلنته شركة الاتصالات السعودية العام الماضي عن عزمها استثمار مليار دولار في إنشاء مركز بيانات إقليمي على مواصفات عالمية، بالاستفادة من البنية التحتية القوية للشركة ومركز بياناتها المتقدم وتأسيس شركة خاصة بهذا الاستثمار الرقمي المهم. من جانبها تعمل وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات على تعزيز مكانة المملكة كمركز لربط الشرق بالغرب والاستفادة من موقعها الاستراتيجي لزيادة عدد محطات إنزال الكابلات البحرية ونقاط الاتصال، وعلى الصعيد الداخلي تسهم الوزارة في تطوير مقسم الإنترنت السعودي، وهي آلية من خلالها يتم تبادل البيانات داخل المملكة بسرعة عالية دون الحاجة إلى الاعتماد على شبكة الإنترنت الدولية. يذكر أن حجم سوق الاتصالات وتقنية المعلومات بلغ 42 مليار دولار في 2022 مرتفعا بمقدار أربعة مليارات دولار عن 2021، منها نحو مليار دولار جاءت استثمارات من قبل رأس المال الجريء، فيما يقدر حجم الاستثمار في البنية التحتية الرقمية من قبل القطاعين العام والخاص بنحو 15 مليار دولار، علما أن رؤية السعودية 2030 تهدف إلى زيادة إسهام الاقتصاد الرقمي في الناتج المحلي الإجمالي من 13 في المائة في 2017 إلى 19.2 في المائة، ورفع حجم قطاع التجارة الإلكترونية إلى 50 مليار ريال بحلول 2025. وفي 2021 تم تأسيس هيئـة الحكومـة الرقميـة من أجل تمكين الجهات الحكومية ودعمها من خلال إتاحة جملة من الخدمات الرقمية والبنى التحتية اللازمة، لتتمكن من الاستفادة من مزايا التقنيات الحديثة في تقديم خدمات متطورة وسلسة، لتلبية احتياجات المستفيدين وتطلعاتهم من خلال استراتيجية رقمية وطنية وسياسـات عمل ما يعرف بالحكومة الرقمية، حيث يوجد هناك أكثر من 1500 موقـع إلكترونـي حكومـي يقدم نحو أربعة آلاف خدمة إلكترونية. بحسب دراسات معهد "بروكينج" المختص بدراسة السياسات الاقتصادية المؤثرة، فإن التحولات الرقمية المتسارعة في الأعوام القليلة الماضية على الصعيد العالمي بدأت تحدث نقلات اقتصادية وتغيرات كبيرة بشكل أسرع مما هو متوقع، وذلك بتغيير طبيعة المنتجات والأسواق وبيئات العمل، زيادة على أن تلك التغييرات ستتعاظم نتيجة التطورات السريعة في مجال الذكاء الاصطناعي وغيرها من مجالات ذات علاقة. لا خلاف على أهمية التقنية في الدفع بعجلة التطور والتقدم على شتى الأصعدة، إلا أن الكتاب الصادر عن المعهد ذاته بعنوان "النماذج المتحركة" الذي يناقش تأثيرات التقنية في النمو والعمل والتمويل وعدم المساواة في الاقتصاد الرقمي، يحذر من تراخي السياسات العامة وعدم تفاعلها مع تلك التطورات، حيث يشير الكتاب إلى أنه رغم الفوائد المفترضة للتقنية الرقمية الحديثة التي بالفعل حققت مكاسب عظيمة للشركات العاملة في هذه المجالات، إلا أن تلك المكاسب لم تظهر بعد على مستوى النمو الاقتصادي في مجالات عديدة وعلى مستوى شرائح متعددة من المجتمعات، والسبب الرئيس في ذلك يعود في كثير من الحالات إلى عدم استجابة المؤسسات العامة وسياساتها مع هذه التغيرات، وتأقلمها معها كما ينبغي. لذا نجد أن أحد أهم أسباب نجاح التحول الرقمي في المملكة يعود إلى الدور الفاعل والمؤثر للقطاع الحكومي في دعم تلك التطورات التقنية، وإتاحتها لجميع الأطراف من مؤسسات القطاع الخاص والقطاع الحكومي والأسر والأفراد. فقد كانت المملكة من أوائل دول المنطقة التي بادرت إلى إدخال خدمة الإنترنت إلى المملكة في 1998 التي على أثرها انطلقت مسارات تقنية عدة وبرامج ومشاريع رقمية مستفيدة مما هنالك من بنى رقمية تحتية مؤثرة، فانطلقت التعاملات الحكومية بداية من 2006 بين الجهات الحكومية من جهة، ومن خلال الخدمات الإلكترونية لوزارة الداخلية من جهة أخرى. في هذا السياق تم إنشاء شبكة رقمية لربط الجهات الحكومية وإتاحة بياناتها للاستفادة المشتركة بين الجهات، ما جعل بالإمكان تقديم خدمات إلكترونية تتطلب بيانات متنوعة مخزنة لدى جهات حكومية متعددة، وتم استحداث آلية تقنية عالية المستوى تتيح لمختلف الجهات الحكومية سهولة التحول الرقمي والاستفادة من البرمجيات المشتركة التي تقدمها هذه الآلية المتقدمة. ما لمسه فريق مشاورات المادة الرابعة لصندوق النقد الدولي من تقدم حقيقي على صعيد التحول الرقمي في المملكة، لم يأت فجأة ولا بمحض المصادفة، بل إن هناك جهودا حقيقية أسهمت في وتيرة التحول الرقمي والمضي نحو اقتصاد المعرفة والنمو الاقتصادي التي بمجملها تلقت دعما آخر مؤثرا من خلال البرامج الطموحة لرؤية السعودية 2030 لما تحتويه من استراتيجيات مدروسة وفاعلة، كثير منها بدأت تؤتي ثمارها قبل تواريخها المستهدفة.

مشاركة :