الإسلام والأديان السماوية‮.. ‬تسامح بلا حدود

  • 3/11/2016
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

يفرض الإسلام على المسلمين جميعاً بكل صراحة ووضوح الاعتراف بكل الأديان السماوية السابقة،‮ ‬فلا‮ ‬يجوز للمسلم بناء على موقف دينه،‮ ‬الذي‮ ‬يسجل أسمى مواقف التسامح والاعتراف بالآخر،‮ ‬أن‮ ‬يفرق بين أنبياء الله‮: ‬موسى وعيسى ومحمد عليهم السلام،‮ ‬وفي‮ ‬ذلك‮ ‬يقول القرآن الكريم‮: ‬آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ‮.‬ وحتى‮ ‬يتحقق الوفاق والتعاون بين أتباع هذه الأديان السماوية،‮ ‬ويختفي‮ ‬التعصب الديني‮ ‬بجميع صوره وأشكاله‮ ‬يطلب القرآن الكريم من الجميع الابتعاد عن كل ما‮ ‬يجلب الشقاق والنزاع،‮ ‬وضرورة التركيز على التنافس المثمر في‮ ‬مجال الخيرات‮ ‬وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ‮.‬ هذا الموقف الإسلامي‮ ‬المتحضر من شأنه أن‮ ‬يوفر المناخ الملائم للتعاون بين الأمة الإسلامية وشعوب العالم المختلفة،‮ ‬وهو تعاون واجب،‮ ‬يوفر فرص التعايش السلمي والتعامل باحترام مع الأديان السماوية ووقف كل صور التعصب والإسفاف والإساءة للأديان ولأنبياء الله ورسله،‮ ‬خاصة من جانب‮ ‬غير المسلمين الذين‮ ‬يسيئون للإسلام ورسول الإسلام العظيم،‮ ‬كما رأينا في‮ ‬العديد من الدول الغربية التي‮ ‬تدين بالمسيحية ولا تزال تمارس إسفافاً مرفوضاً ضد القرآن العظيم ورسول الإسلام الأعظم‮.‬ وإذا كان الموقف الإسلامي‮ ‬بالنسبة لأتباع الديانات السماوية واضحاً بما فيه الكفاية فإن الموقف الإسلامي‮ ‬بالنسبة لأتباع الديانات‮ ‬غير السماوية لا‮ ‬يقل وضوحاً،‮ ‬فالقرآن الكريم‮ ‬يحض على التضامن مع أتباع كل الأديان ما دام هؤلاء لا‮ ‬يعتدون على المسلمين،‮ ‬ولا‮ ‬يتآمرون ضدهم،‮ ‬والقاعدة القرآنية في‮ ‬ذلك قول الله تعالى‮: ‬لا‮ ‬يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ.‬ ويتضح من هذه القاعدة القرآنية أن أمر هذه العلاقة مع‮ ‬غير المسلمين بصفة عامة‮- ما داموا لم‮ ‬يعتدوا على المسلمين‮ - ‬ليست علاقة باردة أو علاقة حيادية على نحو سلبي،‮ ‬وإنما هي‮ ‬علاقة إيجابية تقوم على أصلين أساسيين هما البر والعدل‮.. ‬والبر مفهوم جامع لكل قيم الخير،‮ ‬والعدل ضرورة حياتية لا‮ ‬يستطيع الإنسان أن‮ ‬يحيا حياة حقيقية من دونه‮ا.‬ وعندما‮ ‬يدعو الإسلام إلى العدل فإنه بذلك‮ ‬يدعو في‮ ‬الوقت نفسه إلى حرية الإنسان وكرامته وتأكيد حقوقه الإنسانية العامة‮.‬ وهناك حقيقة مؤكدة أجمع عليها مؤرخو الأديان على اختلاف مشاربهم وهي‮ ‬أنه ليست هناك جماعة إنسانية ولا أمة كبيرة ظهرت في‮ ‬هذا الوجود وعاشت ثم مضت من دون أن تفكر في‮ ‬مبدأ الإنسان ومصيره وفي‮ ‬تعليل ظواهر الكون وأحداثه وبمعنى آخر‮: ‬من دون أن تكون لها ديانة،‮ ‬فالنزعة الدينية أصيلة في‮ ‬نفس الإنسان وليست دخيلة عليه‮.‬ فالدين هو المكون الرئيسي‮ ‬لكل الحضارات التي‮ ‬صنعها الإنسان على مدى تاريخ البشرية،‮ ‬وهذا إن دل على شيء فإنما‮ ‬يدل على مدى عمق العقيدة الدينية وتغلغلها في‮ ‬النفس الإنسانية،‮ ‬ولا‮ ‬يزال الدين‮ ‬يؤدي‮ ‬دوراً رئيسياً في‮ ‬حياة الأفراد والشعوب على الرغم من كل ما وصل إليه الإنسان من تقدم مادي‮ ‬باهر،‮ ‬ولا‮ ‬يزال الإنسان في‮ ‬عصرنا الحاضر في‮ ‬حاجة ماسة إلى هداية الدين وصفاء الروح وعمق اليقين لينعم بالسكينة ويتخفف من حدة اندفاعه المادي‮ ‬وغلبة الأنانية على حياته وسلوكه‮.‬ ومن هنا فإن الأديان تلعب دوراً مهماً في‮ ‬حياة الأمم والشعوب في‮ ‬عصرنا الحاضر،‮ ‬وإذا توحدت جهود أتباعها وتعاونوا فيما بينهم وتضامنوا في‮ ‬سبيل التغلب على ما‮ ‬يواجه البشرية من مشكلات عديدة،‮ ‬فإنهم‮ ‬يمكن أن‮ ‬يقدموا للبشرية الكثير مما‮ ‬يساعدها على الخروج من أزماتها وإنقاذ العالم مما‮ ‬يحيط به من أخطار وشرور لا‮ ‬يعلم مداها إلا الله‮.‬ والإسلام في‮ ‬سعيه المتواصل من أجل خير الإنسان وسعادته‮ ‬يقف موقفاً متسامحاً إلى أبعد الحدود من الديانات السماوية السابقة،‮ ‬ويبدي‮ ‬استعداده للتعاون والتضامن مع أتباعها من أجل سلام العالم، والإسلام‮ ‬يعترف بكل أنبياء الله ورسله الذين حملوا رسالته إلى الناس على مر العصور‮ - ‬كما سبقت الإشارة إلى ذلك‮ - ‬وهذا‮ ‬يعني‮ ‬أن الإسلام‮ ‬يؤمن بوحدة الدين،‮ ‬وفي‮ ‬ذلك‮ ‬يقول القرآن الكريم‮: ‬شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ‮.‬ ومن ذلك كله‮ ‬يتضح بما لا‮ ‬يدع مجالاً للشك أن الإسلام‮ ‬يدعم كل الجهود الهادفة إلى تحقيق التضامن بين الأديان وإلى تحقيق التقارب بينها،‮ ‬والتعاون معها في‮ ‬كل ما من شأنه أن‮ ‬يعود على البشرية كلها بالخير،‮ ‬ويحقق للعالم كله الأمن والاستقرار والسلام الذي‮ ‬هو سلامنا جميعا‮ً.‬ والتضامن بين الأديان لا‮ ‬ينفصل عن التضامن بين الشعوب والتقارب فيما بينها من أجل تحقيق الأهداف المشتركة،‮ ‬وأهمها التعايش السلمي‮ ‬وهو ما‮ ‬ينبغي‮ ‬أن تسعى إليه كل الشعوب الآن‮.‬ د. محمود حمدي زقزوق عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر

مشاركة :