ازدحم المشهد الإعلامي، خاصة الفضائي منه بظاهرة المنجمين والروحانيين الذين يزعمون قدرتهم على التنبؤ بالمستقبل وتغيير الواقع السيئ الذي قد يعيشه الإنسان، ولأنه لا أحد يود أن يتعرض في حياته لمشكلة صغيرة كانت أو كبيرة، فقد وجد هؤلاء المنجمون والدجالون فرصة عظيمة في مجتمعاتنا وحققوا أرباحاً بالملايين على حساب أصحاب المشكلات المختلفة، وبات ملايين المسلمين يحركون حياتهم وفق ما يقوله لهم قارئو الفنجان، أو ضاربو الودع، أو من يطلقون على أنفسهم علماء الروحانيات. السماوات المفتوحة تقول الدكتورة ماجي الحلواني عميد كلية الإعلام الأسبق بجامعة القاهرة: إننا نحيا في عصر السماوات المفتوحة الذي انتشرت فيه تلك الظاهرة المخيفة التي تلقي بالمواطن المسلم في طريق الشيطان، وهو يحسب أنهم يحسنون صنعاً، وللأسف فإن كل دعاة الدجل والشعوذة الذين يظهرون عبر الفضائيات بأشخاصهم أو بإعلاناتهم يعملون تحت ستار ديني والدين منهم بريء، فقد انتشرت فضائيات السحر والشعوذة والدجل على الأقمار الصناعية العربية، وهي تضرب بمبادئ الإعلام الصحيح والهادف عرض الحائط على الصعيد المهني، ويكفي أن ندرك حجم شرورها أنها تعمل على بث آمال خادعة في نفوس بعض المرضى من أبناء الأمة الإسلامية، وذلك من خلال «خزعبلاتهم» واستغلال بعض الآيات القرآنية ودفع المشاهدين إلى تصديق هذه الخرافات من خلال التنبؤ بالشفاء من الأمراض المستعصية وكشف الهم إلى آخره، وكل هذه الأمور تعد من الغيبيات التي لا يعلمها إلا الله عز وجل. طاقة الشباب وتستطرد د. الحلواني: إن المشاهد العربي والمسلم يتعرض لهجمة شرسة، فإما أن يشاهد برامج الخرافات والشعوذة أو البرامج المثيرة للغرائز التي تستنزف طاقاته البشرية خاصة طاقة الشباب ولو تم التسليم بمنطق أصحاب تلك القنوات بأن كثافة المشاهدين هي معيار النجاح، فإنه يمكن التأكيد على أن أي قناة تقدم أفلاماً إباحية تستطيع أن تجذب أكبر نسبة مشاهدة خاصة بين الشباب، والإحصاءات والدراسات تؤكد أن معظم من دخلوا مجال النشاط الفضائي التليفزيوني مغامرون ورجال أعمال رأوا أن الإقبال الجماهيري على السحر والدجل والشعوذة والإثارة، خاصة ما يرفع فيها من شعارات دينية يحقق لهذه القنوات أرباحاً خيالية ومن الطبيعي حينذاك أن تكون مثل هذه البرامج هي التي تحتل المساحة الأكبر في هذه القنوات، وهذه هي الصورة البائسة بالنسبة لأكبر حيز من الفضائيات التلفزيونية التي لا تنتمي قطعاً إلى النشاط الإعلامي، لكنها تنتمي إلى نوعية الملاهي الليلية، وبالقطع لا تنتمي إلى الإعلام الهادف بأي صلة، والإحصائيات تؤكد واقعاً مريراً، وهو أن العرب ينفقون على السحر والدجل والشعوذة سنوياً ما يزيد على خمسة مليارات دولار، وذلك مع عدم وجود القنوات الفضائية الخاصة بنشر ثقافة التحذير من السحر والشعوذة، فما بالنا بعد وجود قنوات متخصصة في هذه الأوهام، مما يؤكد أن هذه الإحصائيات من الممكن أن تتضاعف في ظل ترك هذه الفضائيات تنخر كالسوس في الجسد العربي المسلم. خطر كبير من جانبه، يقول الدكتور علي جمعة مفتي مصر السابق عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من أتى ساحراً أو كاهناً، أو عرافاً فصدقه، فقد كفر بما أنزل على محمد»، ولابد أن يعي كل مسلم أنه ليس هناك سحر بمعنى أن شخصا ماً يسحر للآخر كما يروج العرافون والدجالون، فالسحر نوع من المصائب التي تنزل بجسد الإنسان ثم تزول بإذنه تعالى وتزول بالذكر والصلاة والقيام وبالدواء لو احتاج الأمر للدواء، فيجب على كل مسلم ألا يعطي الأمور أكثر من حجمها ولا يلغي عقله ويستمع للسحرة والدجالين، نعم السحر موجود والجن موجود، ولكن تأثيرهما على الإنسان في حجم تأثير الأمراض المعتادة، ثم بعد ذلك يستعيد الإنسان عافيته، فنبي الله موسى أصيب بنوع من التخيل عندما ألقى عصاه، فخيل له أنها حية تسعى، ثم بعد ذلك ثبت فؤاده وذهب السحر وذهب تأثيره والله تعالى يقول: (... لَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى)، «سورة طه: الآية 69». ويضيف: على العلماء والدعاة أن يدركوا أن خطر هؤلاء الدجالين والسحرة والتأكيد دوماً على أن المعركة الأساس التي أدارها الإسلام كان وستظل دوماً لتحرير العقول من ضلالات الوهم والخرافة والدجل والشعوذة ولتغيير الحال والأحوال ولمعرفة ما أخفاه الله عن خلقه من الغيب المستور والمستقبل المحجوب.
مشاركة :