ضمن فعاليات منتدى الثلاثاء، نظم بيت الشعر بدائرة الثقافة في الشارقة أمسية شعرية الثلاثاء الماضي، حضرها جمهور كثيف ملأ جنبات القاعة، وشارك فيها الشعراء: د.حسن النجار، د.ضياء الجنابي، ود. مناهل فتحي، بحضور الشاعر محمد عبدالله البريكي مدير البيت. قدم الأمسية الشاعر د. رائد الحاج الذي بدوره أشاد بنموذج بيت الشعر في المشهد الثقافي، وأفقه الإبداعي الذي ينقل الخبرات الجمالية الشعرية بأسلوب حيوي وفعال، حيث يستوعب بجسارة الأنماط الفائقة في كتابة الشعر، ويحدث فارقاً في العلاقة بين المتلقي والشعراء برؤية جمالية تبرز نتاجات شعرية تستحق التأمل والاهتمام، مثمناً دور الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة الذي تمثل مبادراته الثقافية شريان الحياة للشعر والشعراء في هذا العصر. واستطاع شعراء الأمسية بلغتهم الرشيقة، وأساليبهم الشعرية الصافية أن يقدموا نماذجهم الإبداعية بقوة وبتنويعات إيقاعية تنم عن صدق العاطفة، وانتهاجهم أسلوباً رصيناً في التعبير عن قضاياهم الشعرية المؤثرة، فاستحضروا الأوطان، وخاطبوا الذات، وكان لشدوهم صوتاً وصدى في قاعة بيت الشعر التي احتشد فيها جمهور مثقف من نقاد الأدب، والشعراء، ومحبي القصيدة العربية الجميلة، حيث احتفى الجمهور بأصحاب الكلمة الشاعرة الصادقة في هذه الأمسية الشعرية المبدعة. وافتتح الأمسية الشاعر د. حسن النجار الذي قرأ قصيدة "سؤالُ الوقت" التي يستخلص فيها برمزية عالية مكونات مجازية تسفرعن حالة من الشجن يطوعها بأسلوب آسر ضمن الفضاء الزمني للقصيدة، وبأداء درامي مشبع بلغة مشعة فيقول: "البابُ -مُذْ غابَ عنهُ- صارَ يُشْرِعُهُ هنا هنا جسدٌ والروحُ تتبعُهُ هو انتظارٌ لمعنى الدارِ خارجَهُ من غيرُهُ يخلقُ المعنى ويبدعُهُ وكلما مرَّ ظلٌّ مالَ حيثُ خطا يصدِّقُ الظلَّ والأوهامُ تخدعُهُ". ثم ألقى نصاً آخر بعنوان «فصول مزهرات" الذي يواصل فيه نمطه التخييلي الذي يبرز إمكاناته الشعرية العالية التي تعكس دلالات ذاتية، تكشف عن مستويات اللغة التي يكتب بها، وأسلوبه في فلسفة الذات بإشارات شعرية مركزة يقول فيه: "تسامى باسقاً، وازدانَ فيئا وأثمرَ في رياضِ العمرِ ضوءا وأوغلَ في فيافي المجدِ سعيًا ومرتحلاً كأنَّ الروحَ ظمأى لإشراقٍ يجدُّ، وكلُّ دربٍ يلوحُ له سيستهويهِ بدءا وفي كل المواسمِ أمنياتٌ سيبعثُها هوىً وتعودُ ملأى" الشاعرة مناهل فتحي استهلت قراءاتها بقصيدة حملت عنوان "الشفقُ المنسي" التي تستحضر فيها العتاب وما تنوء به النفس من شجن، فتبث لوعجها الشجية في هذه الأبيات بعذوبة وصفاء نفس: "وقفتُ طويلًا خلفَ تاءِ أنوثتي وخلفَ تقاليديْ، وعاداتيَ التي... تلكّأتُ، واستعجلتُ، أوجسْتُ خيفةً وحدّقتُ في الليل المقيم بشرفتي تقمَّصني خوفُ الغروب، ورثْتُه من الشفق المنسي في رَحْلِ جدتي وآنستُ غِرْبالًا أبوحُ فينتقي يحرّف ما ترمي إليه قصيدتي". أتبعتهابقصيدة "على شرفات الرمل" التي تبث من خلالها شحنات عاطفية بتجليات تصويرية بارعة، يبلغ فيها الاحساس مبلغاً إنسانياً وهي تحتضن مشاهد الحياة بلغة متماسكة معبرة ومنها نقتطف: "على صفحاتِ الرمل يجري خريرُهُ فيطلعُ من أضلاعِهِ زرعَ صحبِهِ فتكتبُ ما شاءتْ من الغيمِ فوقَهُ مجازّا سينسيهِ قساواتِ جدبِهِ ويتبعها الغاوون لكنّ نصّها عنيدٌ ولا ينحاز إلا لعشبِهِ ترد عليهم بردَه وسلامَه وترقب في شوقٍ مواقيتَ حربه وتغشى عيونَ الناسِ حتى ترى لهم فقد لا يحيط المرء وعيًا بدربِهِ". واختتم القراءات الشعرية في الأمسية الشاعر د. ضياء الجنابي واستهل قراءاته بأبياتٍ من قصيدة"سِكَكٌ عَمياء" التي تجلت فيها العاطفة الصادقة وجمال المقصد، وهو يفلسف الموج ويشق الريح بما يشف عن مناظرة وجدانية تنبئ عن منظوره الشعري، ومستوى خطابه المتوارد مع الروح بعفوية مطلقة، حيث يقول: "أُصارعُ الموجَ، والأنواءُ مَاطرةٌ أستشعرُ البرَّ حتّى آخرَ الرَّمَقِ إنّي الغريقُ إذا موجٌ يداهمُني أُشقِّقُ الريحَ كي أنجو مِنَ الغَرَقِ في الأفقِ منّي نُبؤاتٌ مُؤجَّلةٌ كالنخل سامقةٌ، تخلو مِنَ الرَهَقِ". ثم قرأ نصاً آخر بعنوان" دَهرٌ مِنَ الياقوتْ" الذي يبلغ فيه التساؤل مداه وهو يقول" وهَل نَسيَ الشُّعراءُ بَغدادَ يَوماً" حيث يخاطب بغداد الأثيرة لدية بكلمات نابضة تشف عن حب جارف وحنين لا ينقطع فيقول: "باللهِ يا بغدادُ، هَلْ عَرَفَ الوَرى!! صّباً! يَعُبُّ جراحَهُ مُرتاحَا؟ لَو أنَّ قلبي في المجامرِ مُقْمحٌ لَزَقَا بإسمكِ نبضُـهُ صَيّاحَا أو عَـلَّقُوهُ فوقَ نصلِ أسنَّةٍ لَغَدا يُـذوّبُ عُشقُهُ الأرمَاحَا". وفي الختام كرّم الشاعر محمد البريكي، شعراء الأمسية ومقدمها.
مشاركة :