يمكن أن يكون الغباء حلا هو الآخر. لا يمكن لحزب الله وهو ممثل إيران في لبنان أن يقنعنا بأن مزيدا من السلاح يعني مزيدا من القوة لا في الساحة المحلية وحدها بل وأيضا في الساحات الإقليمية. لا تُقاس الأمور على تجربة سوريا. كان الدفاع عن نظام بشار الأسد في جزء كبير منه يقع في الحفاظ على الإبقاء على طريق طهران بيروت سالكة لضمان وصول الأسلحة الإيرانية إلى حزب الله في لبنان. وليس السؤال عن العراق هنا ضروريا. ذلك لأن العراق صار بعد احتلاله إمارة إيرانية. كل ما يفعله الإيرانيون من أجل الاستمرار في هيمنتهم غير المسبوقة على جزء من المنطقة يمكن اختصاره بطريق السلاح الذي يشكل شبكة تمتد من طهران إلى بيروت مرورا بسوريا والعراق. ولقد استعار ما يسمى «حزب الله» فكرته عن القوة من الإيرانيين فهو صنيعتهم التي تواليهم عقائديا قبل أن تتصرف بما يمليه عليها واجبها في الخدمة الجهادية المأجورة. فإيران حين رغبت في أن تكون دولة قوية لم تنظر سوى إلى الماكينة العسكرية ولم تكترث بالإنسان باعتباره البعد الأهم في الحياة. لذلك لا يمكن أن نقول إن المليشيات التابعة لإيران حين قررت أن تكون قوية فإنها لجأت إلى الأسلوب الإيراني. فلا قوة من غير سلاح والسلاح هو المصدر الوحيد للقوة. لا سؤال بعد ذلك. ولكن ماذا لو حدث وأن خذل السلاح صاحبه في حروب صارت الجيوش فيها تتسابق من أجل الحصول على الأخف والأسرع والأكثر دقة والأقل كلفة من السلاح؟ كان مأزق الاتحاد السوفييتي السابق واضحا وهو قد أثقل نفسه بأسلحة لن يستخدمها وأهمل الإنسان بحاجاته التي تبدو في كثير من الأحيان تافهة ورخيصة وكمالية وغير ضرورية، غير أنها في حقيقتها تشكل عنصرا جوهريا من كيانه الذي يربط بين ما هو يومي مستهلك وما هو سرمدي خالد. ليست أسطورة الإنسان سوى مجموعة يومياته التي تبدو من وجهة نظر العقائديين لا قيمة لها. ثقل الاتحاد السوفييتي بسلاحه فسقط. وكان هو الآخر يهدي السلاح إلى دول عديدة في العالم كانت تدور في فلكه. سقط الاتحاد السوفييتي لأنه كان قويا، بمعنى اعتماده مفهوم السلاح باعتباره المصدر الوحيد للقوة، بالرغم من أنه كان يمكن أن يكون قويا بعلمائه وأدبائه وخبرائه وموسيقييه ومفكريه، أي ببشره الذين تركوا بصمتهم المهمة في التاريخ. الإيرانيون وأتباعهم المصابون بعقدة النجاح السوفييتي من غير المرور بأسباب السقوط المريع لدولة القياصرة الجدد المقنّعين يمضون في الطريق التي لا تتطلب كثيرا من الجهد وفي الوقت نفسه فإنها تفرض هيمنة مطلقة على المجتمع. كل الحريات يمكن أن تُصادر مقابل حرية السلاح. وهل يبقى شيء بعد السلاح؟ الأدهى أن «حزب الله» على سبيل المثال يسخر من كل الأطراف التي لا تحمل السلاح. ويبدو الأمر كما لو كانت هناك رغبة قوية في أن يتسلح الجميع لكي يكون سلاحه شرعيا. يخشى «حزب الله» أن ينتصر عليه أصحاب الكلمة. لذلك كانت سلسلة المقتولين على يده تضم الكثير من المفكرين، كان الناشط اللبناني لقمان سليم آخرهم كما تشير إلى ذلك مؤشرات عدة. ولكن إلى متى يظل الاستقواء بالسلاح هو الحل الذي يملكه «حزب الله» من أجل الاستمرار في الهيمنة على حاضر لبنان ومستقبله؟ لو كان السلاح قادرا على استقدام آلة الزمن لفكر «حزب الله» في الهيمنة على ماضي لبنان. ذلك كله لن يمر بطريقة يسيرة. لبنان في مشكلة كبيرة غير تلك المشكلات التي تتعلق بالوضع المعيشي ومظلومية المودعين ونظامه المصرفي ورثاثة نظامه السياسي وموقفه العبثي من محيطه. تلك هي مشكلة السلاح في لبنان التي جعلت منه بلدا ضعيفا يُدار من قبل دولة فاشلة لن تعلن إفلاسها لكي لا تُمحى من الخارطة. غير أن اللبنانيين لن يتمكّنوا من إنهاء احتلال «حزب الله» لبلدهم في القريب العاجل. ستنهي القوة نفسها بنفسها، ولكن ذلك الحل يحتاج إلى زمن طويل. وما لم تغير إيران من سياساتها الخارجية فإن كل شيء سيظل في مكانه وكل عدو يختار عدوه ويتمنى أن يسلحه. «السلاح هو الحل» شعار إيراني تسلل مثل العقائدية الإيرانية إلى العراق وسوريا ولبنان واليمن. عادت تلك الدول إلى منطق القوة المحلية المتخلفة. كمٌّ هائل من السلاح وضعف خطير في المعرفة والعلم. ذلك ما سيقود إلى انهيار تلك القوة بطريقة غير متوقعة. فهي قوة تخلو من الطابع الإنساني. قوة لا تحترم الإنسان الذي يسعى إلى الإعلاء من شأنها. { كاتب عراقي
مشاركة :