مروان فرج لـ"العرب": الذكاء الاصطناعي يمنح خيال المخرج مساحات إبداعية أكبر

  • 9/15/2023
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

تبدو عملية صناعة مشهد بصري جميل صعبة، سواء تعلق ذلك بفن السينما أو التلفزيون، رغم أن عصر التقنيات الحديثة قدم حلولا مذهلة للكثير من الأفكار، لكن المشكلة تكمن في معرفة استثمارها. من هنا ظهرت تجارب بعض المخرجين الذين قدموا مهارات خاصة حققت فائدة كبرى. ومن هؤلاء المصور التلفزيوني مروان فرج الذي انطلق منذ ما يقارب الأربعين عاما من بلده ليصير خبيرا تقنيا دوليا. دمشق - تبدو علاقة الجانب الإبداعي بالشأن التقني عضوية؛ هما متكاملان، لا يمكن لواحد منهما أن يتخلى عن الآخر في سبيل تحقيق نتيجة إبداعية خلاقة، تحقق شرطيتها في تقديم المفيد والجميل. فن السينما، مثلا، يقوم على تضافر كلا الجانبين، فلا بد فيه من شرط إبداعي عال وشرط فني عارف حتى تمكن صناعة فيلم جيد. وفي ثورة التقنية التي يشهدها عصرنا الراهن تبدو هذه الجدلية أكثر وضوحا، حيث تقدم الصناعات التكنولوجية الجديدة مبتكرات مدهشة في كل يوم، مما يؤكد أهمية اطلاع مستثمري التجهيزات السينمائية على الابتكارات الحديثة بشكل دوري حتى يؤمّنوا أفضل سبل الاستفادة من طاقاتها. مروان فرج مصور من سوريا، امتلك ناصية المعرفة بأحدث تقنيات التصوير في العالم واستطاع بها تحقيق قفزات مهنية خدمت المشهد السينمائي والإعلامي العربي عموما. عن شرطية وجود الجانب التقني إلى جانب القدرة على الإبداع يقول فرج في حوار مع “العرب”: “إن لم تتحقق شروط الفرجة في العرض الفني فلن يستطيع الفيلم الوصول إلى الجمهور. ولكي يكون ذلك متاحا يجب أن تكتمل العناصر المكونة للكادر السينمائي أو التلفزيوني، وهذا ما يخلق لغة بصرية جميلة مدروسة بأبعادها وتكويناتها. الجانب التقني له دور أساسي هنا، فدقة الصورة لها دور فعال في وجود سينما جميلة، في التلفزيون يجب أن يكون حدها الأدنى صورة بدقة ‘اتش دي’ أما في السينما فتكون بصيغة ‘4 ك’، ويجب أن يكون الشكل العام مقنعا وطبيعيا ومتناغما مع الحالة الحقيقية للمادة المقدمة. وبعد تحقق هذه الشروط يمكن للمبدع أن يقدم ما يريد ليضمن المتابعة من الجمهور. طبيعة الفن السينمائي مختلفة والحضور فيها له خصوصية وجذب الجمهور فيها أصعب”. المصور شخص مبدع وخلاق يجب وضعه في بيئة مناسبة للعصف الذهني لكي تحضه على الابتكار واستشراف المستقبل وعن طبيعة العمل السينمائي واختلافه عن التلفزيوني يتابع “طريقة تصوير الأعمال التلفزيونية صارت قريبة جدا من السينما في الكوادر واللقطات، لأن الأدوات التي تتم بها صناعة المواد هي ذاتها من حيث استخدام العدسات ذات البعد البؤري الثابت وغير ذلك من التفاصيل. لكن عدم وجود رؤية إخراجية واضحة تدل على ثقافة سينمائية وليس ثقافة تقنية تمكن الكادر الفني من استخدام تكنولوجيا الكاميرا بالطريقة المثلى في الأعمال، هو العامل الحاسم هنا، لذلك نرى أخطاء قاتلة كان يمكن تلافيها بكبسة زر فيما لو كانت المعرفة التقنية موجودة”. ويوضح “من الأخطاء المشهورة مثلا اختراق الخط الوهمي الذي هو ألف باء الإخراج، لكننا نجده بكثرة في الأعمال المقدمة. استخدام الإضاءة المتواضع، والذي يثير الضحك أحيانا، مشكلة موجودة. مثال: مشهد ليلي في المقبرة والدنيا نهار إلى درجة أنك ترى حركة الأشجار على بعد 100 متر. كذلك المشاهد التي تصور داخل السيارات التي تذكرنا بالأفلام القديمة التي كانوا يحركون فيها السيارة بالاهتزاز لإيهام المتلقي بأنها تتحرك”. وعن السبب الذي يؤدي إلى وجود هذه الأخطاء الفنية يرى مروان فرج أن “جهل المخرج بتقنيات الكاميرا واعتماده على المشغل هو خطأ فادح. أنا رأيت الكثير من المخرجين السينمائيين العالميين يقومون بوضع الفورمات والصيغ التي تؤدي إلى إيصال فكرتهم ورؤيتهم، بل ويصرون عليها لأنهم متأكدون من معلوماتهم. في منطقتنا العربية لا يوجد ذلك، والمخرج لا يستطيع شرح فكرته وفرض رؤيته سواء كان للمشغل أو مدير التصوير أو المصور. مثال: أن تأخذ لقطة تجمع الداخلي مع الخارجي، لم أر هذه اللقطة إلا عند المخرج محمد عبدالعزيز في مسلسل ‘ترجمان الأشواق’، كانت لقطة بحجم فيلم أنا أدرسها في برنامجي التدريبي. وأضيف شيئا بشأنها، أنه لو كان مدير تصوير تلك اللقطة الجميلة على دراية كاملة بتقنيات الكاميرا لكانت النتيجة أفضل. هنالك خطأ آخر يقع فيه المستخدمون وهو اهتزاز الصورة خاصة عند الحركة. تقنيا تم تجاوز هذا الخلل في كل الكاميرات منذ ست سنوات لكنني مازلت أرى نفس الخطأ في استخدام الكاميرات لعدم امتلاك المعرفة التقنية بالكاميرا”. التكنولوجيا تقدم مبتكرات مدهشة، مما يؤكد أهمية اطلاع مستثمري التجهيزات السينمائية على الابتكارات الحديثة ويتابع فرج “سبب وجود هذه الأخطاء هو أن ثقافة التدريب في منطقتنا العربية مازالت ضعيفة ومخجلة. حاولت إيصال خبرتي إلى المستخدمين في القطاعين العام والخاص في بلدنا ولكن لم يتم ذلك ولم أتلق أي دعم لتأمين ذلك، وكانوا يتعاملون معي على أساس أنني شخص يبحث عن عمل فقط”. وعن وجود مساحة للذكاء الاصطناعي في فن السينما والإعلام يرى محدثنا أن “الذكاء الاصطناعي يسمح لخيال المخرج بالذهاب إلى مسافات أبعد، ويصل بالمتلقي إلى أماكن لا يمكن الوصول إليها بالطرق العادية. تقنية الهولوغرام مثلا يمكن من خلالها استحضار أي شخصية في العالم والذهاب بها إلى أي مكان وإشراكها في أي مشهد بصري. في المسرح يمكن القيام بتشخيص مسرحي بتقنية ‘4 دي’. لكن قبل ذلك يجب أن يكون فريق العمل مجهزا بتقنيات حديثة، وفهم العلاقة بين دراما الخيال العلمي وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، وتطبيق رؤية مخرج العمل في تقطيع المشاهد، والأمر معقد جدا وليس بالسهولة التي يعتقدها البعض”. أما عن سبب عدم وجود هذه الثقافة التقنية عند الكوادر العربية فيرى المصور السوري في حواره مع “العرب” أن “شخصا غير مؤمن بثقافة التدريب والتطوير على تجارب الغير ويكون في موقع المسؤولية كفيل بتدمير كل من تسول له نفسه التفكير في التطوير. كما جرى ويجري معي ومع آخرين، عندما يقابل أصحاب الشأن الخبراء يظهر أنهم غير قادرين على تبني مشاريع وخطط التدريب والتطوير، ويتضح أن هؤلاء لا يرغبون في تقبل التطوير. سمعت أن هنالك وزارة معنية بالتطوير والتنمية، ولكنني لم أستطع حتى تأمين موعد لقاء مع المعنيين. أرى أنه يجب إيجاد موضوع التدريب كحصة أسبوعية مقررة، وهي ليست منة على المستخدم بل حاجة. اختيار الإدارة هام جدا في وضع خطط سنوية للتطوير تعتمد برامج لتقييم الأداء بهدف رفع سوية العاملين في الوسط الإعلامي والمهني. والحلول ليست بعيدة عن الجهات المعنية، مثلا وزارة الثقافة ومؤسسة السينما التي يمكن لها أن تقيم ورشات لتطوير أداء العاملين لديها في الشؤون التقنية، كذلك حال صناع الدراما. ويجب أن يكون ذلك بإشراف خبراء معتمدين”. وفيما يتعلق بخصوصية مهنة المصور يؤكد أن “المصور من أسماء الله الحسنى، وهو شخص مبدع وخلاق يجب وضعه في بيئة مناسبة للعصف الذهني لكي تحضّه على الابتكار وتحفيز قدرته على البحث واستشراف المستقبل. يأتي ذلك عن طريق منحه فرص التدرب بشكل دائم واطلاعه على أحدث أشكال التكنولوجيا في الكاميرات التلفزيونية والسينمائية في العالم”. خبرات ينقلها لأجيال جديدة خبرات ينقلها لأجيال جديدة وبالعودة إلى الخطوات الأولى التي رسمت مسار عمله المهني في مهنة التصوير ووصوله إلى مرتبة الخبرة فيها يبين قائلا “في عام 2008 أقيمت في الصين بطولة أولمبياد بكين، وكنت مكلفا من قبل مؤسسة دبي للإعلام بالتغطية الإعلامية، وكانت الشركة الراعية لنقل الأولمبياد تلفزيونيّا باناسونيك التي طرحت حينها لأول مرة كاميرا ‘باناسونيك. أي جي. اتش. بي. إكس. 2000’ التي تعمل بتقنية ‘اتش دي’، ولم نكن نعلم كمشغلين عن هذه التقنية شيئا، وتعلمنا منها الكثير. بعد اطلاعي عليها وتعلمي التصوير بها عقدت العزم على نقل هذا العلم إلى كل المشغلين في العالم العربي. وعلى مدار سنوات جمعت الكثير من المعلومات عن هذه التقنية، وأعددت برنامجا تدريبيا موسعا بينت فيه كامل التفاصيل المتعلقة بالموضوع وباللغة العربية، وجلت أطراف الأرض مقدما هذا البرنامج للمعنيين به، وكنت معتمدا في ذلك من الشركات العالمية المصنعة للكاميرات بدل الخبراء الأجانب، منها شركات باناسونيك وسوني وكانون’. ولكوني أتحدث العربية مثل معظم المشغلين، كان لي قصب السبق في المنطقة العربية كلها”. ويتابع “قدمت عملي في السعودية والإمارات والعراق وعمان والسودان وسوريا وفي المركز العربي للتدريب الإذاعي والتلفزيوني التابع لجامعة الدول العربية. كل ذلك بعيدا عن بعض المراكز المتناثرة في الكثير من المدن العربية التي يفترض أنها تقدم معلومات تدريبية في فنون الكاميرات وهي أشبه بدكاكين صغيرة تقدم معلومات مشوشة وناقصة”. لم تقف حدود مروان فرج عند حدود فن السينما والتلفزيون، بل وصلت إلى حدود الإعلام المرئي الذي أوجد فيه برنامجا متكاملا سماه “الإعلام المؤسسي”، وعنه يقول “الإعلام المؤسسي هو فن ابتكرته تحت ضغط الحاجة إلى أفكار وبرامج تدريبية تضع حدا للارتجال الذي يتسبب في كثرة الأخطاء في الأداء الاعلامي. تم جمع مواده من خلال تجربتي على مدار أربعين عاما واطلاعي على الطرق الحديثة في الأداء المؤسسي من خلال تجوالي في العالم والاطلاع على ثقافات الغير والعمل مع أشخاص مؤهلين. وتم إدراج المواد والعناصر الأساسية في برنامج الإعلام المؤسسي ليشمل عدة مجالات: تصوير، ضوء، إضاءة، صوت. وذلك لإيماني بضرورة أن يعرف كل فريق العمل كيفية استخدام أدوات الإنتاج التلفزيوني، حيث لاحظت أن نفس الهموم والمشاكل موجودة في جميع الدول العربية، وهي تتجسد في الإعداد السليم والمنسق بشكل جيد وآمل أن نستطيع رفع سقف الممكن”.

مشاركة :