اجتذب معرض ميونخ للسيارات 2023، الذي أقيم في ألمانيا في الفترة من 4 إلى 10 سبتمبر، أكثر من 50 شركة صينية ذات صلة بصناعة السيارات للمشاركة في المعرض، وقد نالت سيارات الطاقة الجديدة للعلامات التجارية الصينية في المعروضة اهتمامًا واسع النطاق. لكن بشكل غير متوقع، أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية فون دير لاين في 13 سبتمبر الجاري، أنها ستطلق تحقيقا تعويضيا في السيارات الكهربائية الصينية. ويعد هذا القرار الذي اتخذه الاتحاد الأوروبي أمر مؤسف، حيث وجه نظره في الاتجاه الخاطئ، بدلا من البحث في حل صحيح لمشاكله الخاصة التي يراها أمامه. إن الأسباب التي دفعت الاتحاد الأوروبي إلى إطلاق هذا التحقيق التعويضي لا أساس لها من الصحة. حيث أن ما يقال بأن السيارات الكهربائية الصينية تتلقى "إعانات حكومية ضخمة" وأن التسعيرة المنخفضة بشكل متعمد تضر بالسوق الأوروبية، غير صحيح، فسعر السيارات الكهربائية الصينية في أوروبا أعلى بكثير من سعرها في الصين. علاوة على ذلك، على الرغم من أن السيارات الكهربائية الصينية تتطور بسرعة في السوق الأوروبية حاليًا، إلا أن حصتها ليست عالية. وسواء بالنسبة للمستهلكين الأوروبيين أو شركات السيارات الأوروبية الكبرى، فإن السيارات الكهربائية الصينية ليست "ذئاباً"، بل تفيد أوروبا. حيث منح دخول السيارات الكهربائية الصينية المستهلكين الأوروبيين خيارات أكثر وأفضل، وهي فائدة واضحة. وإن اتخاذ إجراءات صارمة ضد السيارات الكهربائية الصينية سيؤدي حتما إلى الإضرار بمصالح الشعب الأوروبي. وقد صرح أحد دبلوماسيي الاتحاد الأوروبي لوسائل الإعلام قائلاً: "لا يجوز خسارة صناعة السيارات لدينا". ولقد كشفت هذه الجملة عن النية الحقيقية وراء تحرك الاتحاد الأوروبي: ألا وهو نزعة الحماية باسم "المنافسة العادلة". ويزعم الاتحاد الأوروبي أنه "يحمي" صناعة السيارات الأوروبية، ولكن سياسات الحماية التجارية التي ينتهجها أثبتت في نهاية المطاف عدم فعاليتها، وأن المكاسب أقل من الخسائر. وإن صناعة السيارات التقليدية في أوروبا قوية للغاية وكانت في منطقة راحة نسبية لسنوات عديدة. كما أن هذا يجعلها أقل تحفيزاً لتطوير وابتكار السيارات الكهربائية، الأمر الذي يجعلها أقل قدرة على المنافسة. ولتغيير هذا الوضع، يجب عليها الخروج من منطقة الراحة الخاصة بها وتحسين القدرة التنافسية لمنتجاتها في سوق تنافسية بالكامل. وبدون الثقة والشجاعة اللازمة للفوز بالسوق من خلال المنافسة العادلة، سيكون من المستحيل ترسيخ القدرة التنافسية للسيارات الكهربائية الأوروبية. ولن تشهد صناعة السيارات الكهربائية نموا ولا تصبح قوية إذا تم الاحتفاظ بها في الدفيئة المغلقة. وإن الضغط الذي تسببه السيارات الكهربائية الصينية على صناعة السيارات الكهربائية الأوروبية هو في الواقع نوع من التحفيز والتشجيع، وإن استخدام الحواجز التجارية لن يعوض أبدا فجوة الابتكار، بل يؤدي إلى اتساع هذه الفجوة. كما ذكرت وزارة التجارة الصينية، أن صناعات السيارات في الصين وأوروبا لم يكن يمكن فصلها منذ فترة طويلة، وبالتالي فإن إيذاء الصين سيضر أوروبا. وأصبح السوق الصيني أكبر سوق خارجي للعديد من شركات السيارات في الاتحاد الأوروبي، وتوفر الصين بيئة عمل جيدة للسيارات الأوروبية. وإذا ألقيت نظرة على الطرق في ألمانيا ستجد أن أغلبها سيارات ألمانية، وفي طرق فرنسا أغلبها سيارات فرنسية، وكذلك الحال في اليابان وكوريا الجنوبية. ولكن، هناك سيارات من جميع أنحاء العالم تسير على طرق الصين، وهو ما يعكس بشكل حدسي انفتاح السوق الصينية وتنوعها. ويجب على أوروبا أن يعتز بهذا وتقدره. ويتعين على الصين والاتحاد الأوروبي خلق بيئة سوق عادلة وغير تمييزية ويمكن التنبؤ بها من أجل التنمية المشتركة لصناعة السيارات الكهربائية على الجانبين، ومعارضة الحمائية التجارية بشكل مشترك، والالتزام المشترك بالجهود العالمية لمكافحة تغير المناخ وتحقيق الحياد الكربوني. وبشكل خاص، كان الاتحاد الأوروبي ذاته ضحية لنزعة الحماية أيضاً، كما استخدم "قانون خفض التضخم" الذي قدمته الولايات المتحدة في العام الماضي أساليب مماثلة في محاولة لحماية الصناعات المحلية، وهو ما أثار معارضة شرسة في أوروبا في ذلك الوقت. واليوم، يستخدم الاتحاد الأوروبي نفس التفكير في التعامل مع المنافسين الأجانب، وينبغي له أن يخجل من قراره اليوم. وفي خطابها الذي ألقته يوم 13 سبتمبر الجاري، ذكرت فون دير لاين مثال الصناعة الكهروضوئية، وأعلنت أن "الاتحاد الأوروبي لم ينس تأثير الممارسات التجارية غير العادلة للصين على صناعة الطاقة الشمسية لدينا". وأن الخلايا الكهروضوئية هي في الواقع مثال يستحق المراجعة. وفي عام 2013، حذا الاتحاد الأوروبي حذو الولايات المتحدة في فرض رسوم مكافحة الإغراق على الألواح الكهروضوئية المستوردة من الصين، مستشهدا بنفس السبب المتمثل في "الإعانات غير العادلة". ولكن النتيجة هي أن صناعة الطاقة الكهروضوئية في أوروبا، التي تفتقر إلى المنافسة، أصبحت بطيئة، واضطرت العديد من الشركات إلى تجاوز أماكن أخرى لاستيراد المنتجات الصينية، وهو ما يؤدي بدوره إلى زيادة التكاليف. وإذا نظرنا إلى الوراء اليوم، فإن ما يمكننا استخلاصه من "دروس" الخلايا الكهروضوئية يتلخص في: أولاً، لا يمكن حماية القدرة التنافسية، وغالباً ما يؤدي الإغلاق إلى نتائج عكسية. ثانياً، يجب حل الخلافات والنزاعات التجارية في نهاية المطاف من خلال المفاوضات المشتركة بين الطرفين. ونأمل أن يتمكن الاتحاد الأوروبي من قراءة المعلومات الصحيحة من حالة الطاقة الكهروضوئية، والاستماع بشكل أكبر إلى أصوات مجتمع الأعمال، والإقلال من التفسيرات السياسية، وهذا هو الطريق الصحيح للتطور. ففي نهاية المطاف، لا يمكن للأشجار الشاهقة أن تنمو في دفيئة، ولا يمكن للنسور ذات الأجنحة الفولاذية أن تطير من قفص الطيور.
مشاركة :