يمكن تشبيه منهجية الكايزن على أنها منزل مكون من قاعدة وجدران وسقف؛ أو حسب المنهجية العلمية يمكننا أن نقول إنها تقوم على أسس واضحة المعالم، ومن غيرها فإن المنهجية تختل، وهي كالتالي: 1. قاعدة المنهجية هي: التخلص من الهدر والترهل، أيًا كان. 2. الجدران، وتشمل: أ. التحسين الصغير المستمر، وبصورة يومية إن أمكن. ب. في ذات الوقت الذي يحتاج إلى تحسين أو حل المشكلة. ت. على أن يكون الجميع مشاركًا في إزالة ذلك الترهل أو المشكلة. ث. في أقل تكلفة مالية أو معنوية ممكنة. 3. والسقف هو: من أجل العميل ولأجل العميل. لنشرح تلك النقاط، أولاً: القاعدة، وهي: التخلص من الهدر والترهل: قد يقول قائل، وهل في العمل التجاري أو في المشاريع وريادة الأعمال فواقد؟ وجدنا أنه في جميع العمليات الإنتاجية فواقد، ويجد الكثيرون منا أن الكثير من تلك الفواقد أمر حتمي، فالكثير ينظر إلى وقت تضبيط الآليات على أنه أمر طبيعي وعلينا التعايش معه، فالوقت –المهدر– في صيانة الآليات لا يمكن اعتباره مهدرا، وإنما حتمي من أجل صيانة الآليات، وكذلك الحال بالنسبة إلى المخزون والإنتاج، فيمكن لصانع البيتزا أن يخبز 10 أنواع من البيتزا حسب ما يراه الخباز من غير وجود أي طلب عليها، وعندما يأتي العميل ليطلب البيتزا فإن صاحب المطعم يقدم له أي نوع من البيتزا الجاهزة، بغض النظر عن طلب العميل. وإن لم يجد من يطلب تلك النوعيات من البيتزا فيمكن أن تبقى في الثلاجة أو المخازن فترات من الزمن حتى يتم طلبها وإخراجها. وأمور كثيرة يمكن أن تحدث في المؤسسات، وحتى في المؤسسات الصغيرة والمتوسطة. وللأسف فإن الكثير من المؤسسات والمؤسسات الصغيرة لا تعتقد أن لديها هدرا أو ترهلا أثناء الإنتاج، ولكن من خلال عملنا في تلك المؤسسات وجدنا الكثير من ذلك الهدر الذي يثقل كاهل العمل والعمال والميزانيات. وباختصار فإن الهدر يعني جميع الأنشطة والأمور والأشياء التي لا تضيف قيمة إلى العملية الإنتاجية أيًا كانت. ثانيًا: الجدران، وتشمل: 1. التحسين الصغير المستمر: وهي فلسفة إداريّة، يقوم عمودها الفقريّ على نشر ثقافة التحسين والمبادرة والتجديد والإبداع والإثراء والتطوير لكلّ النشاطات والمهمّات التي يؤدّيها الموظّفون داخل المؤسسة، وذلك بتشجيع القيادة الإداريّة عن طريق التحفيز الماديّ والمعنويّ. ويكمن هدف ذلك في استثمار المعرفة الضمنيّة المُكتنَزة لدى العاملين، والإفادة من ملاحظاتهم، لتحسين ظروف العمل وإنجاز المهمّات على أحسن وجه، في سبيل تحقيق أقصى الإفادات والوصول إلى وضع نظام جماعيّ للجودة داخل المؤسسة. وعليه، فإنه لا بدّ من مراعاة مجموعة من العوامل والمقوِّمات التي تُرسي دعائم التحسين المستمر داخل المؤسّسة، ومن أهمّها: أ. دعم الإدارة العليا لفلسفة التحسين المستمر وتشجيعها بمنح الحوافز الماديّة والمعنويّة، وكلّ متطلّبات نجاح جهود التحسين المستمرّ، إذ لن يُكتَب لها النجاح من دون ذلك. ب. تبنِّي منهجيّة للتحسين المستمر، تضمن كفاءة عمليّات التحسين وفعاليّتها. ت. ضرورة بناء ثقافة منظَّمة، تتّجه نحو التحسين المستمرّ وتفي بمتطلّباته، مع ضرورة ربطها بتحسين أداء العمليّات. ث. توفُّر نظام اتّصال فعّال حقيقيّ ومفتوح في جميع الاتّجاهات، مبنيّ على تحديث المعلومات وتنوّع أساليب الاتّصال الحديثة، فيسهم في تثمين التحسينات والتطوّرات المُحقَّقة على مستوى الأداء والعمليّات. إلا أنه يجب أن يكون معلومًا أن عمليات التحسين يجب أن تقوم ضمن أنظمة واضحة تحددها المؤسسة، وتنفذها المؤسسة، حتى لا تتحول الأمر إلى فوضى يمكن أن تدمر المؤسسة بدلاً من تطويرها. وعلى الصعيد الشخصي – مثلاً– فإنه يمكن توفير مبلغ قدره 365 دينارا في سنة واحدة من غير أن تتأثر الميزانية الشخصية، وذلك بتوفير مبلغ قدره 100 فلس لا أكثر بصفة يومية، تخيل وضع 100 فلس في المدخرات كل يوم، بالكاد ستلاحظ أن 100 فلس مفقودة كل يوم، ولكن بحلول نهاية العام سيكون لديك مبلغ قدره 365 دينارا مدخرًا، عملية تحسين صغيرة ولكنها مستمرة. 2. في ذات الوقت الذي يحتاج إلى تحسين أو حل المشكلة: وجدت العديد من مؤسسات الإنتاج أن عنصر الوقت عنصر جوهري في عملية التحسين، لذلك منحت تلك المؤسسات الحق للموظف –أيًا كان منصبه– أن يوقف خط الإنتاج إن وجد أن هناك خطأ حدث في النقطة المعنية من الخط الذي هو مسؤول عنه. والخطوات تتم كالتالي: يوقف خط، يبلغ المشرف المباشر، يجب أن يحضر المشرف إلى مكان العمل، تتم حل المشكلة في ذلك المكان وبالطريقة الصحيحة، ولا يترك الخطأ حتى نهاية الخط ليتم تصحيحه لأنه ربما لا يتمكن الموظف في نقطة النهاية من إدراك الخطأ، وهذا ما يعني أن المُنتج سيخرج من المؤسسة إلى السوق بأخطائه وعيوبه وهذا سيؤدي حتمًا إلى خسارة المؤسسة. 3. على أن يكون الجميع مشاركًا في إزالة ذلك الترهل أو المشكلة: من أجل نجاح سياسة التحسين المستمر، يجب العمل على خلق بيئة وظيفيّة تمكينيّة، تتميَّز بالفاعليّة والقدرة على إطلاق المبادرات وحرّيّة التفكير والتشاركيّة في الرأي والقرار، وإرساء قيم تنظيميّة قائمة على مؤشِّرات الجودة. فحسب منهجية الكايزن فإنها منهجية ليست محدودة زمنيًّا بهدف أو بموعد نهائيّ، بل هو مسار لمدى الحياة من البحث والتفكير والتعلّم والتحسين، ومن أجل إطلاق العنان للكايزن فإنه يجب مراعاة العديد من عوامل التمكين، بما في ذلك الرؤية طويلة المدى، وتعاون كلّ شخص في المؤسسة، ووضع قيمة العميل والجودة في المقام الأوّل، واتّخاذ منظور النظام بأكمله (مدخل النظم)، وتعزيز الشجاعة والشفافية. لذلك فإنه ثقافة المؤسسة يجب أن تشمل جميع المستويات الوظيفيّة، ولا سيّما الفريق الإداريّ والموظفين والعمال وجميع من يعمل في تلك المؤسسة، فكل هؤلاء لديهم مهارات ربما لا يتملكها الرئيس التنفيذي للمؤسسة، لذلك فإن الجميع مسؤول. تخيل أنك بحاجة إلى زيادة الإنتاج بنسبة 15% خلال الأشهر الستة المقبلة، يمكنك استدعاء نوع من الخبراء لتحليل عملياتك وتقديم التوصيات، ويمكنك بعد ذلك إبلاغ موظفيك بالتغييرات التي تجريها والنتائج التي تتوقع منهم تحقيقها نتيجة لذلك. ولكن وجدت المؤشرات أنه من الاحتمال أنه في أحسن الأحوال سوف تتعرض – كصاحب المؤسسة – للكثير من الصدمات، وفي أسوأ الأحوال قد يكون لديك تمرد صريح بين يديك. ولكن على العكس من ذلك، يمكنك الاقتراب من موظفيك واسألهم كيف شعروا أنه يمكن تحسين الإنتاج، الاحتمال هو أن لديهم فكرة جيدة جدًا عما يبطئ الإنتاج في المقام الأول، ومن خلال سؤال الأشخاص الذين يعيشون الوضع اليومي فإنه من المرجح أن تحصل على صورة أكثر دقة بكثير لمكان وجود المشكلات، وهذا أسهل وأوفر في حل المشكلات. 4. في أقل تكلفة مالية أو معنوية ممكنة: المنطق التجاري والفني يقول إنه ينبغي تقليل التكاليف المالية أو المعنوية إلى أقل مستوى ممكن إن كنا فعلاً نسعى إلى تحقيق التحسين وحل المشكلات في المؤسسة التي نديرها. فليس من المنطق أن منتجا يكلف 1000 دينار مثلاً، ويعود على المؤسسة بفائدة قدرها 20% أن نصرف على تحسينها مبلغا قدره 100% من الثمن الأصلي للمنتج ووقتا طويلا للتحسين، فالوقت والمال جوانب جوهرية يمكن أن ينخفض بأقل ما يمكن حتى نحقق التوفير اللازم. لذلك فإن التكلفة المالية العالية أو إضاعة وقت طويل في عملية تحسين صغيرة لا يمكن اعتبارها (كايزن)، لأنها حينئذ تخرج من منهجية الكايزن إلى منهجيات أخرى. ثالثًا: العميل أولاً وأخيرًا: السؤال الذهبي هنا؛ لماذا يجب أن نفعل كل تلك الخطوات السابقة؟ والإجابة واضحة وهي لإرضاء العميل. العميل أو المستهلك هو ببساطة الشخص الذي يقوم بعملية الشراء بأي صورة كانت، ولقد حاول عديد من العلماء شرح أهمية العميل أو المستهلك أو الجمهور، فمثلاً يقول جيفري كيه رورز في كتابه (الجمهور – التسويق في عالم رقمي) «أجبْ سريعًا، ما أهم أصول عملك في الوقت الحالي؟ علامتك التّجارية؟ ملكيتك الفكرية؟ المنشآت المادية؟ المخزون؟ الموظفون؟ كلُّ هذه إجابات مُحتمَلة، لكن ثمة أصل يُغْفَل عنه باستمرار عندما أطرح هذا السؤال على الشركات. إنه الجمهور». نعم، الجمهور أو العميل أو المستهلك. ولقد حاول الكثير من العلماء التصدي لموضوع أهمية العميل، وبعد نيف من الزمن تكوّن علم جميل ليدرس سلوك المستهلك، أطلق عليه (علم سلوك المستهلك)، فكيف نفهم هذا العلم؟ وكيف نستفيد منه؟ ولقد وجدنا أن غالب المؤسسات الأمريكية اليوم تحولت تمامًا من مؤسسة تدور حول المنتج إلى مؤسسات تدور حول العميل، وقامت جامعة هارفارد بتوثيق هذا التحول الصعب والمنهك، ولكنه شر لا بد منه، في كتاب التسويق الاستراتيجي، وهو تغيير في نمط التفكير التقليدي لمنهج مختلف تمامًا. وربما هنا يأتي السؤال الأهم: ماذا يريد الجمهور حتى نتمكن من تقديم ما يريد له؟ بل وقد ذهب العديد من علماء التسويق إلى إعادة صياغة السؤال ليكون هكذا: ما الذي نتوقع أن يريده العميل لنوفر له ذلك قبل أن يطلبه؟ ما احتياجاته؟ وكيف يمكن أن نترجم احتياجاته إلى سلعة أو منتج أو خدمة؟ وهنا نتوقف، ولكن تظل منهجية الكايزن مفتوحة للتحدث في المقال التالي. Zkhunji@hotmail.com
مشاركة :