كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن النقد البناء، والنقد الساخر، والنقد الذي يتضمن الإساءة للأشخاص، والشتائم الإلكترونية، خاصة بعد مساحة الفوضى التي أوجدها النشر الالكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي. التوعية وجدت وسوف تستمر لكنها أصبحت توصية جاهزة في كل الندوات والحوارات التي تناقش قضايا ومشكلات المجتمع. ما هو مستوى الوعي الذي يجب أن نصل اليه حتى نبتعد عن المخالفات والمخاطر؟ متى ننتقل من التوعية الى القانون؟ هذا الموضوع من أكثر الموضوعات التي تطرح بصفة مستمرة ومع ذلك تستمر المخالفات والخروج عن النص، ويستمر الجدل حول كيفية التعامل مع النقد البناء للاستفادة منه، وكيفية التعامل قانونيا مع النقد الذي يسيء للناس ويوجه لهم التهم دون دليل، وكذلك كيفية التعامل مع جرائم النشر الالكتروني بشكل عام. طبعا لا تستطيع أن ترفع قضية على شخص وصفك بأنك جاهل، أو لا تفهم فهذا رأيه وهو حر فيه، ولكنك تستطيع أن تحتكم الى القانون إذا اتهمك أحد- على سبيل المثال- بالفساد أو الرشوة. النقد الساخر مطلوب ومفيد طالما أنه يلتزم بأخلاقيات النقد. وهناك نوع من الاساءة التي يصعب المحاسبة عليها، ومنها النقد الانتقائي الذي يقتطع كلمة من سياقها العام ليغير من معناها ومقصد صاحبها ويستخدمها ذريعة للنقد الجارح. لقد أصبحت الوسائل الاعلامية في متناول الجميع فكل فرد في المجتمع يملك وسيلته الاعلامية الخاصة. وتحولت حرية الرأي والتعبير الى انفلات وفوضى. امتلأت وسائل التواصل الاجتماعي، والنشر الالكتروني بالسب، والاشاعات وتوزيع التهم. وبعضها يصل الى مرحلة التحريض، ونشر الفتن والأكاذيب بهدف تهديد أمن المجتمع. كل ذلك يحصل بسبب اختلاف في الرأي. هذا الاختلاف صار يعطي المبرر للإقصاء والشتم، والاهانة. أين موقع النقد في هذه الفوضى؟ والنقد الذي نسأل عنه بطبيعة الحال هو النقد الموضوعي الهادف البناء؟ هذا النقد المنشود يختفي أمام اعتقاد البعض أن وسائل التواصل الاجتماعي تعطيه الحق في أن يقول ما يشاء، وأن يطلق من الأخبار والاشاعات والاتهامات ما يريد دون رقابة ذاتية، ودون ادراك لمعنى أن الحرية تعني المسؤولية. القضية ليست قضية نقد ولكنها استغلال للتقنية من أجل الإساءة الى الآخرين. أحد لقاءات مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني كان بعنوان (الحراك الثقافي في مواقع التواصل الاجتماعي) وكان من ضمن توصياته دعم وسائل التواصل الاجتماعي وترشيد سلبياتها، وقد نظر المشاركون الى هذه السلبيات نظرة ايجابية متفائلين بأنها سوف تختفي مع الزمن، والأهم في نظرهم أن مواجهة السلبيات بالحجب لن يحل المشكلة بل قد يفاقمها. كما أكدت التوصيات على تفعيل الأنظمة الموجودة لمحاسبة من يتجاوز الثوابت الدينية والوطنية أو المتعلقة بالأشخاص والمؤسسات. تلك توصية قد تكون منطقية يتبعها أيضا أسئلة منطقية عن نوعية المحاسبة التي يمكن تطبيقها إذا كان الحجب ليس أحدها. وما هي الأنظمة الموجودة التي تقترح التوصية تفعيلها؟ وهل يوجد تنسيق بين الجهات ذات العلاقة لمتابعة الممارسات السلبية وتطبيق الأنظمة بشأنها؟ ومن يتابع ذلك؟ وما هو المدى الزمني المتوقع الكفيل باختفاء السلبيات؟ إن من المفارقات الملفتة للنظر أن تطور وسائل الاتصالات لم يصاحبه تطور ثقافي ولا تطور في أساليب الحوار، وأساليب النقد، بل على العكس كشفت تلك الوسائل التقنية المتطورة عن وضع فكري وتربوي وثقافي لا يسر. إن سلبيات وسائل التواصل الاجتماعي ناتجة عن سوء الاستخدام وهي سلبيات – من المؤسف- أنها لن تزول مع الزمن الا بتطبيق أنظمة صارمة على المخالفين الذين يسببون الأذى للأفراد ويشكلون خطرا على المجتمع. أما قضية التوعية والتثقيف التي نراها حلا لكل مشكلاتنا فهي أحد الحلول التي لا تنجح وحدها في تعديل السلوك، ولنا تجربة طويلة مع التوجيه والارشاد وحملات التوعية والتثقيف لكن أثرها غير واضح بدليل استمرار معاناتنا مع سلوكيات غير منضبطة، والسبب في ذلك هو عدم وجود أنظمة أو وجودها مع عدم تطبيقها. التوعية وجدت وسوف تستمر لكنها أصبحت توصية جاهزة في كل الندوات والحوارات التي تناقش قضايا ومشكلات المجتمع. ما هو مستوى الوعي الذي يجب أن نصل اليه حتى نبتعد عن المخالفات والمخاطر؟ متى ننتقل من التوعية الى القانون؟ أمامنا تجربة المرور، فبعد حملات موسمية متتابعة طوال سنوات في مجال التوعية بالمرور لم تكن كافية لتعديل الوضع فكان لا بد من نظام قوي فجاء (ساهر) وكان له تأثير ملموس في إحداث بعض التغيير الايجابي. ومع ذلك لا تزال حوادث المرور الناتجة عن تهور بعض السائقين مستمرة ما يعني أن العقوبات يجب أن تكون أقوى. في قضية النشر يوجد لائحة للنشر الالكتروني من أهدافها دعم الاعلام الالكتروني الهادف بتأصيل القيم المهنية، وحماية المجتمع من الممارسات الخاطئة، وحفظ حقوق الأشخاص في الدعوى لدى الادارة المعنية في حال الشكوى، ودعم ثقافة الحوار والتنوع وتكريس ثقافة حقوق الانسان المتمثلة في حرية التعبير المكفولة للجميع وفق أحكام النظام. أما نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية فيتضمن عقوبات منها السجن من سنة الى عشر سنوات، وغرامات مالية من خمسمئة ألف ريال الى خمسة ملايين ريال. معنى هذا أن الأنظمة موجودة وأن التطبيق هو الذي يحتاج الى تفعيل لوقف الانفلات والفوضى والتساهل في توزيع الاساءات والشتائم والتهم تحت مسمى النقد أو حرية التعبير. ومن الغريب جدا أن تصدر أحيانا مثل هذه الشتائم من أناس يفترض أنهم حكماء وفي موقع القدوة والمتوقع منهم الاحتكام الى المعايير الموضوعية، والحقائق وليس الاشاعات ووكالة يقولون. القدوة مبدأ يقوم بدور تربوي مهم في التوعية والتثقيف وتعديل السلوك. وحين يكون مصدر الخلل من (القدوة) فهو من باب العدالة يجب أن يخضع للقانون. أخيرا، نشرت (الرياض) في 14/4/ 1437 تحقيقا من إعداد الزميلة منى الحيدري بعنوان (الشتم الإلكتروني يعاقب المسيء) تحدث فيه المشاركون عن أهمية التوعية، لكن الأهم هو إشارتهم الى أن من يسيء استخدام التقنية في الإساءة لن يكون بإمكانه الإفلات من الملاحقة. يقول مستشار تقنية المعلومات د. فهد الحربي (هناك اعتقاد سائد بأن استخدام المعرفات المجهولة أو الوهمية تمنع المساءلة القانونية وهذا الأمر غير صحيح، فالتقنيات الحديثة لديها القدرة على تتبع حسابات التواصل الاجتماعي ومعرفة من يديرها بسهولة. كما أن البعض يغفل عن حقيقة أن جميع ما ينشر عن طريقه سوف يشكل مستقبلا ما يعرف بالبصمة الرقمية للشخص والتي لا يمكن التخلص منها ومن تبعاتها)، ويؤكد ذلك أيضا د. أحمد سندي حيث يرى أن اعتقاد المشاركين في الانترنت بإمكانية التخفي وعدم إظهار شخصياتهم الحقيقية هو أبعد ما يكون عن الحقيقة. المشاركون في التحقيق المشار اليه اتفقوا على موضوع التوعية، وهي مطلب مهم ومتفق عليه؛ وحيث وجدت الأنظمة، وبدأت التوعية، فلم يبق غير تطبيق هذه الأنظمة خاصة أن سوء الاستخدام لا يقتصر على الإساءة للآخرين وتبادل الشتائم ولكنه يتعدى ذلك الى استغلال المواقع للمنظمات الإرهابية. Yousef_algoblan@hotmail.com
مشاركة :