جمال زقوت يكتب: الهروب إلى «التاريخ» من متطلبات الحاضر والمستقبل !

  • 9/19/2023
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

انفجرت في الأيام الأخيرة حملة منظمة ضد رأي عبرت عنه مجموعة في بيان عرف بـ «بيان المئة»، وبغض النظر عن الاجتهاد إزاء ما تضمنه البيان أو غفل عنه، فقد انحدر الإسفاف في هذه الحملة حد استسهال التخوين، وهو الأمر الذي بات طاغيًا في الحوار الداخلي بين مختلف الفرقاء، دون الانتباه لما يحدثه من انزلاق خطير بعيدًا عن معركتنا الأساسية في مقارعة الصهيونية وطابعها العنصري، وفضح نفاق حلفائها في الغرب الاستعماري، وهو الأمر الذي لم يعد قادرًا على تحقيق اختراقات إزاء أهدافه بإحداث التحولات المرجوة رغم ما يجري من تَغَيُّرٍ لصالح قضيتنا في الرأي العام في أوساط العديد من دول وشعوب العالم، ذلك بفعل أزمتنا الداخلية الطاحنة، وانحرافها عن بوصلة النضال والخطاب الموحد ضد الاحتلال والصهيونية، وأيضًا بفعل ما علق بالنظام السياسي الفلسطيني من مظاهر خلل باتت فاضحة، وتعيق الاستثمار السياسي لما يجري من تغيُّر في الرأي العام الدولي ذاته.   الأزمة الفلسطينية الراهنة تتعمق يوميا، وتبدو وكأنها في حالة انسداد عقيمة لا مخرج لها، ذلك يعود بشكل أساسي إلى إصرار القوى الانقسامية المهيمنة على المشهد، على رفض مراجعة الأسباب التي أوصلت الحركة الوطنية ومشروعها الوطني إلى ما هي عليه من فشل يقترب من الإفلاس. ولكن علينا أيضا ألا نغفل أنه، وبالإضافة لطغيان أولوية المصالح الأنانية والشخصية والفئوية لدى الممسكين بقرارنا الوطني من عنقه، فإن نفاق المحيطين ومحاولات تزيينهم لهذا الفشل، واختراع نجاحات غير موجودة أحيانا، أو الاكتفاء بقذف الاتهامات لأصحاب الرأي الآخر في كثير من الأحيان، الأمر الذي جعل القيادة ذاتها تبدو وكأنها معزولة عن الواقع، وعن مدى حاجتها لفكرة أو نصيحة قد تسهمان ولو في تدوير زوايا الأزمة إن لم يكن الخروج منها .   كان ولا يزال من الممكن أن تكون أحد آليات البحث عن مخارج الأزمة الوطنية، بأن تلجأ القيادة إلى الدعوة لعقد مؤتمر وطني والاستعانة بعدد من المفكرين، بدلاً من ترك المنافقين يتمادون في حملة الردح والتخوين، وأن يشارك فيه أصحاب الرأي والخبرة وممثلون عن مختلف القوى السياسية والقطاعات الاجتماعية وقادة المقاومة الشعبية والحراكات الوطنية والاجتماعية التي تعلن يوميا مدى مخاطر الاستمرار بالسياسة الراهنة للسلطة و لهاثها حول مجرد التفاوض، وكذلك مخاطر سياساتها الاقتصادية والاجتماعية والأمنية المعتمدة، والتي تشكل البيئة الحاضنة للعزلة الشعبية التي تكاد تخنق السلطة وتجعلها فريسة لمخططات الاحتلال. فالدعوة لهكذا مؤتمر ستشكل إشارة من القيادة لمدى الحاجة الوطنية لمراجعة المأزق وتداعياته الخطيرة على المصير الوطني، و أن يؤخذ بمخرجاته كاستراتيجية عمل موحدة لإعادة هيكلة وتوحيد المؤسسات الوطنية الجامعة على صعيد المنظمة والسلطة، تمهيدًا لإجراء انتخابات عامة تفتح الباب نحو إعادة بناء وتجديد الحركة الوطنية وبرنامجها الوطني التحرري.   للأسف هذا لم يحدث، ويبدو أنه بعيد عن مجرد التفكير به، والأخطر كما يبدو هو حالة إنكار الواقع والاعتقاد بأن الأمور تسير على خير ما يرام، وأن المشروع الوطني لا يعيش أزمة، ولا خطر على قضية شعبنا وضم أرضه وتصفية حقوقه، وأن المشكلة تكمن فقط في «المناوئين أصحاب الرأي في خدمة الآخر» وأن الحل يكمن فقط بإقصائهم وفضح «أجنداتهم الخارجية !!!». وطالما أنه من المستبعد أن تتبنى قيادة السلطة والقوى الانقسامية المهيمنة على المشهد الدعوة لمثل هكذا مؤتمر، فعلى باقي الأطراف الأخرى أن تتحمل مسؤولياتها للتحرك بهذا الاتجاه .   هذه النمط من سلوك القيادة لا ولن يوصلنا إلى أي مكان، بل سيكون الطين الذي يدفن الإنجازات التي حققها شعبنا المكافح على مدار ما يزيد على القرن في مواجهة العنصرية الصهيونية. فالإفلاس الذي وصلنا إليه يشبه مقولة «اللي بيفلس بيدور على دفاتره العتيقة»، حتى لو تآكلت قيمتها. فمواجهة زيف الرواية الصهيونية التوراتية، وصون الرواية الوطنية وإبقائها حية قادرة على الصمود يتطلب أولاً وقبل كل شئ توحيد واستنهاض طاقات شعبنا، اليوم وغدا، وليس استبداله بمجرد الهروب إلى تاريخ لن يفيدنا اليوم بشئ إن لم يكن ضارًا بعدالة قضيتنا وقيمها الأخلاقية، والتي ترفض أي جريمة إنسانية بحق أيٍ كان، مميزةً بين اليهود كيهود، وبين الصهيونية الكولونيالية العنصرية، سيما أننا الضحية التي تدفع ثمن ذلك التاريخ من حاضرها ومستقبلها. فأهداف الصهيونية واضحة، ومخططات يمينها التوراتي الفاشي العنصري تسير على قدم وساق وهي تسعى للإطاحة بوجودنا في هذه البلاد، والصراع الجاري ليس فقط على التاريخ، على أهمية ذلك، بل وعلى متطلبات وممكنات استنهاض عناصر القوة التي تعيننا على تغيير الحاضر والظفر بالمستقبل، لكي نكون قادرين على مغادرة كوننا ضحايا لنستعيد مكانتنا في بناء الحضارة الانسانية ذاتها. فماذا نحن فاعلون ؟!

مشاركة :