بعد أسبوع من الفيضانات المميتة التي اجتاحت ليبيا، يريد الناجون في درنة إجابات: لمَ بقيت طلبات إصلاح السدّين المنهارين حبرا على ورق ومن سيساعدهم في مواجهة أخطار الأوبئة؟ شهدت مدينة درنة المنكوبة احتجاجات ضد السلطات قال عبد القادر العمراني لوكالة فرانس برس من سريره في أحد مستشفيات بنغازي، كبرى مدن الشرق الليبي "قبل عامين، كان يحدث تسرب في السد الكبير عندما يكون نصف ممتلئ. حذّرنا البلدية وطالبنا بإصلاحات". وقل الرجل البالغ من العمر 48 عاما والذي رأى جثث ستة من أحبائه تجرفها المياه في مدينته المدمرة، "كان يمكن تجنّب آلاف الوفيات". وأضاف أن المسؤولين الذين لم يقوموا بالإصلاحات "يتحمّلون مسؤولية الوفيات". بعد تظاهرة شارك فيها مئات السكان، قرر رئيس حكومة شرق البلاد أسامة حماد الاثنين حل المجلس البلدي في درنة وطلب فتح تحقيق. وبالمثل، حمّل عز الدين مفتاح (32 عاما) القابع في العناية المركزة السلطات المحلية المسؤولية. وقال الموظف في القطاع الخاص الذي نجت عائلته من الفيضانات، إنه "خطأ المسؤولين الذين لم يقوموا بعملهم وتركوا السدّين ينهاران". وحوّلت موجة المد التي تلت انهيار السدَّين قلب المدينة البالغ عدد سكانها 100 ألف نسمة إلى كومة من الوحل مشطتها فرق الإنقاذ لانتشال الجثث والجرافات لحفر مدافن جماعية. وقال العمراني "بعد كل هذا الموت أصبحت البلاد موحدة أخيرا، وهبّ الجميع لمساعدتنا" مبديا اقتناعه بأن "درنة ستكون قضية تستحق الدفاع عنها". دور المجتمع المدني لكن من أجل تحقيق ذلك، قال ناجٍ آخر يقبع في سرير مجاور لم يرغب في كشف اسمه "نحن نحتاج إلى دولة". وأوضح هذا الرجل البالغ 53 عاما والذي ضرب رأسه "في السقف بعدما ملأت مياه الفيضانات غرفة المعيشة" أن هناك حاجة إلى "المليارات وإلى شبكة صرف صحي جديدة"، معربا عن امتنانه "للمجتمع المدني". لكن تدخل الدولة يشكّل تحديا في ليبيا التي تعمّها الفوضى والانقسامات منذ سقوط معمر القذافي عام 2011 وتتنافس على السلطة فيها حكومتان، الأولى تتخذ من طرابلس في الغرب مقرا ويرأسها عبد الحميد الدبيبة وتعترف بها الأمم المتحدة، وأخرى في شرق البلاد الذي ضربته العاصفة، يرأسها أسامة حمّاد وهي مكلّفة من مجلس النواب ومدعومة من الرجل القوي في الشرق المشير خليفة حفتر. الدولة "غائبة" وأضاف الرجل "انتقلت ليبيا من مشكلة إلى أخرى، لكننا الآن في حاجة إلى دولة لأن درنة مدمرة وما زال 70 ألف شخص مهددين بالأوبئة هناك". وتابع الخمسيني الذي ينتظر الخضوع عملية جراحية بعد إصابته بالتهابات في يديه وساقيه المكسورتين بسبب السباحة في مياه الصرف الصحي "لا يستطيع الناس شرب الماء أو الاغتسال بها، كيف سيتدبّرون أمورهم؟". وقال إن أحدا لم يتخيّل أن يجتاح مثل هذا "التسونامي" درنة. في المساء "تلقينا تنبيها يفيد بأن مستوى سطح البحر سيرتفع، فأخذت زوجتي وأطفالي الأربعة للاحتماء مع أهل زوجتي في الجبال المطلة على المدينة". وعندما عاد بمفرده إلى درنة، طلب المشورة من السلطات المحلية التي أكدت له أن منزله ليس في المنطقة المهددة، وفق ما روى. وبعدها، حدث كل شيء بسرعة كبيرة، كما قال العمراني مضيفا "الوفيات والمفقودون وتدمير درنة، كل هذا وقع بين الساعة 03,00 و04,30 صباحا". فجأة، غمرت المياه منزله الواقع قرب أحد السدَّين المنهارين. قفز من شرفة وتسلّق شجرة ثم تمكّن من الوصول إلى الجبل. وعندما انحسرت المياه أخيرا، لم يكن هناك "أي مبنى أو شجرة أو حياة، لم يكن هناك إلا الجبل... لقد عشت نهاية العالم، من دون مبالغة". وأضاف "نجوت من أسوأ كابوس مرعب في العالم". وعندما وجد عائلته بعد ساعة ونصف ساعة من المشي بين الحطام والجثث "اعتقدوا أنهم رأوا شبحا، كانوا شبه متأكدين من أنني ميت". خ.س/ح.ز (أ ف ب)
مشاركة :