بقلم: جيرار آرو عقدت مجموعة دولبريكس اجتماعاً مهماً في الفترة من 22 إلى 24 أغسطس في مدينة جوهانسبرغ، عاصمة جمهورية جنوب افريقيا، وسط جدال كبيرة وحالة من الترقب لما تسفر عنه هذه القمة. مجموعة دولبريكس هي النادي الذي أنشأته خمس دول محورية هي روسيا والصين وجنوب إفريقيا والبرازيل والهند، وقد بات يحمل اليوم آمال الجبهة المناهضة للغرب في العالم في وقت بدأ فيه النظام العالمي تحولات على مستوى التحالفات وموازين القوى. لقد بدأت أطراف كثيرة في الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية تتخوف من هذه التحولات وتتحسب لما قد تتمخض عنه من تداعيات على مستوى العلاقات الدولية وموازين القوى. ففي بعض الأحيان ينهار فجأة مبنى بدا غير قابل للتدمير بمجرد نقرة واحدة. من كان يظن أن اقتحام سجن الباستيل في باريس وسقوط سجن موروث من القرون الوسطى سيؤدي بعد ثلاث سنوات إلى نهاية ملكية عمرها ألف عام في فرنسا؟ من كان أيضا يتخيل أو يدور في خلده أن حادثة جمركية في ميناء مدينة بوسطن ستؤدي إلى إنشاء الولايات المتحدة الأمريكية واندحار القوة الاستعمارية البريطانية؟ في الواقع، وعلى غرار النمل الأبيض الذي يتسبب ببطء في تآكل أحد المباني أو قطعة من قطع الأثاث، قامت القوى الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بعملها المقوض في الظل. لم يكن للملكية الفرنسية والقوة الاستعمارية البريطانية سوى القوة الظاهرية. ربما كانت الحرب في أوكرانيا مثالاً آخر لهذه الظاهرة التي ستعود بعواقب وخيمة على الغرب هذه المرة. من المسلم به أن ظهور الصين، وصعود الهند، والتخفيض التدريجي لحصة مجموعة الدول السبعة -أو بالأحرى نادي الأثرياء- في الناتج المحلي الإجمالي العالمي كان ينبغي أن يحذرنا ويجعلنا ننتبه إلى التحولات التي تجري في العالم، لكننا في الغرب، مثلما حدث في محطات تاريخية كثيرة، لا نتعلم بهذه السرعة قيمة التواضع بعد أن هيمنت هذه القوى الغربية على العالم في جميع المجالات منذ عقود. من جانبها، كانت الولايات المتحدة الأمريكية أقل استعدادًا لها لأنها لم تعرف أبدًا أي مكانة أخرى غير مكانة الزعامة في معسكرها الغربي ومن ثم قيادة العالم والهيمنة عليه. كانت موازين القوى تتغير ببطء ولكن بثبات على حساب الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية. كان من المحتم أن تعكس العلاقات الدولية ذلك عاجلاً أو آجلاً. كانت فرصة واحدة كافية لينطلق قطار تسريع التحولات على مستوى العلاقات الدولية وموازين القوى في العالم. لقد كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هو الذي خلق هذه الفرصة... عن غير قصد. في الواقع، فقد أجبر الغزو العسكري الروسي لأوكرانيا المجاورة كل دولة من دول العالم على اتخاذ موقف. فمن ناحية، طالب أنصار أوكرانيا بإدانة روسيا من قبل منظمة الأمم المتحدة، وهو ما تم بأغلبية كبيرة؛ ومن ناحية أخرى فقد دعت هذه الدول المؤيدة لأوكرانيا إلى معاقبة روسيا غير أن طلبها قوبل برفض واسع النطاق، وخاصة من قبل دول الجنوب العالمي. بل أكثر من ذلك؛ تتمسك بقية دول العالم اليوم بالتزام موقف الحياد ولم تتجاوز التصويت على مبدأ الجمعية العامة للأمم المتحدة، الذي لا يترتب عليه أي أثر قانوني فعلي ملزم على أرض الواقع. تستقبل هذا الدول، التي ترفض اتخاذ أي موقف من الحرب يصب في اتجاه الموقف الغربي، وزراء روسا وتشتري النفط والغاز الروسي بأسعار مخفضة، ولن أجازف إن قلت إن بعض الدول تساعد الشركات الروسية على الالتفاف على العقوبات الغربية. غالبًا ما يلتزم القادة في خطاباتهم بالعموميات التي تدعو فقط إلى التفاوض. دعونا أولاً نستبعد فكرة تفسير التعاطف المحتمل مع القضية الروسية. تثبت الأصوات في الجمعية العامة للأمم المتحدة أن الأمر ليس كذلك. إن الأمر يتعلق بالأحرى بتنامي الكراهية الموجهة ضد المعسكر الآخر، أي المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما يجب أن نتحدث عنه. لقد لمسنا في مقر منظمة الأمم المتحدة في نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية أن جزءا كبيرا من العالم لا يكن أي ود للغرب والغربيين. يجب علينا نحن في الغرب ألا نفاجأ لعدة أسباب؛ في مقدمتها ماضينا الاستعماري، وهيمنتنا على المؤسسات الدولية، ومعاييرنا المزدوجة في علاقاتنا الدولية، وتدخلاتنا العسكرية، وتدخلنا في شؤون الدول الأخرى، وهي أسباب كثيرة تجعل الآخرين يبتهجون بما يعتري الدول الغربية اليوم من صعوبات وهم يرون فيها فرصة لتحرير أنفسهم من تأثيرنا وهيمنتنا عليهم. تفعل بعض الدول ذلك لأنها تريد تأكيد سيادتها وهي تتهم الدول الغربية بالعمل على تقويضها فيما تفعل بعض الدول الأخرى ذلك لأنها تريد أن تنتهز الفرصة لرفض حقوق الإنسان والديمقراطية التي تعتبر من أسلحة للغرب الناعمة. في هذا السياق، فإن رؤية الغرب وهو متورط في حرب لا تثير الكثير من التعاطف خارج قارتنا، وخاصة أننا لا ننسى الصراعات العديدة التي احتدمت خارج أوروبا في لامبالاة تامة من الغرب، هذا إذا لم يكن الغرب هو الذي أشعل فتيلها. إذن، هل ستكون الحرب بين البيض أكثر خطورة من الصراعات التي أودت بحياة الملايين من البشر في إفريقيا وآسيا؟ في الحقيقة فإن الأمر لا يتعلق بالشفقة بقدر ما يتعلق بالإصرار على الاستفادة من فرصة الحرب في أوكرانيا لتأكيد هذه الحرية الجديدة، التي تعتبر ثمرة ظهور بوادر الضعف والانحسار الغربي في العالم. إن اتفاقية بريكس -وهي اتفاقية توحد روسيا والبرازيل والصين وجنوب إفريقيا والهند- مصممة كبديل لمجموعة الدول السبع والهيمنة الغربية على المؤسسات متعددة الأطراف، وقد أصبحت هذه المجموعة تثير اهتمام الكثير من الدول الأخرى على غرار الجزائر، والأرجنتين ومصر، وهي الدول المرشحة للانضمام إلى هذه المجموعة. إن مجموعة بريكس هي جبهة مناهضة للغرب وهي تزاد قوة واتساعا في العالم. في عام 2023، ستمثل دول بريكس 27% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي ومجموعة السبع 41%، لكن الديناميكية الاقتصادية تلعب دورًا سريعًا في السابق. إن إعادة تشكيل توازن القوى على حساب العالم الغربي هي النتيجة الرئيسية التي قد تفرزها الحرب الروسية الراهنة في أوكرانيا. لقد جعل هذا النزاع بعض الدول تقول إن الحرب الروسية في أوكرانيا هي التي عرت العالم الغربي، غير أن هذه الحرب تذكر العالم بأن البديل عن الشرطي الأمريكي الذي تم تشويهه، غالبًا لأسباب وجيهة، سيكون غابة اسمها العالم المتعدد الأقطاب حيث لا صوت يعلو فوق صوت القوة والمصالح. قد تستنتج بقية بلدان العالم أنه رغم كل شيء فإن الغرب القاسي والمهمل والأخرق أفضل من لا شيء. لكن الأمر سيكون عندها قد تأخر جدا. لوبوان
مشاركة :